كان ابني ينتظر تاكسي عندما قُتِل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كريستين روز
جلس أبو مازن على الأريكة محاطاً بعائلته الثكلى يشرح لنا ما الذي جرى في أسوأ يوم بحياته. بدأ اليوم كأي يوم آخر. تناولت العائلة الفطور معاً، تحدثت وضحكت بالرغم من ثقل الاحتلال خارج بيتهم. قبَّلَ ابن أبو مازن ابنته البالغة من العمر خمسة أعوام، وقال مع السلامة للجميع وتوجّه إلى الخارج نحو العمل. هذا ما كان يقوم به كل يوم.
خرج الجَد العطوف إلى حديقة المنزل بعدما سمع صوت طلقات نارية. جاء جارٌ مسرعٌ يركض نحوه وهو يصيح: "أبو مازن... أبو مازن، البس ملابسك، تعال معنا".
يقول أبو مازن: "ذهبت. شاهدت ابني ممدّداً هناك، مُصاباً في صدرِهِ، في معدته، في رجليه، وفي يديه..." شرح لنا هذا بينما كانت الدموع تنهال من عينيه، لتكسر كبرياءه ومظهره الوقور، ولتكشف عن أسى أب.
يضيف: "كان هناك ثلاثة جنود أمريكان في عربة عسكرية. وسيارة مدنية تمضي مسرعة في المنطقة القريبة. بدأ الأمريكان يطلقون النار في كل صوب. ابني كان واقفاً ينتظر سيارة أجرة، هكذا قُتِل... يطلق الأمريكان النار في كل اتجاه عندما يتعرضون لهجوم..".
أجرت هذه المقابلة ميديا بنجامين خلال واحدة من رحلاتها الإنسانية للعراق وظهرت في (ذا نيو دوكيومانتري) الذي يوثّق، بين أمور أخرى، قصص وآراء مواطني العالم عن جرائم الحروب.
بينما كان أبو مازن يصف وفاة ابنه كانت الأرملة إلى جانبه تنشج من البكاء بصمت. بدت البنت الصغيرة للأب المتوفى مرتبكة وضائعة. أسى الجد لا يوصف وهو يرى عائلته قد تمزقت بسبب احتلال غير مشروع. هذه العائلة ليست سوى واحدة من عشرات الآلاف ممن لديها قصص مماثلة. من القصص المماثلة، ومن مكان وزمان وظرف آخر في العراق، وصف سائق سيارة أجرة أمام محكمة بريطانية كيف أنه ضُرِبَ من قبل سبعة جنود من القوات البريطانية حتى فقد الوعي، وكيف أن أحد ركّاب سيارته فقد حياته للأبد. وخلال تقديمه لقرائنه أمام محكمة كلوجستر، فتح عذار فنجان صدّام، أزرار ثوبه وقال: "ضربوني على ذراعي، على ساعدي، على مرفقي، رأسي، ظهري، في كل مكان من جسدي."
وأبلغ صدّام المحكمة أنه كان ينقل بضعة مسافرين إلى السوق في قرية الفركة، إلى الشمال من البصرة، بسيارته من طراز تويوتا في مايو 2003، بعد 11 يوما من الإعلان عن وقف العمليات القتالية الرئيسية.
وصف، عِبر مترجم، كيف اقترب الجنود السبعة في سيارتين عسكريتين من سيارته وأوقفوها.
قال: "حاولت أولاً أن أُظهِرَ للجنود ما أملك من وثائق عني وعن سيارتي... أولاً وقفت لأتكلم معهم. لم يفهموا ماذا كنت أقول وبدؤوا يضربونني... بعدها سقطت على الأرض بسبب اللكمات، وواصلوا ضربهم حتى أغميَ عليَّ... ضربوني بأعقاب البنادق، والخوَذ، والقبضات اليدوية، والجزَم."
سُئِلَ من قِبَل المدعي العام ما الذي يجعله يعتقد أن مهاجميه بريطانيون، أجاب: "لم نكن نعرف، هم قالوا نحن بريطانيون، البريطانيون في جنوب العراق."
وصف صدّام كيف أن الشخص الذي كان يجلس في المقعد الأمامي للسيارة، ناظم عبد الله بعمر18 عاماً ، قد ضُرِبَ أيضاً بقسوة: "في البدء كنا واقفين، كل واحد في جهته من السيارة...بدؤوا يضربوننا عندما كنّا واقفين، ثم سقطنا على الأرض... بعد ذلك لم أعرف عنه شيئاً، وهو لم
يعرف عني شيئاً... لكني علمت فيما بعد من الناس أنه مات بسبب الضرب بينما كان في طريقه للمستشفى."
يقول صدّام كانت هناك امرأة من بين ركّاب السيارة قد أنجبت قبل ثلاثة أيام فقط من الحادث قد تلقت ضربة قوية على الوجه عندما حاولت التدخّل... امرأة حامل في السيارة تعرضت لصفعة وتم دفعها للخلف... كلب خرج من منزل قريب وأخذ بالنباح قد قُتِل بعد أن أطلق عليه الرصاص.
هذا ما جرى دون أن يكون هناك سبب عسكري للاعتداء. لم يكن هؤلاء الجنود يردون على هجوم عسكري، ولم يكن مطلوباً منهم الدفاع عن أنفسهم في اشتباك عملياتي. لكن لنتأمل معاً أعمار هؤلاء العسكريين: العريف سكوت إيفانز، 32 عاماً، والجنود، بيلي نيرني، 24، صاموئيل ماي، 25، مورن فوسلو، 26، دانيال هاردنك، 25، روبرتو دي ـ كريكوريو، 24، وسكوت جاكسون، 26، جميعهم أنكروا تهمة القتل وممارسة العنف.
مثالان فقط من مئات الآلاف، لا يهم من أين صدرا، سواء من قوات بلادي، أم من قوات البلد العريق بالديمقراطية. ما يهمني أن إساءة صدرت ضد بشر لهم أحاسيس ومشاعر وكرامة، وتم تجريعهم الأسى بكل مرارته.
لكن الأمريكان بدؤوا الآن يذوقون طعم الأسى خاصة في أعقاب كارثة كاترينا. وربما كان سبب انخفاض الدعم للحرب إلى أدنى مستواه في هذه الأيام هو أن الأمريكان بدؤوا يشعرون بما يشعر به العراقيون. ربما جاء ذلك بسبب العجز المطبق الذي ظهر على كافة مستويات حكومتنا في معالجتها كارثة كاترينا. بدأت أمريكا ترى نموذجاً جديداً من العجز والإخفاق ـ من طريقة الاستجابة لأحداث 11 سبتمبر، إلى الحرب على العراق، والآن كاترينا.
يشرح براين ويليامز في برنامجه نايتلي نيوز على شبكة أن. بي. سي. نتائج الأحداث التي خلفها إعصار كاترينا في ولاية نيو أورليانز بقوله: "كنت أسعى على الدوام للاعتقاد أن ابنتي ونظيرتها السوداء في ولاية نيو أورليانز هما على قدم المساواة في هذا البلد."
وعلى هذا الأساس وحده أتساءل، ما الذي يجعل حياة ابن أو ابنة أمريكي أكثر قيمة من حياة ابن أو ابنة عراقي ؟ هناك أكثر من 1900 جندي أمريكي قد قُتِلَ بسبب هذه الحرب. هناك أكثر من 24.000 مدني عراقي قد قُتِلوا بسبب هذه الحرب. متى سيكفّ الموت عن حصاد أرواح الناس ؟ ما هو السعر الحقيقي للنفط ؟
لنستفد جميعاً من موقف الرأي العام الأمريكي الراهن إزاء الحرب. ولنستفد من هذا التراجع "غير المسبوق على الإطلاق" في دعم الأمريكان للحرب/الاحتلال غير الشرعيين، ولهذه الإدارة المتغطرسة. علينا الآن أن ندفع نحو توجيه تهمة التقصير للرئيس على أساس ممارسته الكذب، وعدم الأهلية. دعونا نرَ هذا الرئيس وعصبته ينحدرون إلى أسفل درجة في سُلَّم التاريخ، ليس لأنهم كذّابون ومثيرون للحروب، فحسب، بل لأنهم مجرمو حرب.
* كاتبة أمريكية وناشطة ضد الحرب على العراق