الحرب والسلم في القرن الحادي والعشرين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين: 07. 11. 2005
علي حويلي
تحت العنوان اعلاه صدرت حديثاً دراسة هي الاولى من نوعها عن مؤسسة «human security center» في جامعة كولومبيا بريتانيك في فانكوفر (كندا)، استغرق اعدادها نحو ثلاثة اعوام على يد فريق من الباحثين الدوليين برئاسة اندرو ماك، مدير المؤسسة وأحد الخبراء السابقين للتخطيط الاستراتيجي في هيئة الامم المتحدة بين عامي 1998 و2001. وموّل الدراسة كل من كندا والنروج والسويد وسويسرا وبريطانيا، وهي تهدف، كما يقول ماك، الى «تبيان انحسار موجة الحروب والمجازر البشرية والصراعات المسلحة والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في عدد من بلدان العالم خلال الاعوام الـ 12 الماضية والتي لا يزال بعضهم يبالغ في حدوثها من دون استناد الى أي معطيات احصائية رسمية دقيقة». فهو مثلاً يشير الى ان نسبة الصراعات المسلحة قد انخفضت الى 40 في المئة منذ عام 1992 وان المجازر الجماعية بما فيها ما حصل في البوسنة ورواندا تراجعت ايضا الى نحو 80 في المئة منذ نهاية الحرب الباردة .
ويتساءل ماك: لماذا لم يكترث الرأي العام العالمي لهذا التحول الايجابي الذي يعتبره بمثابة «رسائل امل» للشعوب التواقة الى الامن والسلم والطمأنينة ؟ وينحي باللائمة على «الميديا التي لا تتوقف الا عند الاحداث الدامية وتتجاهل ما ينتهي منها بالمفاوضات بين الاطراف المتنازعة او بتدخل الامم المتحدة سلماً او حرباً»، مشيراً الى انه منذ العام 1998 اختفت المئات من الصراعات المسلحة في عدد من بلدان العالم وان انتهاكات حقوق الانسان آيلة الى الانحسار التدريجي عاماً بعد عام، وان عدد اللاجئين تراجع خلال السنوات العشر المنصرمة بنسبة 30 في المئة وان محاولات الانقلابات العسكرية تدنت من 25 انقلاباً عام 1963 الى 10 انقلابات عام 2004 باء معظمها بالفشل . وطبيعي انه كلما تلاشت الحروب رافقها انحسار في الخسائر البشرية والمادية. ويشير بذلك الى ان الحروب التي حصلت عام 1950 حصدت كمعدل وسطي حوالى 38 الف ضحية في مقابل 600 ضحية عام 2002 علما ان حروب اليوم ( ما خلا حربي افغانستان والعراق) قلما تستعمل فيها الاسلحة الفتاكة او المتطورة إما لعدم امتلاك القوى المسلحة الرسمية لها من جهة وإما لفقدان القدرة القتالية لدى الجماعات الثائرة من جهة اخرى .
وتلاحظ الدراسة ان العالم الذي على رغم ما شهده من «فترة طويلة من السلام» في اعقاب الحرب العالمية الثانية و»عدم حدوث اية حرب اخرى بين الدول العظمى»، سجل بين في 1946 و1991 حدوث صراعات دولية مسلحة كانت فيها احدى الدول الكبرى طرفاً بمعدلات متفاوتة: 21 لبريطانيا و19 لفرنسا و16 للولايات المتحدة و9 لروسيا، علماً ان مع انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي لم يسجل الا بعض الصراعات المحدودة .
وتلفت الدراسة الى ان اعادة الاعتبار الى هيئة الامم المتحدة او ما تسميه «نهاية شلل الهيئة الدولية» كان عاملاً في تخفيف حدة التوتر والصراعات الدموية في كثير من مناطق التوتر في العالم. فبين عامي 1990 و 2002 قامت الامم المتحدة بست مبادرات ديبلوماسية وقائية واربعة تدخلات عسكرية لاعادة الامن والاستقرار الدولي مما يعني ان مهمة حفظ السلام تضاعفت اربع مرات في غضون 12 سنة.
وتتوقف الدراسة عند ما جرى في افريقيا من حروب محلية وقبلية ومجازر بشرية رهيبة لتشير الى ان معدل الصراعات الدموية انحفض من 15 الى 10 بين عامي 2002 و2003 وان ما يرتكب من فظائع آيل الى الانحسار تدريجاً عاماً بعد عام بفضل جهود المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية الساعية الى تحريك عجلة التقدم الاقتصادي ونشر الديمقراطية (زيادة ملحوظة في عدد الدول الدول الديمقراطية من 20 عام 1945 الى 88 دولة عام 2005) كعاملين اساسيين لاستتباب الامن الاجتماعي والسياسي والقضاء على مبررات العنف المسلح .
اما الارهاب فيبقى العنصر الاكثر دراماتيكية في حركات العنف لشدة ما يخلف من ضحايا بريئة في صفوف المدنيين والمرافق الاقتصادية الحيوية. فالسنوات الاربع الماضية كانت مؤشراً خطيراً على شدة ووحشية الهجمات الارهابية على رغم تدني وتيرتها منذ ثمانينات القرن الماضي. تقدر الدراسة عدد ضحايا الاعمال الارهابية العالمية كمعدل وسطي بنحو الف ضحية سنوياً خلال الثلاثين عاماً الماضية الامر الذي جعل واضعي الدراسة يتساءلون عن معنى «الامن الانساني» الذي ما زال ينتهك اليوم بقوة على ساحتي افغانستان والعراق. وتحذر الدراسة من خطر امتلاك المنظمات الارهابية اسلحة دمار شامل واستعمالها كوسيلة لاعادة «توازن الرعب» بين الارهابيين من جهة والدول المنخرطة في الحرب على الارهاب العالمي من جهة اخرى.
وعلى رغم ابدائها كثيراً من الرضى والتفاؤل حيال تضاؤل عمليات العنف، فان الدراسة احصت نحو 60 صراعاً مسلحاً تمتد من العراق الى دارفور وجميعها تحصد المزيد من الارواح علاوة على ما تخلفه من نزوح وتهجير وخراب وفلتان امني وفقر وجوع وامراض وبطالة.
اما اللافت في الدراسة فهو تركيزها على بعض الثغرات المهمة كالنقص الحاصل في المعطيات الاحصائية الرسمية او غيابها او تناقضها لجهة تحديد الخسائر البشرية (العسكرية والمدنية) والمادية ورصد حركة الحروب والصراعات وانتهاكات حقوق الانسان ونشرها في بيانــات سنــوية ذات صدقية علمية، ومساهمة بعض الدول الكبرى والصغرى في تأجيج الصراعات المسلحة تبعاً لمصالحها واستراتيجياتها الدولية والاقليمية، وتخلف الدول الصناعية عن مد يد العون الى الدول المتخلفة ومساعدتها على تخطي ازماتها المالية والاقتصادية او تخصيص اجندة تنموية تتضمن عدداً من البرامج الاجتماعية والفنية والتقنية بغية تخفيف حدة الفقر والمرض والبطالة كبؤر قابلة للتفجير وبواعث مزمنة للارهاب لا سيما حين تتعاظم التناقضات على جبهتي الامن الاجتماعي والسياسي.
وتأمل الدراسة اخيراً في ما تقدمه من معطيات واحصاءات ومعلومات ان يفتح الطريق امام الباحثين ومراكز الدراسات الاستراتيجية لمزيد من التعمق والتوغل في البواعث والاسباب التي تدفع بعض الجماعات والدول الى شن الحروب وانتهاك حقوق الانسان واللجوء الى الاعمال الارهابية وغيرها من مظاهر العنف العبثي .
كاتب لبناني مقيم في كندا.