حسن الحدس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
ذهبت أمس، ملء نفسي وفيض خاطري، للاصغاء الى محمد خاتمي، محاضرا، مؤانسا، هاشا على الدوام لعالم اكثر فرحا، اكثر حياة، اكثر علما، ارفع تسامحا، وأعمق إدراكا لمعنى الوجود. وقد وجدته باسما كما في الصور، معتدل القامة كما هو، كريم الهيئة، أضيق العينين الفرحتين، مما تبدوان من بعيد، هادئ الوقفة والمشية والنبرة، لا يعلو صوته الا ليشدد على دعوة، او نهي، او نفي، او توكيد، وينشر من حوله، على الدوام، بث الطمأنينة. يحكي بمحبة كأنه يصغي، ويصغي كأنه يتأمل في ما قال. ويجلس في الناس كما جلس على عرش فارس، بسيطا، مشرق الدعة، متألق التواضع، فاذا ما استفاض، تجاوز حدود اللغة الى اشعاعها، معتليا اسوار جمالياتها وممتشقا تعاريفها مثل فرسان القواميس.
هذا عقل انساني، وليس عقلا فرديا، وهو فصل من دعوة فكرية متعددة الرقائق، متنوعة السبل في طلب المعرفة، لا تعرف التجمد لكي لا تبتلي بالاصطدام والانغلاق. ان تاريخ الامبراطوريات، بالنسبة الى ثقافته الاوقيانوسية، ليس تاريخ حروب وحقد وقتال مستديم، بل هو تاريخ بشري، تلاقت فيه التجارب، وتسابقت العقول، وأفادت الآداب، واغتنت اللغات، وتقاربت الانسانية نحو المعرفة النهائية بصغر المخلوق ورحمة الخالق.
ولست أستعير هنا من لغة محمد خاتمي، الذي قال بجم خلقه وعُلوّ آدابه، انه لا يجيد العربية، فلن أخاطر في مغامرة من هذا الادعاء. ولكنني أحببت لغته محاضرا كما احببت غناها كاتبا ومؤرخا وناقدا ومؤنس حضارات. وعندما ألقى وأنهى، وفتح المضيفون باب الحوار، اعترضت بكل صدق، بأن في ذلك ضياعة للوقت، فهي فرصتنا ان نستمع، في هذه الحال، أي صوت واحد، لأن فيه اصواتا كثيرة، ولا تفاوت في صوته ولا في معرفته، ولا تراجع عن تلك الدعوة، تحت عناوين كثيرة، الى هدف واحد، ايقاظ الانسان على معاني وجوده، وتدجينه على ان يكون ما اريد له في هذا الكون، ليس مجرد كائن معاقب فصل من الجنة، بل كائن تكون حياته في ارتقائها الانساني، سببا يوميا لحظيا لكسب الرضى الالهي.
نحن هنا، أمام رجل يدعو، من كرسيه السياسي والروحي والاجتماعي، الى عظمة الحياة في الحياة لا الى الحياة في الموت، ويدعو الى سكينة النفس وسلامها ومصالحتها الكبرى مع ذاتها، وبالتالي مع الذوات الأخريات، ويوجه الرجل دعوته من مكانة ومقام وتجربة مرتقاة، بلغة متسقة الإيقاع، واسعة الرؤى، فسيحة التآخي. وهنا، في هذه الزاوية الصغيرة، كنت احد المشرقيين الذين تحمسوا لوصول وزير الثقافة الايراني الى الرئاسة بعد سنوات من مرحلة ومشاهد ودفائن صادق خلخالي، وهنا اعربت عن فرحي عندما جدد له، وهنا حزنت لخسارته. الجديد امس، انني اكدت لمشاعري حسن الحدس.