الهيئة مرة أخرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بن بخيت
لا يوجد هذه الأيام سوى موضوعين يتحدث عنهما المواطن السعودي. موضوع الأسهم وتقلباتها وموضوع رهاب هيئة الأمر بالمعروف. ما أن ينتهي أو يفتر موضوع الأسهم حتى يبدأ الناس بسرد قصص رجال الهيئة التي لاتنتهي.
قرأ الناس قبل عدة أيام القضية التي انفجرت على صفحات الجرائد والمنتديات والمجالس الخاصة والعامة التي راح ضحيتها مواطن آمن وزوجته المصونة بهجوم وحشي من رجال الهيئة والمتعاونين معها. كم كنت أتمنى لو أن الصحف السعودية تتوقف عن نشر أخبار مثل تلك الحادثة أو الحوادث الأخرى التي تتعلق بتصرفات رجال الهيئة. فمثل هذه الحوادث هي التي تنتظرها الصحف الأجنبية التي تتربص ببلادنا لتؤكد بها مواقفها المسبقة من أننا في هذا البلد شعب لا نقيم وزناً للإنسان وكرامته وحقوقه فضلاً عن حقوق المرأة وكرامتها. أن يهجم رجل (أياً كانت وظيفة هذا الرجل) على امرأة ويحاول قمعها ثم سحبها من أمام باب بيتها حتى حز رقبتها بعباءتها وكاد يقتلها وهي تستنجد تبحث عن رجل شهم يخلصها بينما زوجها في الجهة الأخرى مغمى عليه بعد أن تلقى ضرباً لا يعرف إلا الله آلامه. هذه القضية لا تعد تعدياً على حقوق الإنسان والمواطنة فحسب بل إنها تتصل بجوهر الشهامة العربية وروح الفضيلة الإسلامية. متى كان الرجل العربي المسلم يجرؤ أن ينقض على امرأة ويعريها من سترها ويسحبها ذات اليمين وذات الشمال وهو يصرخ بأقذع الشتائم في الوقت الذي تستنجد فيه المرأة بشهم عربي مسلم يخلصها من الألم والإذلال والمهانة. لا أتذكر حادثة كهذه ولا حتى في قصص الجاهلية قبل أن يأتي الإسلام ويتمم مكارم الأخلاق.
هذه الحادثة ليست الحادثة الأولى التي يتحدث عنها الناس ولن تكون الأخيرة بالتأكيد. فهذه القصص نسمعها ونشاهدها منذ سنوات حتى أصبحت جزءًا من حياة الناس اليومية.
أعتقد أنه حان الوقت لفتح هذا الملف الكبير المعقد. سؤال الهيئة واسع بلا أطراف. هل الهيئة جهاز دعوي؟ هل الهيئة جهاز بوليسي؟ هل الهيئة جهاز ديني؟ هل الهيئة جهاز مدني؟ هل الهيئة جهاز أخلاقي؟ ما هي الهيئة؟ هل كل الذين ينشطون في الهيئة مسجلون رسميون فيها أم أن هناك متعاونين؟ قد يبدو السؤال الأخير مجرد تفصيل لا يرقى إلى الأسئلة الشاملة التي قبله، ولكن الحقيقة التي أنا بصددها تقول غير ذلك.
إذا عدنا للخبر الذي نشر في جريدة الوطن وقرأناه بتمعن سنلاحظ أنه ينطوي على شيء يثير القلق. يقول الخبر في بدايته (إن المواطن (م.خ) في العقد الرابع من عمره تقدم بشكوى إلى قسم شرطة العليا مساء السبت الماضي، يفيد فيها أنه فوجئ باندفاع شخصين يستقلان سيارة صغيرة بيضاء ويرتديان ثياباً مدنية يقفان خلف سيارته حين كان يهم بركوبها بصحبة زوجته).
من هما هذان الشخصان؟ هل هما يعملان في الهيئة بشكل رسمي أم أنهما متعاونان معها يقدمان خدماتهما بطريقة خفية عن الدولة؟ البحث في مضمون هذا السؤال هو البحث في البنية التحتية الذي تتحرك فوقها الهيئة؟
الهيئة جهاز حكومي ولديه رجاله ومعاييره وأدواته وسياراته التي رسم عليها شعار الهيئة بشكل واضح وصريح. لكننا نسمع في غالب الأحيان أن عشرة أو خمسة عشر من رجال الهيئة انقضوا على مجموعة من الشباب أو النساء وأخذوهم أسرى وعند الإجراء الرسمي في مركز الشرطة ينخفض هذا الرقم فجأة إلى ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط. هذا الأمر يشي بأن جهاز الهيئة هو في الواقع جهازان. أحدهما رسمي يعمل في الضوء والآخر غير رسمي يعمل في الخفاء. يتداخل هذان الجهازان عند الحاجة وينفصلان في الوقت المناسب. مدى صحة هذا الكلام ستقودنا إلى مجموعة من الاستنتاجات أهمها أن هذا الجهاز يعمل بأهداف أكبر من الأهداف التي أسست من أجلها وخارج منظومة الدولة التي رسمها ولاة أمر هذه البلاد حفظهم الله. قضية الهيئة ليست محصورة في هذا الانقضاض على امرأة مستورة وليست في الانتهاكات التي نسمعها كل يوم واعتدنا عليها. في ظني القضية أوسع بكثير. يمكن أن يبدأ البحث في هذه القضية بمتابعة التحقيق (بجدية) مع هذين الشخصين اللذين نزلا من السيارة البيضاء المدنية وانقضا على الأسرة الآمنة. إن وجود أناس يعملون مع الهيئة في الخفاء يعني أن هناك أهدافاً خفية. على لجنة التحقيق الرباعية المشكلة في القضية المشار إليها أن تكشفها وتضعها بين يدي ولاة الأمر. فالروح التي دفعت رجل الهيئة (أو المتعاون) أن ينقض على امرأة مستورة ويضرب رجلاً حتى يفقد وعيه ليست غريبة علينا هذه الأيام فهي نفسها الروح التي تجوب العالم باسم الإسلام لتدمر سمعة الإسلام وقيم العروبة.
فاكس: 4702164
yara4u2@hotmail.com