فوز «حماس» ... المعنى والدلالات!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عمار تقي
أثارت الانتخابات البلدية الفلسطينية الأخيرة صدى واسعا داخل وخارج الأراضي المحتلة وأهمية بالغة وكبيرة لدى المراقبين والمعنيين بالشأن الفلسطيني كافة وذلك بعد النتائج الباهرة التي حققتها حركة المقاومة الاسلامية الوطنية (حماس) في حصد العديد من مقاعد المجالس البلدية.
ومما أضاف أهمية على هذه الانتخابات، أن حركة "حماس" استطاعت الحاق هزيمة مدوية وموجعة لحركة "فتح" (الحزب الحاكم وكبرى الفصائل الفلسطينية) والتي ظلت مهيمنة لعقود كثيرة على مفاصل الحياة السياسية الفلسطينية، اذ استطاعت حماس تحقيق فوز كاسح في الضفة الغربية التي تعتبر المعقل التقليدي لحركة فتح، فضلا عن النجاح الذي حققته في قطاع غزة, والسؤال المطروح أمامنا هو: ما العوامل التي ساهمت في فوز حركة "حماس" في الانتخابات المحلية الأخيرة؟
يمكن تلخيص أهم العوامل التي ساهمت في انجاح حماس على النحو التالي: أولا، تبني الحركة لخطاب سياسي ذي صبغة دينية لاقى صدى واسعا لدى قطاعات عديدة من الشعب الفلسطيني (خصوصا القطاعات الاسلامية) اذ من المعروف أن للتيارات الاسلامية حضورا واسعا في الشارع الفلسطيني, ثانيا: تمسك الحركة بنهج المقاومة الذي أدى الى تحقيق أول انتصار حقيقي على العدو الصهيوني وذلك بانسحاب القوات الاسرائيلية من قطاع غزة, ثالثا: أقامت حركة "حماس" العديد من المؤسسات المدنية بعيدا عن الأجهزة الرسمية للسلطة، كانشاء دور العبادة والجمعيات الاسلامية والاجتماعية والخيرية ذات الصلة المباشرة بالمواطن الفلسطيني, رابعا: تراجع وانحسار الفصائل الفلسطينية الأخرى بعد عجزها عن طرح مشاريع بديلة، وفشلها في استقطاب الشارع الفلسطيني سواء بسبب تفشي حال الفساد في بعض الأحزاب الكبرى أو بسبب تكريس الحال النخبوية في قيادات أحزاب أخرى!
أما عن أبرز مدلولات فوز حركة "حماس" في الانتخابات البلدية، فانه جاء ليعكس حقيقة في غاية الأهمية وهي تمسك الشارع الفلسطيني بنهج المقاومة، رغم تواتر الأحاديث التي أرادت أن توحي بأن نهج المقاومة ليس له أي امتداد شعبي وانه بات خيارا مرفوضا من قبل الشارع الفلسطيني! بيد أن نتائج الانتخابات الأخيرة عززت من حقيقة تمسك الشعب الفلسطيني بنهج حركة "حماس", أما الدلالة الثانية التي عكستها نتائج الانتخابات الأخيرة أنها أظهرت زيف وبطلان الاحصاءات والدراسات التي قامت بها مراكز بحثية فلسطينية رسمية عدة والتي كانت تعطي حركة "حماس"، في أحسن الأحوال، نسبة 25 في المئة من مجمل التعداد الفلسطيني! غير أن الفوز الكبير الذي حققته الحركة أظهر الحجم الحقيقي لها وعكس قوة التأييد التي تحظى بها بين الفلسطينيين.
الآن وبعد النتائج الكبيرة التي حققتها "حماس" في الانتخابات البلدية ومع اقتراب موعد اجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25 يناير المقبل، والتي ستشارك فيها حماس للمرة الأولى ومن المتوقع أن تحقق فيها نتائج مشابهة كالتي حققتها في الانتخابات البلدية، يبدو أن اسرائيل ــ على الجانب الآخر ــ استنفرت طاقاتها الديبلوماسية "وغير الديبلوماسية" لتحجيم الحضور السياسي المتنامي لحركة "حماس"، فهي تسعى في الوقت الراهن الى قطع الطريق أمام مشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، اذ أعلنت اسرائيل على لسان كبار مسؤوليها عن الرفض القاطع لمشاركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية المقبلة!
هناك نقاط ثلاث مهمة ينطلق منها الموقف الاسرائيلي الرافض لمشاركة "حماس" في الانتخابات التشريعية المقبلة، الاولى هي الخوف من اسباغ الشرعية الدولية على حركة "حماس" بعد أن نجحت المساعي الاسرائيلية، في وقت سابق، في وضع الحركة على قائمة المنظمات الارهابية لدى العديد من دول العالم, الثانية وهي في حال دخول "حماس" الى البرلمان الفلسطيني (من دون التخلي عن سلاحها)، فان هذا الأمر سيؤدي الى تشريع الاحتفاظ بهذا السلاح واضفاء الشرعية عليه تماما كما جرى مع "حزب الله" في لبنان! الثالثة هي ان اسرائيل تسعى من خلال رفضها لمشاركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة الى تأجيج الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية من خلال الضغط على السلطة لمنع حماس (بالقوة) من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
أما اذا عرجنا على الموقف الاميركي من قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فاننا لن نجد أي تباين عن الموقف الاسرائيلي، بل سنرى المزيد من التصلب والشدة في رفض مشاركة "حماس" في الانتخابات المقبلة! وهو ما تجلى بشكل واضح و"سافر" في قرار الكونغرس الاميركي مطلع الأسبوع الحالي الذي دان مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة! بل ان نحو 397 نائبا في الكونغرس صوتوا في الوقت ذاته على قرار يقضي بوقف المساعدات المالية الاميركية للسلطة الفلسطينية في حال سمحت السلطة بمشاركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية المقبلة! وهو ما أعرب عنه أيضا ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا" مطلع الأسبوع الحالي بأن العديد من دول الاتحاد الأوروبي ستوقف المعونات المالية المخصصة للسلطة الفلسطينية في حال سمحت السلطة بمشاركة "حماس" في الانتخابات التشريعية المقبلة! أما الخارجية الاميركية فانها ذكرت بأنه لا مجال لحركة "حماس" في المشاركة ضمن العملية الديموقراطية الفلسطينية كونها حركة "ارهابية" لا تعترف بحق اسرائيل في الوجود! حتى أنها (الخارجية الاميركية) هددت بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع السلطة الفلسطينية في حال لم تنجح السلطة في كبح جماح حركة "حماس" عن المشاركة في العملية الانتخابية المقبلة، متجاهلة بذلك مسألة مهمة طالما كانت تنادي بها، وهي أن الحؤول دون مشاركة "حماس" سينتقص من الشرعية الشعبية للعملية الانتخابية، خصوصا بعد النتائج التي حققتها الحركة في الانتخابات المحلية الأخيرة والتي عكست شعبيتها الواسعة.
خلاصة القول ان حركة المقاومة الاسلامية "حماس" استطاعت في السنوات الأخيرة تنمية رصيدها السياسي في المجتمع الفلسطيني، في الوقت الذي تشهد فيه حركة "فتح" أزمة تاريخية تعصف بها وعملية انشقاق غير مسبوقة! فتسارع وتيرة الأحداث على الساحة الفلسطينية، ناهيك عن المتغيرات التي تشهدها الساحة الاسرائيلية جراء انشقاق كل من آرييل شارون عن حزب الليكود، وشمعون بيريز عن حزب العمل، وتشكيلهما حزبا سياسيا جديدا لخوض الانتخابات المقبلة في مارس في العام المقبل، بالاضافة الى تطورات اقليمية أخرى ستشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة، فان مجمل هذه التطورات تشير الى ولوج الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى مرحلة جديدة، خصوصا في حال قررت حماس المضي قدما في قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، رغم العراقيل والضغوط الداخلية والخارجية كلها! حيث إن فوز حماس "المتوقع" في الانتخابات التشريعية المقبلة "وبنسبة عالية" سيفضي الى حدوث "تسونامي" سياسي يعيد ترتيب خريطة التوازنات الحزبية الفلسطينية من جديد، والذي سيعكس بدوره مصير وطبيعة وشكل التسوية السياسية في الصراع مع اسرائيل! يقول "تسفي برئيل" في مقاله المنشور بصحيفة "هــآرتس" العبرية بتاريخ 6/11/2005 ان "حركة حماس تمسك الآن بتوازن رعب مزدوج سياسيا وعسكريا".
كاتب كويتي