الحالة العربية.. في القمة الخليجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين:26. 12. 2005
السفير عبدالله بشارة
انتهت قمة ابوظبي لقادة دول مجلس التعاون بعد حوالي اربع وعشرين ساعة من بدايتها، وبالمقاييس المعروفة في اجتماعات القمة للقادة، يمكن اعتبارها اسرع قمة، وجاءت في البيان الختامي الموضوعات التي اقرها القادة، كما جاءت معلومات اخرى من المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير خارجية الامارات مع الامين العام للمجلس بعد انتهاء لقاء القمة والذي ذكر فيه: "بأن المجلس الاعلى ناقش رسالة من السيد عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية الى الامين العام لمجلس التعاون التي اشار فيها الى انشاء منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج تعطي الانطباع بأن امن الخليج لا يرتبط بتحقيق الامن في الشرق الاوسط وبالتالي لا يتأثر بامتلاك اسرائيل للاسلحة النووية، وان هذه الجهود تأتي منسجمة مع جهود وافكار دول اخرى يتم الترويج لها في السنوات الاخيرة، وتدعو للنظر الى امن دول الخليج على انه يتعارض مع فكرة ترابط الامن الجماعي العربي وان هذا التوجه اذا تمكن من تحقيق اي نجاح سيمثل تقويضاً للجهود العربية الجماعية التي تبذل لوضع مشروع معاهدة تجعل منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من كافة اسلحة الدمار الشامل. جاء ذلك في صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم الثلاثاء العشرين من الشهر الجاري.
ويعلق الوزير الاماراتي بأن الخليج يقدر مخاوف الامين العام للجامعة العربية في مخاوفه وقلقه كمواطن مصري من البرنامج النووي الاسرائيلي ونحن معه في ذلك، لان هذا البرنامج يخيفنا جميعاً كعرب.
ونحن ايضاً لدينا مخاوف وقلق من البرنامج النووي الايراني، وكان المفروض ان يتحدث عمرو موسى عن المخاوف في الخليج من البرنامج النووي الايراني لان المنطقة قريبة من المفاعل النووي الايراني وليس لديها حماية ووقاية في حال تسرب الاشعاع من هذا المفاعل، ونأمل عندما يتحدث امين الجامعة العربية عن المخاطر ان يدخل في حسابه وجود ست دول عربية ضمن منظومة الامن العربي.
والموضوع الثاني الذي شغل القادة هو العلاقات مع اليمن، ويقول الامين العام لمجلس التعاون -في هذا الصدد - بأن التوجه هو لعقد اجتماع مشترك بين المجلس الوزاري ووزير خارجية اليمن بحضور صناديق التنمية الخليجية لتحديد حجم المساعدات التي يمكن ان تقدمها دول المجلس لليمن خلال عشر سنوات.
ويمكن ابداء الملاحظات التالية في ضوء الاستنتاجات:
اولاً: جاء في البيان الختامي ان المجلس الاعلى جدد مطالبته بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج، وجاءت العبارة هادئة اكثر مما يجب، وتوفيقية اكثر مما متوقع، ومتواضعة في حجم القلق، وهو قلق طبيعي وشرعي، وانا شخصياً اميل الى التهدئة دون تمييع الرسالة التي يجب ان تصل الى طهران، وجوهرها - رفض ادخال المنطقة في سباق التسلح النووي، ووسيلتها الدبلوماسية الناعمة والمقنعة، ومظاهرها دعم الجهود الدولية لاقناع ايران في وقف برنامجها، وآليتها العمل الدبلوماسي المكثف لاعلان منطقة الخليج خالية من اسلحة الدمار الشامل، وذلك بتقديم مقترح امام الامم المتحدة تتبناه دول مجلس التعاون، هناك خصائص للمنطقة لا تتوفر لدى الآخرين، فلا تتحمل المنطقة انقلابات في ميزان القوى الذي دفعت دول المجلس الكثير من اجل المحافظة عليه.
وتقف الاسرة العالمية بكل اعضائها وراء شرعية الطلب الخليجي، لان العالم يعرف حساسية المنطقة ويثمن ترابطها مع الامن والسلام العالميين، ويعرف قيمتها العالمية في الازدهار الاقتصادي، ويدرك سعرها المرتفع في الاستراتيجية العالمية.
ولا نختلف مع التوجه العام لاعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح المدمر الشامل، ولكن الاعتراض هو الاكتفاء بهذا التوجه على اعتبار انه يغطي منطقة الخليج، وهذا التنازل هو الذي تريده ايران التي تفلت من الضغوط الدولية بالاختفاء وراء مشروع الشرق الأوسط الذي لن يتحقق والذي يثير خلافات اقليمية ودولية، ولا يتوفر له الاجماع الذي تناله منطقة الخليج ذات الاحتضان الدولي..
كما انه ليس من اللائق توبيخ دول المجلس في جهودها لاعلان المنطقة محظورة من الاسلحة النووية، وغير مقبول ان تتعرض نزاهتها ونظافة سلوكها الى الشكوك، وليس من الحكمة الدخول في الاتهام حول تأثر دول الخليج بالافكار التي تروج لها الدوائر الدولية.
ثانيا: ذكر البيان الختامي بان المجلس اطلع على تقريرين من الامين العام عن سير التعاون بين المجلس والجهود اليمنية والخطوات التي تم اتخاذها في اطار المجلس حول الموضوع بما في ذلك توجيه المجلس الاعلى بدعم تمويل المشاريع التنموية في اليمن والتوجه لعقد مؤتمر لاستكشاف فرص الاستثمار في اليمن.
ومع معرفتي بان هذا الموضوع اخذ نصيب الاسد في مداولات القمة، فان المنطق يدعو الى الوضوح التام في العلاقات بين اليمن ومجلس التعاون، وهذا الوضوح يدعو الى علاقات مميزة بين الطرفين تلتزم ـ بموجبه ـ دول مجلس التعاون بالاسهام السخي في مشاريع التنمية تخفيفا عن الازمة الاقتصادية الخانقة، ومشاركة في بناء البنية التحتية وتشابكها مع جهود اليمن نحو التطور والتقدم.
وفي هذا المجال لا تختلف الدول، لكنها ستختلف مواقفها عندما يتعدى هذا السياج الى ساحة اخرى تناقش فيها عضوية اليمن، وهنا سنختلف لان النظام الاساسي وصيغة الضوابط والمقدمة التي جاءت في النظام الاساسي تحصر العضوية في الدول الست فقط المتماثلة في نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وذات المصير الواحد.
وجاء القرار الذي جاء في البيان الختامي وفي مداخلة الامين العام في مؤتمره الصحفي تنهي الجدل وتضع حدا للاجتهادات عن عضوية اليمن، فالقرار هو لقاء تكتشف فيه دول المجلس مجالات التنمية للاسهام في خطة اليمن الاقتصادية، وهو قرار سياسي لمساعدة اليمن بشكل مباشر ومتواصل ترجمة للعلاقات المتميزة، ولا داعي الى اثارة موضوع العضوية مستقبلا عضوية مجلس التعاون وفق النظام الاساسي مغلقة.
ثالثا: من المهم ان تبتعد دول المجلس في نهجها ودبلوماسيتها عن الاعراض التي اصابت العمل العربي المشترك في مقتل، والتي أدت الى الانتكاسات والهزائم وضياع نهج الاولويات.
ومن مزايا دول المجلس التي كسبتها عبر عملها المتواصل هي المصداقية، وهي تجاوز الانفصام بين القول والفعل، والتركيز على ان يكون القرار منسجما مع القدرة على التنفيذ بينما سارت الدبلوماسية العربية الشرقية على نهج الاقوال اضخم من الافعال، واتخاذ القرار دون حسابات التنفيذ، والتوجه نحو المبالغات اللفظية فيما يشبه العنتريات دون التعامل الواقعي مع الاحداث.
اقدر ان اقول بان الرئيس حسني مبارك، قدم مدرسة تتناسب فيها الاقوال بالافعال واخرج مصر من الانفصام الذي عانت منه، واقترب كثيرا في الدبلوماسية المصرية من النهج الخليجي.
بينما بقي حوض الشام يعاني ـ ولايزال ـ من دبلوماسية الفهلوة والتشاطر، ومن يتفحص السلوك اللبناني والسلوك السوري حول قرارات مجلس الامن الاخيرة، سيجد الكثير من هذه الدبلوماسية في مواقف تلك المنطقة.
يمكن القول ايضا بان الملك عبدالله ـ ملك الاردن ـ ادرك بخلفيته الثقافية وحسه السياسي اضرار العنتريات والانفصامات ودبلوماسية المجاملات العربية، فاخذ الاردن الى ما نسميه النظام الفكري العربي الجديد، وهو الداعي الى علاقات عربية قائمة على الواقعية والاحترام المتبادل وحسن الجوار وتبادل المنافع دون تجاوزات خرافية انكشفت امام الازمات خاصة ازمة الغزو العراقي لدولة الكويت.
دائما اقول بان الجامعة العربية اكثر وفاء للمبادئ التي جسدها ميثاقها من الدول الاعضاء كما في سجل احداث الغزو، لكن ذلك لا يعفيني من الاشارة الى ان مصطلحات الجامعة ومفرداتها وربما منطلقها مازال عتيقا لم يتعرف على المستجدات في نظام المصالح والمنافع الذي يحرك الاتصالات العربية في هذه المرحلة، واعتقد ان رسالة الامين العام حول قضايا الخليج هي من مواليد البيروقراطية في الجامعة العربية التي ولدها النظام العتيق، لانه ـ من معرفتي الشخصية به ـ اكثر ديناميكية وتحررا ورفضا لشباك البيروقراطية المعتقة.