جريدة الجرائد

غسان تويني: مرحباً بالربيع... فما عاد جدار برلين ممكناً !

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في غمرة الأحداث المأسوية التي يعيشها لبنان، وتجري انتخاباته النيابية في ظلّها، ثم تحاول، او يحاول اللاعبون تجاهلها مدعين الترفّع حيناً، ومتلبّسين بالغطرسة والجهل أحياناً...

في غمرة هذه الأحداث يتطلّع الأكثرنا معرفة باسرار الشرق الأوسط (وعالمه العربي المتزايد زلزلةً يوماً بعد يوم)... يتطلّع هؤلاء الى المؤتمر القطري العاشر الذي يعقده حزب البعث الحاكم في دمشق الشام ببعض الرجاء والكثير من التشكيك.

البعض يستهول ان يكون "الآتي أدهى وأعظم" ويمضون في رسم سيناريوات الحروب المرئية وغير المرئية قائلين ان سوريا المضطربة ستحاول تدعيم كيانها الداخلي بزعزعة جيرانها... "ومن أحقّ وأسهل منالاً من لبنان؟".

بينما ثمة بعض آخر لا يزال يحلم وبطوباوية مقبولة بأن يأتي الصيف المطل علينا بربيع دمشق الموعود تزيّنه الورود السورية العطرية، انما في غير زي أكاليل دفن الموتى!!!

محلل دولي ولا اقول "مراقباً" حتى لا يساء الفهم مشهود له بحسن التحليل، اتصل بي أمس يقول ان العلّة في الحزب الحاكمِ سوريا، لانه يتردّد على عتبة الربيع بسبب ما يمكن تسميته "الغورباتشيوف سندروم"... أي ان الحكم والحزب هناك تسربلهما عقدة التخوّف من تحوّل الربيع الى "بيريسترويكا" تفتح الأبواب والنوافذ على الهواء الحر العطر، فاذا بالعواصف هي التي تدخل وتطيح حكم الحزب وقياداته، بمن فيها... الغورباتشيوف السوري أياً يكن، ولو كان الرئيس البشّار بالذات.

تناقشت والمحلل الدولي وقلت له ان تفكّك الحزب الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفياتي لم يبدآ مع غورباتشيوف بل مع خلفاء ستالين، خروشوف وجماعته، و"الترويكا" التي حكمت الاتحاد السوفياتي بعد ذلك الى حين طويل... ويجب ألاّ ننسى ما باح به خروشوف من أن تقرير اللجنة المركزية عن فظائع العهد الستاليني وفضائحه ظلّ نائماً في ذاكرة الحزب سنتين وربما أكثر، ولا أحد يجرؤ حتى على البوح لنفسه بما سمع منه (وقد تلي علناً، ثم طوي سراً دفيناً) ربما بفعل استمرار الخوف من الطاغية ستالين ولو بعد الوفاة...فأين ستالين في سوريا؟

وهل سبق بشّار الأسد خروشوفٍ ما وضع تقريراً عن عهدٍ طوته سوريا ولا تزال اسراره اسراراً مكتومة دفينة؟

و كيف يمكن ان يتحوّل الرئيس البشار او أي زعيم آخر الى غورباتشيوف، يفرقع النظام بمجرّد دعوة الحرية الى المؤتمر القطري؟

لم نحسم أنا وصديقي المحلل الدولي (وكان أحرى بي أن أصفه بالمراقب التاريخي، او فيلسوف التاريخ... اذذاك كان يمكن أن يكون سمير قصيرٍ بالذات، لم يمت بعدّّّ!!!) أقول: لم نحسم الموقف ولا صار عندنا جواب جدلي نتفق عليه، غير الظن ان المؤتمر العتيد سيجتمع، واحشاء الحزب يسكنها في آنٍ واحد الخوف الفظيع من ربيعٍ يكون صيفاً عاصفاً، والأمل العظيم في أن يكون الربيع هو طريق الانقاذ والتغيير الى الأفضل، والخروج بسوريا من تخبّطها في العزلة وفي أزمات ليس عندها مَن يساعدها على التوصل الى حلول ترضية لها مقبولة ومعقولة.

وطبعاً لأننا نحن لبنان، ومنه وفيه، يؤرقنا السؤال ولا تقلقنا الأجوبة الممكنة، لأننا "المساحة" (ممنوع ان نستمر نقول: "الساحة"، ولو صارت!!!) نعم "المساحة العضوية" التي يزهر فيها ربيع دمشق، ولبنان يسقيه ويزيده يناعاً... أو تهبّ فيها العواصف "الشامية" (والرياح الشمالية): اغتيالات كتلك الموعودة وانفجارات ومشاريع حروب أهلية (وتنشأ من أسوأ ممارسة لانتخابات الديمقراطية البرلمانية التي كنا نعلّل النفس بتصدير أحسنها الى سوريا)... وكلها في متناول الشقيقة التي سحبت جيوشها الجرارة انما خلّفت وراءها كل ادوات الاجرام المخابراتي والعصابات المافيوية غير المأجورة ولا المنظورة، ولو في زي أحزاب وأشباه أحزاب... فضلاً عن الشركاء الذين يظنون انهم حلفاء ولا يعرفون ماذا يفعلونّ!

... ولنفترض اننا، صديقي المحلل الدولي وأنا، توجهنا بالسؤال الى خبير ينصحنا وينصح الحكم اللبناني المتعثّر المثقلة حكومته "الحيادية" بمئة همٍّ وهمّ. فماذا يقول الخبير؟

أجاب الخبير:

أولاً: مطلوب من لبنان الخروج من الخجل والوجل. الخجل من مصارحة سوريا بنصحها وتحذيرها ودعوتها الى "الربيع التغييري"، ويكون مشتركاً. والخروج من الوجل أي من الخوف من أخطار تصدير سوريا ازماتها، اغتيالات وتفجيرات وحروباً "وقائية" (لها)... بل الخوف من تحذير سوريا من أن لجوءها الى كل هذه "الممكنات"، الثابت انها في متناولها، نتيجته ستكون انفجار سوريا ربما قبل ان ينفجر لبنان الذي اثبت شعبه انه قادر على القفز الى الوحدة الوطنية (نعم، القفز) فور تعرّضه للخطر. وهذا ما حدث من شباط الى آذار، ولعله لا يزال ولو في ظاهره متأزماً !

ثانياً: مطلوب من الحكومة اللبنانية أياً يكن موقف رئيس الجمهورية، ولا نقول "مصيره"... أن تصدّق انها حكومة وان في متناولها الحكم. وان الحكم احتراز أولاً، فعليها أن تتّخذ كل التدابير للوقاية من امكان "اللا ربيع"، وفي طليعتها الحراسة الذاتية (ولا تسأل عن المعنى، الجواب بكل ما في المعاني وأبعادها) والإطباق بقوة بل بطش على كل ما ومن يثير أو يمكن أن يثير ريبة أو شكاً... والمعنى في قلب الحكم وعلوم الحكومات!

ثالثاً: مطلوب من الحكم ان يتهيّأ ديبلوماسياً واعلامياً للجوء الى تشغيل الحصانة الدولية التي تحتضن بشرعيتها الاممية لبنان وديمقراطيته التي لا تزال عليلة... مثلاً قرار مجلس الأمن الآخر (اي غير الـ1559الطيب الذكر!) المتعلق بالارهاب ورقمه 1566وذلك عند أول حركة او عملية مريبة تدلّ على ان "العاصفة آتية لا محالة"، فنطلب لأنفسنا أكثر مما يطلب الاخوان الفلسطينيون لحماية أنفسهم وأرضهم والمؤسسات... ولا نفقدنّ الأمل في الظفر بذلك، فلبنان هو الأقدر.

حتى ينجح لبنان في خطّته هذه مع رجاء ألاّ تحوجه الظروف اليها، بل يأتيه الربيع السوري بما يفرح قلوبه وقلوب السوريين، والمجتمع الدولي المتلهّف الى مثل ذلك...

حتى ينجح لبنان، يجب ان تفرض الحكومة (التي جاءت، نتيجة قرار لبناني عربي دولي، لاجراء انتخابات حرّة ونزيهة تعيد لبنان الى الشرعية الدستورية غير المطعون فيها)... نقول: يجب أن تفرض الحكومة، بكل وسائلها المشروعة وأولها الحوار الديمقراطي، على جميع "المتصارعين" في الانتخابات عهد شرف مضمون قانونياً بعدم سلوك المنزلقات الشريرة التي يتمناها لنا الأعداء كلهم، أينما كانوا... ولو برز ان بينهم "أشقاء"، لا فرق!

مفهوم؟

يجب ان نُفهم بعضنا بعضاً، وأن نتفاهم، لنوجّه الرسالة صفاً واحداً الى الصديق قبل العدو، والشقيق قبل الغريب. ولنهتف كلّنا معاً للربيع السوري المأمول، بصدق وغفران ومحبة مستعادة مستديمة.

لأن لا ربيع وصيف تحت سقفٍ واحد... ولا خوف من غورباتشيوف، لأن ليس ثمّة في تاريخ سوريا (بعد؟) خروشوف يريد فضح أية ستالينية.

ونحب أن نظنّ اننا لسنا هنا، من جانبي الحدود، في ظلّ أي نظام سوفياتي متهاوٍٍٍٍ. وقد زال زمن تشييد "جدار برلين" في أي مكان في العالم، من غير أن يهب العالم لهدمه.

مفهوم، كذلك؟

مفهوم؟ الأفضل أن يصير مفهوماً، حتى لا تهبّ عواصف جهنّم على جانبي الحدود!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف