جريدة الجرائد

داود الشريان: الحماسة لـ «حماس » لماذا الآن؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الحياة اللندنية: الأربعاء: 08 ـ 06 ـ 2005

عاد الحديث مجدداً عن استعداد الادارة الاميركية لاجراء اتصالات مع بعض المرتبطين سياسياً بحركة المقاومة الاسلامية «حماس»، وصرح مسؤولون وديبلوماسيون غربيون لوكالة «رويترز» بأن ادراة الرئيس الاميركي جورج بوش بدأت بتخفيف موقفها تجاه «حماس» كرد فعل على النفوذ السياسي المتصاعد للحركة في الساحة الفلسطينية، واستجابة لنداءات من الحلفاء الاوربيين للتحلي بالمرونة مع القوى الاسلامية الفلسطينية».

النفوذ السياسي لـ «حماس» في الاراضي الفلسطينية ليس جديداً، واشارات الغزل بين الادراة الاميركية و«حماس» ليست جديدة أيضاً، صحيح ان هذا الغزل الصامت توقف بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)، لكنه ظل مطروحاً على الدوام، وبشرطه الاساسي وهو ان تلقى «حماس» السلاح وتنخرط بالكامل في العملية السياسية. ويمكن اعتبار «اعلان القاهرة» بين الفصائل الفلسطينية، الذي وافقت فيه «حماس» على الهدنة، اختبار عملي لهذا التوجه لدى الادارة الاميركية. لكن «حماس» خيبت ظن الشهود على الاعلان، وتعلمت من تجربة السلطة الفلسطينية، ان التنازل مرة واحدة يفضي الى تنازلات لا تنتهي، ولهذا ردّت على الخروقات الاسرائيلية، وتمسكت بموقفها المبدئي، رغم اعلانها المتكرر عن تمسكها بالهدنة اذا التزمها الجميع. وهذا يؤكد ان الحركة ليست في عجلة من أمرها لتحقيق مكاسب سياسية، اذا كانت هذه المكاسب ستأتي على حساب دورها على الساحة الفلسطينية، فضلاً عن انها لا تعاني ازمة في شرعيتها تجبرها على هرولة سياسية بلا ثمن. اذاً ما الذي تغيّر؟ ولماذا العودة الى التلويح بقبول «حماس» رغم انه جرى تجريب موقفها من قضية وقف العمل المسلح ؟

الحديث عن قبول «حماس»، واجراء اتصالات معها لا يمكن فصله عن الرغبة الاميركية في بدء حوار مع الاحزاب والتيارات الاسلامية باعتبارها قوة فاعلة على الساحة السياسية العربية، والتي جاءت بعد الصعوبات التي واجهتها واشنطن في العراق والمنطقة، وهي الفكرة التي انتقلت الى دول الاتحاد الاوربي التي ناقش وزراء خارجيتها قبل ثلاثة اشهر وثيقة تحث دول الاتحاد على بحث مسألة الحوار مع الجماعات الاسلامية في الشرق الاوسط. لكن تخصيص «حماس» من دون غيرها في هذا الوقت جاء نتيجة لحاجة الادارة الاميركية الى دور الحركة في استئناف عملية السلام التي ستواجه قضية القدس، وهذه تحتاج الى شرعية اسلامية تستطيع التعامل مع شعار شارون، الذي اعلن أول من امس بمناسبة الذكرى الـ 38 لاحتلال المدينة المقدسة، ان القدس لاسرائيل الى الأبد ولن تكون بعد اليوم ملكاً «للأجانب»، وقال انه سيتحدى العالم من اجل ان تبقى القدس عاصمة موحدة وابدية للدولة العبرية. ويحتاج حل قضية القدس بهذه الطريقة الى مفاوضين ملتحين ومحسوبين على الاسلام، ومن هنا اصبح الحوار مع «حماس» مطلباً مهماً .

حركة «حماس» اصبحت اهم من منظمة التحرير على الساحة الفلسطينية، وهي تمتلك حساً سياسياً مكّنها على مدى السنوات الماضية من ان تدير علاقاتها مع الرئيس الراحل ياسرعرفات على طريقة «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم » وهي تستطيع ان تدخل المفاوضات بالقدرة ذاتها، لكن مشكلتها ان تحرير القدس جزء من شرعيتها النضالية، ان لم يكن كل شرعيتها، ومن هنا تكمن ازمتها في الاستجابة للحاجة الاميركية.

كل الاطراف تعلم أن القدس لن تكون لطرف بالكامل، و«حماس» تدرك هذا جيداً، لكن حتى هذا الحل يحتاج من الجانب الفلسطيني الى مفاوض له شرعية «حماس» في الشارع الفلسطيني والعربي والاسلامي. فهل تستطيع «حماس» أن تطبق مبدأ الذئب والغنم، وتشارك في التوقيع على حل يخالف طرحها فيما يتعلق بالقدس، مقابل تعديلات في الحدود والمستوطنات وحقوق اللاجئين أم تبقى متمسكة بشعارها الموازي لشعار شارون؟

الأكيد ان حماس قوة شعبية لا يستهان بها، والأكيد ايضاً ان المفاوضات المقبلة لن تفعل شيئاً من دونها، لكن المشكلة ليست في موقف «حماس»، وانما بالدور الاميركي، فواشنطن تتحدث مع الفلسطنيين على طريقة «اريد ان اخذ رايك ولكن عليك ان توافق» ولهذا فإن «حماس» قد ستستجيب للرغبة الاميركية وتفتح قنوات للحوار السياسي لتعزيز مكانتها الدولية، لكن من المستبعد ان تكمل المسيرة على طريقة السلطة الفلسطينية، لأنها تعلم أن الموافقة على حل قضية القدس بطريقة لا تلبي طموحاتها لن تأتي بمقابل له قيمة، وعلى فرضية ان «حماس» قبلت بربع القدس، فإن الساحة الفلسطينية ستنجب حماساً اخرى، وهذا ما يجب ان تعرفه الادارة الاميركية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف