جريدة الجرائد

جزيرة مصرية في قلب اوروبا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأهرام المصرية: الخميس: 09 - 06 -2005

بعد إهمال دام سنوات طويلة
سيدة يونانية تنجح في إنقاذ وقف محمد علي في قولا
علم مصر يرفرف من جديد علي مبني التكية


رسالة كفالا‏:‏ إيناس نور :

يقبل الكثيرون علي اليونان لزيارة معالمها الأثرية أو جزرها الجميلة‏..‏ وقليلون يعرفون أن هناك مزارا مصريا أثريا يقوم كشاهد علي تاريخ مصر الحديثة ويمكنه أن يصبح منارة إشعاع ثقافي وحضاري لمصر في قلب أوروبا‏..‏ وأقصد مدرسة أو تكية محمد علي بمدينة كفالا أو قولا شمالي اليونان والتي يرجع تاريخ بنائها إلي عام‏1817.‏ وبعد إهمال للموقع طوال نحو قرن‏,‏ استعاد أخيرا رونقه ونجا من انهيار مؤكد بفضل حماس سيدة يونانية تعشق مصر وتاريخها‏.‏ ولم تبخل بالمال لإنقاذ هذا الأثر الذي تصفه بأنه جزيرة مصرية في قلب أوروبا‏.‏

وبات العلم المصري يرفرف خفاقا فوق المدرسة بعد أن تحول إلي فندق متميز ذي طابع أثري جميل دون أن يفقد شيئا من أصالته‏.‏ فقد روعي في ترميمه وتجديده الحفاظ علي كل معالمه وتفاصيله السابقة‏,‏ بل إن بعض الأبواب الخشبية الأصلية مازالت قائمة ويتم ترميمها بدقة شديدة‏.‏ ويحمل الفندق مسمي التكية أو إماريت‏,‏ وقد بدأ تشغيله الصيف الماضي‏,‏ ولكن لم يفتتح رسميا بعد‏.‏ وعلي بعد نحو مائتي متر يقع منزل محمد علي الذي عاش فيه قبل صعود نجمه وتوليه لقوات المماليك والخلافات والصراعات الداخلية بين المماليك والعثمانيين‏..‏ وتحمس المصريون لمحمد علي وطالبه علماؤهم ومشايخهم بقبول الولاية علي مصر بديلا عن خورشيد باشا‏.‏

ويواجه المنزل تمثال لمحمد علي باشا ممتطيا جواده وظهره لإحدي الكنائس القائمة في مواجهة المنزل تعبيرا عن التعايش الثقافي والحضاري‏ وقد عاش محمد علي بذلك المنزل قبل توليه حكم مصر‏.‏ ويعتبر هذا الموقع للمنزل والمدرسة علي تل بناجيا من أقدم أجزاء المدينة‏,‏ التي يبلغ تعدادها حاليا نحو‏80‏ ألف نسمة‏,‏ وتشتهر بمطاعم الأسماك‏.‏

وموقع كفالا يحتل شرقي إقليم مقدونيا شمالي اليونان‏,‏ وهي تبعد نحو‏200‏ كم من مدينة سالونيك‏.‏ وقد اشتهرت قديما أيضا بمصانع الدخان‏,‏ حيث كانت تضم أكثر من‏60‏ مصنعا ولم يبق الآن سوي مصنع واحد‏,‏ ويقابل كفالا جزيرة تاسوس التي كانت بكاملها مملوكة لمصر‏,‏ غير أن الإهمال أتاح الفرصة للاستيلاء علي الكثير من هذه الأملاك‏..‏ وتعاني البقية الباقية من تجاهل شديد من قبل مصر مما يعرضها للضياع‏.‏

ومن المزارات التي يمكن مشاهدتها قرب كفالا جبل أتوس الشهير الذي يضم ديرا لا يدخله أي سيدات ويتمتع بوضع مميز يسمح له بالإدارة الذاتية‏.‏

وفيما يتعلق بمشروع ترميم تكية محمد علي والتي تضم فندقا به‏30‏ حجرة وينضم للقائمة المميزة للفنادق الأثرية الأوروبية‏,‏ فقد حرصت علي لقاء صاحبة مشروع الترميم أنا ميسريان ـ وتعني كلمة ميسريان وهي مكتسبة من زوجها الأرمني الأصل ـ المصري‏.‏ وسألتها عما إذا كان هناك أي ارتباط لأسرتها أو أسرة زوجها بمصر وما إذا كان ذلك ربما هو سر تعلقها بكل ما هو مصري فقالت‏:‏

ــ لا أظن أن هناك أي أصول مصرية لي‏,‏ والاسم هو مصادفة ويرجع شغفي الكبير بمصر إلي فترة طفولتي‏,‏ وكنت مغرمة جدا بتاريخ مصر وحرصت علي قراءته في سن مبكرة‏,‏ وقد درست التاريخ بعد ذلك‏,‏ أما ذلك الأثر فقد كان يجذبني إليه بوصفي من مواطني كفالا‏,‏ وكنت أشعر بأسي كبير لحالة التدهور والتردي التي وصل إليها حتي أنه أصبح يثير قلق السكان خاصة بعد أن سقط أحد أحكاره علي صبي‏.‏

وبرغم أن المبني من أملاك مصر‏,‏ إلا أنه لم يحظ بالاهتمام وكان يتم استئجار جزء منه كمقهي ولا يشهد أي أعمال صيانة‏.‏ ويرجع تاريخ بنائه إلي عام‏1817.‏

وفي عام‏1995‏ شعرت بأن المبني سينهار وقررت في سبتمبر من ذلك العام أن أبذل كل ما في وسعي لإنقاذه والتوصل إلي اتفاق بشأنه مع الجهات المعنية‏..‏ وتوجهت إلي القاهرة لإجراء اتصالات مع هيئة الأوقاف بعد أن استعنت بمهندس متخصص لتقديم مقترحات بشأن كيفية إنقاذ المبني‏..‏ وكانت زيارتي في نهاية أكتوبر‏1995.‏ واستمرت الاتصالات فيما بيننا حتي أغسطس‏2001‏ حيث توصلنا أخيرا إلي اتفاق وتخلل هذه التحركات اتصالات أجرتها الأوقاف مع أطراف أخري أرادت الانتفاع بالفكرة‏,‏ واتفقت الأوقاف مع هذه الأطراف علي شروط الترميم وحق الانتفاع لبعض الوقت‏,‏ إلا أنه لم يتم الوفاء بشروط التعاقد علي مدي‏3‏ سنوات‏,‏ وازدادت حالة الأثر تدهورا‏.‏ وفي ضوء ذلك‏,‏ عاودت التحرك والاتصالات مع هيئة الأوقاف موضحة لها أنه برغم الاتفاق المبرم مع تلك الجهة‏,‏ فإن الأثر مازال علي حالته المتدهورة ومعرض للانهيار‏.‏ وأخيرا توصلنا لاتفاق في أغسطس‏2001.‏

‏*‏ ما هو مضمون ذلك الاتفاق؟‏..‏ وماذا تستفيد مصر من إبرام هذا الاتفاق؟
ــ وفقا لهذا الاتفاق‏,‏ أتحمل تكلفة الترميم وأتعهد بدفع‏5‏ ملايين دولار علي الأقل لعمليات الترميم‏,‏ وأقوم بالانتفاع بالموقع أي أستأجره لمدة خمسين عاما‏.‏

أما فيما يتعلق بالعائد الذي يتحقق لمصر‏,‏ فأود أن أوضح أمرا وهو أن قيمة أو عائد هذا الأثر لمصر قبل الترميم كان صفرا‏,‏ وكان هناك من يستأجر جزءا يستخدمه كمقهي ذي مستوي متدن للغاية ولا يحسن استخدام المكان أو يعمل علي الحفاظ عليه‏.‏ وكان إجمالي ما تحصل عليه مصر نحو‏300‏ يورو شهريا‏.‏ وبموجب هذا الاتفاق‏,‏ فإن مصر باتت تحصل علي‏12‏ ضعفا‏,‏ وتحملت تكاليف الترميم والتجديد والتي تزيد علي‏7,5‏ مليون دولار‏,‏ وأنا راضية تماما ـ رغم العبء المالي ـ عما أنجزته‏,‏ فقد تم إنقاذ المبني وبات يحقق دخلا شهريا أفضل للجانب المصري‏,‏ وبات للموقع الأثري قيمة كبيرة للغاية‏,‏ وأصبح هذا الموقع نقطة جذب سياحي‏,‏ وأنا أعتبره بمثابة جزيرة مصرية بوسط دولة أوروبية‏.‏

ويمكن لمصر أن تستخدمه كمركز لإشعاع ثقافي‏,‏ وهناك الكثيرون الذين يزورونه ويتساءلون عن تاريخه وسبب رفع علم مصر عليه‏,‏ ويتعرفون علي التاريخ‏,‏ ويفهمون أن كفالا كجزء من الدولة العثمانية كانت تخضع للإدارة المصرية‏..‏ وهذه حقيقة يجهلها الكثيرون‏.‏

‏*‏ ما هو البديل في حالة عدم التوصل لاتفاق بشأن ترميم الأثر؟
ــ القانون في اليونان ـ مثل مصر ـ حازم جدا‏..‏ فإذا كان هذا المبني ظل علي حاله المتردي‏,‏ فإن المتاح في تلك الحالة أن تتم عملية ترميم له لتحاشي المخاطر‏,‏ ولكن ما كان من الممكن استغلاله أو الاستفادة من عائداته‏,‏ كما أنه لا يمكن تحويله لأغراض سكنية‏.‏ وكنا سنواجه موقفا محيرا‏,‏ فنحن أمام أثر مهم يعتبر منحة أو عطية ولكنها منحة ما كانت ستكون مباركة‏ وقد بات هذا المكان من المواقع الأساسية التي تجتذب زوار المدينة‏.‏

تمثال محمد على فى فناء المدرسة
‏*‏ هل هناك تعاون فيما بينك وبين جهات مختلفة في مصر مثل وزارات الثقافة أو السياحة أو الإعلام للاستفادة من هذا الأثر‏,‏ خاصة ونحن نحتفل في العام الحالي بمرور مائتي عام علي تولي محمد علي الحكم في مصر؟
ــ إنني أتطلع بكل تأكيد إلي هذا التعاون وأتمناه‏,‏ ونحتاج لتوفير مواد للتعريف بمصر تاريخيا وثقافيا ومن الناحية المعاصرة والحديثة‏,‏ وكذلك نحتاج لكتب عن محمد علي‏ وقد طالبت بصورة متكررة بمدنا بكتب ومؤلفات ومخطوطات عنه لنزود بها المكان‏.‏ فزوارنا ليسوا بالأفواج السياحية التقليدية‏,‏ إنما هم من المثقفين والمهتمين بالحضارات‏.‏ ويتردد أن جميع الوثائق والأوراق والكتب الخاصة بهذا المكان قد تم نقلها في أوائل القرن الماضي‏,‏ حيث قامت أسرة محمد علي بشحنها علي سفن خاصة بها‏..‏ ولا أعرف إلي أين ذهبت؟‏!‏

بالإضافة إلي ذلك‏,‏ فإننا نحتاج هنا إلي مواد وتسجيلات موسيقية شرقية ليستمع إليها الزوار وإقامة المعارض الثقافية والفنية‏.‏ ولذلك فإنني أجري اتصالات مع دير سانت كاترين الذي يجتذب بصورة كبيرة الزائرين اليونانيين ومن أنحاء العالم‏,‏ بالإضافة لاتصالات مع مكتبة الإسكندرية لبحث إمكانية التعاون معها‏.‏ وآمل أن نوفق في ذلك‏ وكم آمل أن نكون علي اتصال ومتابعة دائمة لمختلف الفعاليات الثقافية في مصر‏.‏ وأري أنه من المهم أن تفكر مصر في الاستفادة من هذا المكان في إقامة فعاليات ثقافية‏..‏ فهو مكان ملك لمصر ومفتوح لها في قلب أوروبا‏.‏

‏*‏ يحضرني في سياق حديثنا فكرة مرور‏10‏ سنوات علي انطلاق عملية برشلونة للتعاون الأورومتوسطي وتعزيز حوار الثقافات‏..‏ هل ترين فرصة للإسهام والاستفادة من هذه المناسبة؟
ــ يمكن لهذا المكان أن يستضيف فعاليات من هذا النوع‏..‏ ولماذا لا توجه مصر دعوة في مناسبات تتعلق بهذه الأنشطة إلي الحضور لهذا المكان‏..‏ فهنا تكون مصر صاحبة المكان وهي المضيفة‏.‏ أما في أماكن أخري فتكون هي نفسها ضيفة مدعوة‏.‏ وأود الإشارة هنا إلي أن مؤتمرا لدول الاتحاد الأوروبي والبلقان قد عقد هنا‏.‏ وجرت المناقشات في ذلك المبني الذي يرفرف عليه علم مصر‏.‏ ومن المهم أن تتذكر مصر هذا المكان وتضعه علي خريطة اهتمامها‏,‏ ولا يخفي علي أحد أن لمصر أصدقاء كثيرين‏,‏ لكن هذا لا يتعارض أبدا مع اهتمامها بما تملكه هنا في أوروبا‏.‏

وإنني أقول ذلك انطلاقا من حبي الشديد لمصر وحرصي علي مصلحتها‏.‏ إن ذلك الحب يسري في دمي وينعكس علي فيما يبدو‏,‏ فحين أكون بمصر أشعر بأنني في بلدي ويتحدث الجميع إلي بالعربية ظنا أنني مصرية‏,‏ وأنا لا أتحدث العربية‏,‏ ولكن من زياراتي المتكررة أفهم بعض الكلام‏..‏ وآمل لدي تقاعدي أن أنتقل للعيش بمصر‏..‏ فهذا حلمي‏ هذا حلم أنا ميسريان‏..‏ وهي من مواليد‏1960‏ وطوال سنوات عمرها يزداد شغفها بمصر بصورة لافتة‏,‏ فهل تتفاعل مصر مع أفكارها بصورة عملية لتدعم هذا الجهد المشكور وتبدي لها التقدير علي حماسها الذي قد لا يتوافر لكثيرين منا؟‏..‏ أعتقد أنها عن حق تستحق جائزة تقدمها لها مصر عرفانا وتقديرا لإسهاماتها في إضاءة منارة لإشعاع ثقافي مصري وسط مجتمع أوروبي في عهد يكثر فيه الحديث عن صدام الحضارات والثقافات وتطرف الإسلام‏.‏

ويلفت نظري أن أحدا من المعنيين بالثقافة أو السياحة المصريين لم يقصد ذلك المكان فيما عدا مسئولي الأوقاف في زيارات روتينية يقومون بها من آن لآخر‏,‏ بينما يتردد عليه كثير من الشخصيات البارزة في شتي المجالات سواء من اليونانيين أو الأوروبيين والأمريكيين‏.‏ وأعتقد أنه في ضوء التحرك المصري ـ اليوناني لتعزيز التعاون السياحي‏,‏ خاصة في ضوء الزيارة التي قام بها أخيرا وزير السياحة اليوناني وتوقيع مذكرة تفاهم لتنشيط هذا التعاون يجب ألا نغفل هذه الجزيرة المصرية في أرض اليونان ونفكر في كيفية ضمها لقائمة اهتمامنا‏.‏

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف