جوزف سماحة: أسباب فوز معلن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تأكد أمس أن lt;lt;التيار الوطني الحرgt;gt; يمثل كتلة شعبية تفوق عدد نوابه المحتملين. يقدم له ذلك تبريراً لاحقاً عن مطالبته بنظام الاقتراع النسبي. إلا أن الأمر نفسه يدفع إلى نوع من lt;lt;الشماتةgt;gt; بالذين أعرضوا عن المطالبة بهذا النظام، خاصة من أعضاء lt;lt;قرنة شهوانgt;gt;. لقد توزعوا بين قانوني 1960 و2000، وفي ظنهم أن النظام الأكثري يفيدهم في هذه اللحظة السياسية ويساعدهم في التخلص من lt;lt;أقلياتgt;gt; مخالفة. إلا أنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة إعصار فكان أن دفعوا ثمن قصر النظر المعطوف على رغبة مؤكدة في المصادرة.
كان الأحد 12 حزيران يوم ميشال عون. حقق انتصاراً كاسحاً في جبيل وكسروان والمتن الشمالي وأحدث اختراقاً مفاجئاً في البقاع الأوسط وسجل وجوداً في الشوف يحجز له مكاناً في منازلات قادمة. وإلى ذلك فإنه حقق أرقاماً عالية جداً في بعبدا عاليه بحيث يمكنه القول إن قضاء بعبدا محروم من التمثيل النيابي بفعل القانون الظالم. ويجب أن يكون حاضراً في الذهن أن هذا الإنجاز إنما تمّ في مواجهة ائتلافات عريضة، سياسية وانتخابية، بدا، لوهلة، أنها عصية على أي تهديد.
هناك مَن يهوّل، وهناك مَن يهلّل. مَن يهوّل يعترض على تمرد الأقنان ويعبّر عن أنه يحلم بشركاء لا أصوات لهم، أي مطيعين، تماماً مثلما يقال عن الحلم الدفين لبعض أرباب العمل: عمال بلا أجور. ومَن يهوّل يتصرف حيال العملية الديموقراطية التي خذلته داعياً، بهذه المناسبة، إلى تغيير الشعب. ومَن يهلّل، إن لم يكن lt;lt;عونياًgt;gt; يكون يستبق الأمور أو يكون يسقط إحباطاته على آخرين فيصاب بحبور بالغ من شدة جمال lt;lt;شعر بنت الجيرانgt;gt;. ولكن يبقى أن المستحسن هو التساؤل عن سر ملاقاة lt;lt;العونيةgt;gt; لمزاج عشرات، بل مئات، آلاف اللبنانيين.
يمثل الرجل تياراً أصيلاً في البيئة اللبنانية، والمسيحية تحديداً. إنها البيئة التي تميل إلى تعريف نفسها بصفة المواطنة لا الانتماء الطائفي الموروث. وليس صدفة أن تكون متشكلة من فئات وسطى، ذات مهن حديثة، ومستوى تعليمي جيد، ومتصلة بالخارج بشكل منفتح (آثار إقامة عون في باريس بادية عليه أكثر، بما لا يقاس، من تلك التي بدت على ريمون إده!). إن هذا التعريف lt;lt;الوطنيgt;gt; للنفس هو عنصر التمييز عن lt;lt;القوات اللبنانيةgt;gt; مثلاً. ولا شك في أن التطورات الأخيرة في لبنان كانت تصب في المجرى الإيديولوجي لlt;lt;العونيةgt;gt;. لنأخذ lt;lt;ساحة الشهداءgt;gt; مثلاً. إنها بالنسبة إلى lt;lt;التيار الوطنيgt;gt; الدليل الملموس على lt;lt;صحة نظرياتناgt;gt;. ولكنها، بالنسبة إلى lt;lt;القواتgt;gt; الدليل على قدرة lt;lt;المجموعات الحضارية اللبنانية على التقاربgt;gt;. لذلك ليس غريباً أن يترجم lt;lt;التيارgt;gt; هذا الحدث بصفته منطلقاً لتغيير شامل يقوم به المواطنون، وفي المقابل ليس غريباً أن تترجم lt;lt;القواتgt;gt; الحدث بصفته دليلاً على القدرة على lt;lt;التعايشgt;gt;. ويبدو طبيعياً، والحالة هذه، أن يصطدم lt;lt;التيارgt;gt; بقوى تقليدية في حين تنحو lt;lt;القواتgt;gt; نحو التحالف معها مرتضية منها مجرد الاعتراف الذي لا يجوز التشويش عليه. lt;lt;التيارgt;gt; يتضمن عناصر ثورية في طرحه. lt;lt;القواتgt;gt; عناصر محافظة.
يمكن الإفاضة في شرح التقارب والتباين بين الطرفين ولكن ما لا شك فيه أن كلاً منهما أصيل بمعنى أنه ذو جذور اجتماعية. ولذلك ثمة تسرّع في القول إن عودة عون من المنفى تهدده بالضمور. ولقد ثبت هذا التسرّع وربما نتأكد، لاحقاً، أن lt;lt;العونيةgt;gt; تيار صاعد.
عنصر ثان ساعد في تحقيق النتيجة التي تحققت. إن التطورات منذ أقل من عام، قبيل التمديد وحتى اللحظة، ساهمت في شرعنة lt;lt;العونيةgt;gt;. الأهم من ذلك أن الخطاب الذي اعتمدته قوى سياسية وطائفية لبنانية في الأشهر الأخيرة لعب دوراً بالغ الأثر في شرعنة الخطاب العوني. كيف ذلك؟ لنتوقف عند العلاقات اللبنانية السورية. هناك شخصيات وأحزاب وتيارات
امتنعوا عن أي مراجعة نقدية لتاريخ هذه العلاقات وغرقوا في التبسيط. وأقدموا، في هذا السياق، على مراجعة تحريفية لآخر 15 سنة أي للمرحلة التي كان فعلها التأسيسي إقدام دمشق على lt;lt;إنهاء التمرد العونيgt;gt;. إن الذين أقاموا نظاماً مرعياً من سوريا باتوا في موقع القول إن التدخل السوري في لبنان هو شر كله. لا يملك أحد غير عون حق النطق بهذه العبارة. ومع ذلك جاء مَن يزاحمه عليها تحت انفعالات مفهومة بدل أن يبقى حريصاً على تمييز نفسه عبر تطوير رأي مركّب في مساوئ ومنافع العلاقات اللبنانية السورية. لقد غاب عن السجال، وإلى حد كبير، الرأي القائل بأن الأولوية المطلقة كان يجب أن تعطى لإرغام إسرائيل عن الانسحاب والاستفادة، إلى أبعد حد ممكن، من الدعم السوري (الانسحاب تحت الضغط مفيد، من حيث المبدأ، لسوريا أيضاً). ويفيد هذا الغياب في إدراك كم أن lt;lt;الخطاب العونيgt;gt; صعد إلى موقع الأرجحية في تحالف 14 آذار بحيث اندلعت مباراة بين الأطراف في مَن هو lt;lt;الأقدم عداء لسورياgt;gt;. إن lt;lt;شرعنةgt;gt; الخطاب العوني وفّرت للتيار حججاً ثمينة في الرد على بعض الخصوم عبر اتهامهم أنهم كانوا من أركان lt;lt;نظام التبعيةgt;gt; وبأن لا صدقية لمزايداتهم الحالية خاصة عندما تصل إلى حد اتهام lt;lt;الجنرالgt;gt; بأنه حصان طروادة السوري! ولقد استفاد عون إلى الحد الأقصى من هذا الواقع المستجد بإعلانه المتكرر: lt;lt;أنا الأصيلgt;gt;.
عنصر ثالث لعب لصالح عون: الخطأ الفادح الذي ارتكبه الجناح الإسلامي من المعارضة (السابقة) بإعلانه عن lt;lt;إقفال اللوائحgt;gt; واعتماد lt;lt;مَن وقف معنا في السراء والضراءgt;gt;. قد يكون هذا الخطأ نتيجة نقص في الحساسية إلا أنه يتضمن ما يفوق ذلك.
أما النقص في الحساسية فالأدلة عليه أكثر من أن تحصى. إنه وليد جنبلاط القائل lt;lt;سأختلي بنفسي لأعرف بمَن أضحيgt;gt;. وهو الناطق باسم تيار lt;lt;المستقبلgt;gt; إذ يقول lt;lt;سنأخذ معنا صولانج الجميلgt;gt;. وهو صيغة الإخراج المعتمدة حيال جورج عدوان. وهو هذه الرغبة غير المكبوتة في إطلاق صفات على المرشحين المطلوبين تجعل منهم رفاق سمر وسهر لا شركاء سياسيين يفترض فيهم تمثيل بيئتهم. ويمكن الاستطراد في تقديم أمثلة لا حصر لها تعبّر عما أسمي ذات مرة lt;lt;الطائفية الوديعةgt;gt; والتي يمتاز بها، عادة، الطائفي الذي يعيش حالة إنكار.
غير أننا، في الواقع، لسنا أمام نقص في الحساسية فحسب. لقد كنا أمام محاولة انقلابية ضمن المعارضة تستبق استلام السلطة. كنا أمام رسالة إلى lt;lt;المسيحيينgt;gt; بأن lt;lt;السيادة المستعادةgt;gt; لن تعني، بالملموس، أي تغيير في موازين القوى الداخلية على صعيد الحكم. ولقد وفّر هذا السلوك مادة غنية للاعتراض لم تشفع في التخفيف من وطأتها الحملة على lt;lt;بقايا النظام الأمنيgt;gt;. ولم يكن لها أن تخفف من وطأتها بعدما أوحى بيان المطارنة الموارنة الشهير بأن البطريرك صفير هو الذي حلّ على رأس lt;lt;الأجهزةgt;gt; التي تفقد قادتها!
كانت الهدية المقدمة إلى عون أثمن من أن ترفض. لقد وقع، بالصدفة، على تكتيك فتاك. فالتطلب العميق لدى بيئات مسيحية واسعة هو إلى قائد يقف كتفاً إلى كتف مع وليد جنبلاط، وسعد الحريري، وحسن نصر الله، ونبيه بري. وبما أن كل واحد من هؤلاء يتميّز بأنه يختار مرشحين مسيحيين على لوائحه فلقد بات عنوان lt;lt;السوية المطلوبةgt;gt; هو المسيحي الذي يصارع على الحلبة نفسها مانحاً لنفسه الحق في اختيار مرشحين مسلمين. وبدت هذه المهمة وكأنها مفصّلة على قياس ميشال عون. فهو الوحيد الذي يستطيع ذلك (لأسباب كثيرة) خاصة وأنه، أصلاً، يميّز نفسه بأنه صاحب lt;lt;خطاب وطنيgt;gt;. وهكذا أمكن له أن يبقى مخلصاً لخطابه، وصادقاً، وأن يستنفر عصبية مسيحية تعيش جرحاً في كرامتها وتبحث عن ترجمة مادية لمعنى استعادة السيادة الوطنية.
وبما أن العرض كان مطابقاً للطلب إلى هذا الحد لم يكن عجيباً أن تلقى lt;lt;السلعةgt;gt; الرواج الذي لاقته. هناك مَن ساهم في اختلاق الرغبات فبات أكثر سهولة على عون إشباعها.
عنصر رابع ساعد عون: وعد التغيير وصدقية الوعد.
لا يشكو ميشال عون من أن صورته توحي بأنه رجل متقلب. على العكس تماماً. يشكو من أن صورته توحي أنه رجل متصلب (وبتعبير مناصريه lt;lt;مبدئيgt;gt;). ولقد وفّر له ذلك فائض صدقية يسمح له بالنجاح في تمرير تحالفات وفي الدفاع، ولو الخجول، عنها، وفي إزالة أي شك بأنها قد تعيق طموحاته الإصلاحية الجامحة.
إن شخصية الرجل، وارتباكاته التلفزيونية، وردوده غير المنمقة، وانفعالاته، وعباراته المتقطعة، والخشية التي تثيرها إطلالاته من أنه على حافة الغضب، أو التوتر، إن هذه الأمور كلها تجعله، خلافاً لسياسيين لبنانيين عديدين، صاحب رصيد يميل المواطن المشاهد إلى تصديقه سواء ليخالفه أو ليوافقه. خصومه ليسوا من هذا النوع. وحتى مَن يتمتع منهم بصدقية استثنائية، مثل نسيب لحود، يضيع في دوامة تتجاوزه وتجعل اللبنانيين يخسرون أحد أكثر برلمانييهم كفاءة، ونزاهة، وإصلاحية.
يجنح لبنانيون كثيرون إلى إعطاء عون lt;lt;فائدة الشكgt;gt;. لم يشارك في السلطة. حصل تواطؤ ضده. شديد التركيز على اليوم التالي للانتخابات. رافض لاستحضار الماضي بطريقة مشتبه في استخدامها كواحدة من أدوات الإلحاق والسيطرة. وإذا كانت lt;lt;14 آذارgt;gt; ظاهرة اختلطت فيها معان كثيرة فلا شك في أن عون نجح في أن يصادر لنفسه الزخم lt;lt;التغييريgt;gt; وفي رفعه في وجه قوى بدت أنها تحاول تفريغ الحدث من مضمونه. وكان ذلك سيبقى ناقصاً لولا أن التجارب الملموسة توفر للبنانيين المعنيين القدرة على الحكم عبر الاحتكاك بعناصر lt;lt;التيارgt;gt; وناشطيه وهم ممن لا شك في اختزانهم طاقة إصلاحية وتحديثية.
لهذه الأسباب ولغيرها حقق lt;lt;التيار الوطنيgt;gt; نجاحاً كانت مؤشراته واضحة. اما كيفية توظيف النجاح في السياق اللبناني، واما التخندق الطائفي والمذهبي الاختياري أو الطوعي وآثاره، واما السلوكيات حيال الملفات المفصلية الداهمة، فهذه كلها عناوين يلفها الغموض.
"التيار الوطني الحر": أسباب فوز معلن