خالص جلبي: فلسفة الملابس وملكة جمال العالم الحقيقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإتحاد: الأربعاء: 22 ـ 06 ـ 2005
أرسل لي أحدهم يقول إنه في إحدى المناطق من دولة خليجية محافظة كان هنالك حفل ختامي في إحدى المدارس للبنات واجتمعت الأمهات والمسؤولات والطالبات وكان حشداً هائلاً، ومن ضمن البرامج التي قُدّمت في هذا الاحتفال الرائع فقرة بعنوان: (ملكة جمال العالم) وأعجبت الأمهات وذهلت الطالبات من هذا الشيء الذي لا يكاد يصدّق... أملكة جمال العالم وبين ظهرانينا؟ معقولة؟ وأصبح الجميع في ذهول وحيص بيص كما يُقال.. وفجأة خرجت طفلة في الحادية عشرة من عمرها تقريباً وقد لبست الحجاب كاملاً ولم يظهر منها شيء، قد احتجبت حجاباً كله أسود وغطت يديها وقدميها وعينيها وكل شيء من جسمها. لقد كانت فقرة مدهشة أتعرفون ماذا حصل؟ لقد ذرفت دموع الأمهات، وابتهجت قلوب الطالبات ورحن في غمرة من الفرح والسرور يصفقن ويكبرن: إنها ملكة جمال العالم الحقيقية؟
وهذه القصة تقول إن من يغطي المرأة كاملاً أو يعريها تماماً ينطلقان من نفس القاعدة النفسية في الصراع على جسد المرأة.
ورسمت فتاة أعرفها في يوم ثلاث عشرة صورة لامرأة من الغطاء الأسود الفاحم الكامل إلى العري التام الناصع على درجات، فظهر التوسط عين العقل، وقابل التشدد صنوه في الزاوية المقابلة.
ونشرت مجلة الشبيجل الألمانية موديلا جديدا للملابس ملفتا للنظر، فقد تنقبت امرأة وغطت يديها وكشفت بقية جسمها عاريا يلمع مثل الموزة المقشرة، وهذا يقول إن العري الكامل يقابل اللاعري الكامل، والجسد الإنساني مصمم على غير طريقة الفاجرين أو المتشددين، ولا يخطر في بال أحد لماذا يمد الكلب لسانه؟ لأنه غير مزود بالغدد العرقية، وجسمنا فيه مليون مكيِّف من الغدد العرقية التي لا نحتاج فيها أن نمد ألسنتنا طول الوقت كالكلاب. بل نغير ألبستنا بما يناسب المناخ.
واللباس من العادات وليس من العقائد، ولكن هناك من يقول بني الإسلام على ست: شهادة أن لا إله إلا الله وسادسها غطاء الرأس. ونفس الكلام ينطبق على إطلاق اللحية، فهناك من يرى أن من حلق لحيته فقد حلق دينه فأصبح فاسقاً، ولكن الشعر ليس مكرمة، ولا حلقه إهانة، ولا سقوطه عار وشنار، ولو كان كذلك لما نبت بأشد من الأدغال في أمكنة القذارة. ولما لمعت صلعة سقراط بأشد من مرآة تحت ضوء الشمس.
ومنذ أن خرج الإنسان من الغابة طور لباسه وفق ثلاثة منحنيات: المناخ والثقافة والجمال، ومن عاش في الإسكيمو لا يكشف شيئا، ومن عاش في الغابة كشف كل شيء، والنساء في القبائل البدائية يمشين متدليات الثدي بدون إغراء جنسي. ومن أراد أن يتعلم أناقة اللباس فليقلد الطيور، وهي ملاحظة لفتت نظري حينما كنت في حديقة الحيوان في القاهرة، والقرآن يطلق على اللباس كلمة التنزيل مثل الوحي: يا بني آدم قد (أنزلنا) عليكم لباساً، ثم يفيض في شرح معنى اللباس في ثلاث كلمات: يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير. فهنا يقوم اللباس أولا بدور الجلد المتبدل للإنسان، فالقطط والدببة لا تخلع معاطفها قط، والإنسان يبدل ثيابه بالغدو والآصال ومع كل خروج ودخول، والثقافة التي تتبرج فيها المرأة هي مثل التي تبالغ في تغطيتها فكلاهما يندفع من لا شعور جنسي، والمرأة لا علاقة لها بالاثنين، فهي التي يجب أن تقرر ماذا تلبس وتخلع. واللباس له تأثير نفسي فمن لبس المرقع شعر بالرثاء لنفسه، ومن لبس الملابس الرياضية نشط من عقال، ومن لبس التبان استعد للمصارعة، ومن ارتدى ملابس العمليات الجراحية استعد بالمبضع والملقط، ومن أراد السباحة خلع إلا القليل. ونحن نخلع كل ملابسنا في الحمام، ونرتدي كل ملابسنا حينما نغادر المنزل، كله تحت مفهوم العورة، وفي القرآن أن من بلغ الحلم يجب أن يستأذن حين نخلع ملابسنا من الظهيرة ومن بعد العشاء وقبل صلاة الفجر في ثلاث عورات، ومن خرج عاريا على الناس كان واحدا من اثنين إما أرخميدس أو مجنوناً؟ وموضة ملكة الجمال هي الجنون الثالث غطت أم خلعت؟.