جريدة الجرائد

داود الشريان: تصريحات الفشل الأميركي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ليس جديداً ان تتحدث وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس عن ضرورة التغييرات الديموقراطية في الشرق الاوسط، لكن الجديد في تصريحاتها هو اختلافها عن نهج سلفها كولن باول الذي كان يتحدث عن الاصلاحات السياسية في المنطقة في اطار عام، ولغة مجاملة، ويصوغ مطالبه لكل بلد عربي على نحو يتناسب مع مقتضى الحال، متجنباً العبارات المباشرة والحازمة، والدخول في التفاصيل. باستثناء سورية التي كان الوزير السابق يخاطبها بطريقة تخلو من الديبلوماسية التي مارسها مع بقية دول المنطقة. فما الذي تغير، ولماذا لجأت الوزيرة الاميركية الى طرح موضوع الاصلاحات في شكل تفصيلي ومباشر؟ وما معنى الاعتراف بأن واشنطن ارتكبت خطأً فادحاً عندما سعت، وعلى مدى ستين عاماً، الى تحقيق الاستقرار في المنطقة على حساب الديموقراطية، لكنها لم تنجز اياً منهما؟ وما مغزى هذا التهديد المبطن والمغلف بفضيلة الاعتراف بالخطأ؟

تغير طريقة طرح المشروع الاميركي لا علاقة له بشخصية الوزير، فكولن باول رجل عسكري، ومع هذا اتسمت لغته بالديبلوماسية. وكوندوليزا رايس امرأة ناعمة في سلوكها ومتذوقة للموسيقى، وعازفة ماهرة، لكنها تتحدث في شكل صارم. وبالتالي يمكن القول ان المشروع الاميركي هو الذي يفرض مزاجه على الوزير وليس العكس. وهذا المزاج يتحدد وفقاً للحالة الاميركية في المنطقة وفي العراق تحديداً. فشعار الاصلاح الذي ترفعه واشنطن وسيلة وليس غاية بحد ذاته، وطريقة استخدام هذه الوسيلة لاعلاقة لها بمدى ما تحقق من اصلاح في هذه الدولة او تلك، وانما بقرب دول المنطقة وبعدها عن مطالب السياسة الاميركية.

في السابق كانت واشنطن تأمل في تعاون عربي غير مشروط لإنجاح مشروعها في العراق، وخلال المرحلة الاولى للاحتلال كان التعاون المتمثل بالصمت عن الحملة الاميركية، او تقديم تسهيلات لوجستية كافياً من وجهة نظر الادارة الاميركية. ولهذا كان باول يزور المنطقة من اجل حث أصدقاء واشنطن على الانتقال من مرحلة الموافقة على احتلال العراق الى العمل، على تكريسه وانجاحه وكان يسمع تطمينات ووعوداً، ويرى خطوات، ولو كانت صغيرة، توحي بأن الامور في العراق ستسير حسب الرغبة الاميركية، وان الدول العربية المجاورة للعراق والبعيدة عنه باتت مقتنعة بأن إزالة نظام صدام حسين خطوة في صالحها. فكان يضبط تصريحاته عن الاصلاح انطلاقاً من هذه القناعة التي ثبت لواشنطن انها غير حقيقية، وان أفضل الدول العربية تعاوناً معها هي تلك السعيدة باستمرار الوضع في العراق في المرحلة البينية، أي وجود اميركي بوضع لايسمح بأكثر مما يجري الآن، ولهذا عادت واشنطن الى التلويح بعصا الاصلاح السياسي والديموقراطية.

من هنا يمكن القول ان حبل الكذب الذي بررت به واشنطن اجتياح العراق سيخنق مشروعها المزعوم للديموقراطية والاصلاح السياسي في المنطقة، ليس لأن المشروع اصبح وسيلة لقبول الوصاية الاميركية على العراق فحسب، وانما لأن الادارة الاميركية تتجاهل انه اصبح كذلك، فضلاً عن ان قناعة دول المنطقة باتقاء الضغوط الاميركية للاصلاح بتسهيل مهمة واشنطن في العراق باتت خياراً مشكوكاً في جدواه لدى معظمها، و اصبحت مقتنعة اكثر من أي وقت مضى بأن تسهيل المهمة الاميركية لن يعفيها من الاصلاح في نهاية الامر، فضلاً عن انه سيجعلها تخسر تلك الجماعات والقوى التي تساندها في رفض الاصلاح باعتباره وسيلة للابتزاز.

والاهم من هذا ان الادارة الاميركية تقلل من حقيقة ان حركة التغيير التي يشهدها غير بلد عربي باتت تملك مقومات داخلية لدفعها. ومن اهم سمات هذه الحركة الداخلية انها تتوجس من التأثير الاميركي، وترفض تكرار تجربة المعارضة العراقية التي ستبقى في نظر الشارع العراقي والعربي مسؤولة عن الاحتلال، ناهيك عن أن كشف حساب المشروع الاميركي في المنطقة لا يخولها مجرد الاعتقاد بإمكان قدرتها على التأثير في قضية الاصلاحات على النحو الذي كان متوقعاً، قبيل وبعد اجتياح العراق. فواشنطن نقلت العراق الى حكم الطوائف، وتجاهلت تماماً ما يجري في الاراضي الفلسطينية، واستباحت سيادة الدول بالمحققين والسفراء ورجال المخابرات، ودمرت حرية التعبير بدعوى التحريض على الارهاب، وسوغت منهج الدعاية السياسية، بامتلاك وسائل اعلامية ساهمت بفعالية بزيادة العداء للسياسية الاميركية ومشاريعها في المنطقة.

لاشك في ان الدول العربية باتت على مشارف تغيير باتجاه الديموقراطية، وللضغوط الاميركية فضل لاينكر في إشعال فتيل التغيير المرتقب. لكن الضغوط الاميركية اليوم اصبحت احد عوامل تأخيره، وربما افشاله اذا اتجه بطريق لايخدم مصالحها، ولهذا فإن نداء وزيرة الخارجية الاميركية القوي والصارم تعبير عن الفشل، رغم حرص السيدة على اعطاء تصريحاتها صفة الجدية والتصميم على فرض اصلاحات سياسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف