جو غالواي: العراق .. رؤية مختلفة لما يجري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جلبت لنا الإنترنت قصة جندي استثنائي آخر من العراق تستحق القراءة والتأمل فيها.والقصة التالية يرويها سرجنت زخاري سكوت سينغلي «24 عاماً» الذي نشأ في ولاية واشنطن، ويخدم الآن في العراق كمترجم الى اللغة العربية مع فرقة المشاة الثالثة.
التحق السرجنت زخاري بالجيش منذ خمسة أعوام وشارك في غزو العراق عام 2003، وكان على وشك مغادرة الجيش أواخر السنة الماضية عندما تم تمديد خدمته الزامياً، لكي يتم ارساله الى العراق ليقضي سنة أخرى في الخدمة الميدانية.والحادثة التي يكتب عنها وقعت في 2003 قرب أبو غريب، ولقد حصلنا منه على إذن بنشر القصة بعد تحريرها:
«كان الظلام لايزال مخيماً قبيل الفجر. ارتديت ملابسي العسكرية في ذلك الظلام، والتقطت وجبة جاهزة عندما غدوت جاهزاً، وصعدت الى الشاحنة، كان هدفنا ثلاثة منازل أطلقت منها قذائف الآر بي جي قبل ثلاثة أيام. وبينما راح قائد المجموعة يطلعنا على تفاصيل المهمة ونحن جالسين راودتني أفكار كثيرة، وهمست داعياً: «يارب امنحني يوماً واحداً آخر فقط، دعني أعيش يوماً آخر ومن هناك نبدأ من جديد» لقد اعتدت على ترديد هذا الدعاء كل يوم في العراق.
كنا نلتقي بأصناف مختلفة من الناس كل يوم، كان هناك من يود ان يقتلك لو استطاع.. كنت أرى الكراهية في عيونهم. والتقيت أيضاً بأشخاص كانوا مستعدين لإعطائي أي شيء يملكونه.. تعبيرا عن امتنانهم لأننا خلصناهم من صدام.وبعد اصغائنا الى حديث القائد، بدأنا التحرك في رتل عسكري للإغارة على الموقع.
وكانت مهمتي ان انطلق مباشرة بعد قيام الشرطة العسكرية بإخلاء المباني. وبدأت الغارة على ما يرام. وكنت أقف داخل ساحة أحد المنازل المستهدفة وأقوم باستجواب امرأة من ساكنيه عندما سمعت صوت اطلاق نار.سارعت الى التواري بجانب حائط حجري، وصرخت بالمرأة لتتوجه الى الداخل.
عندما توقف إطلاق النار، استرقت النظر الى البوابة الامامية للدار، فشاهدت جندياً يوجه بندقيته الآلية نحو شاحنة سوداء على مسافة بعيدة. وأدركت ان صوت إطلاق النار الذي سمعته صدر من سلاح ذلك الجندي.ركضت مسرعاً الى البوابة، وسمعت الكابتن يسأل عما حدث ولماذا فتح الجندي النار.
وأجاب الجندي انه شاهد رجلاً يحمل بندقية كلاشينكوف في مؤخرة الشاحنة السوداء. وأرسلني النقيب مع ثلاثة جنود آخرين من بينهم الجندي الذي فتح النار لتفقد الشاحنة.وكانت أنفاسنا قد انقطعت من شدة اللهاث، عندما وصلنا الى عربتنا المصفحة الأقرب الى الشاحنة المدنية السوداء. وشاهدنا أربعة عراقيين مقبلين باتجاهنا من الشاحنة السوداء.
كانوا يحملون جثة طفل في الثالثة من عمره، كانت رأسه مشوهة بصورة مروعة، والدم يسيل من كل بقعة من جسده.وكان الرجال العراقيون يبكون ويسألونني.. لماذا؟بدأ الجندي الشاب الذي أطلق النار يصرخ بأعلى صوته، طالباً من المجموعة إرسال طبيب وظل يصرخ حتى بح صوته. وصل الطبيب وأخبرنا بما كنا نعرفه: الصبي ميت.
وقفت هناك أنظر الى ذلك الصغير وكيف راح القميص الأبيض الذي يرتديه الرجل الذي يحمله يصطبغ بالدماء. ثم انتبهت الى أنني كنت أتحدث اليهم، كنت أتحدث بصوت بدا لي بعيداً جداً. سمعت صوتي في غمار الإعراب لهم عن مدى أسفنا. كان لساني ينطق بهذه الكلمات، لكن عقلي لم يستطع التركيز على شيء سوى تلك الفجوة في رأس الطفل، والقميص الأبيض المخضب بالدماء.
لم أستطع ان أحول نظري عن ذلك المشهد، حتى بينما كنت أخاطبهم بلساني مكرراً الاعتذار.مازال المشهد كله ماثلاً أمامي حتى اليوم، لم نعثر على أية أسلحة في شاحنتهم، ولم نفعل شيئاً سوى قتل ذلك الطفل.بقيت هناك لأطول فترة ممكنة وأنا أحادث الرجل الذي كان يحمل الطفل.
لم أستطع المغادرة لأنني كنت بحاجة لمعرفة من هؤلاء، وكنت أريد أن اتذكرهم، الرجل كان عم الطفل، وكان يرعاه ريثما يعود والده من السوق. وكان هؤلاء الرجال نجارين، وما رآه الجندي الذي اطلق النار لم يكن بندقية، وإنما كان قطعة خشب يمسك بها رجل يقف في مؤخرة الشاحنة.
قبل أن أغادر رأيت الجندي الشاب الذي قتل الطفل: كانت عيناه زائغتين وكان يقف بلا حراك محدقاً في الأفق. مددت يدي الى جعبتي، وأخرجت زجاجة ماء وعرضت عليه ان يشرب بعض الماء فشكرني بصوت هاديء أجش.وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، جلسنا نكتب تقاريرنا عما حدث. وكان النقيب الذي قاد الغارة غاضباً جداً، وراح يقول: «عظيم الآن علينا ان نذهب ونعطي عائلة ذلك الطفل أكياساً من النقود لكي نخرسهم».
هناك عائلة فقدت للتو طفلها الوديع الجميل، وهذا الرجل منزعج لأن عليه ان يدفع المال تعويضاً عن حزنهم ولوعتهم.وحتى اليوم مازلت أفكر بتلك الغارة والعائلة والصبي وأتساءل عما اذا اقاربه يهاجموننا الآن. لو كنت مكانهم لفعلت هذا.فلو قتل أحد ما طفلي أو طفلتي لن يوقفني شيء سوى الموت عن الثأر من الجناة، ومازلت استسلم للبكاء عندما تراودني تلك الذكريات، وأبكي عندما اتذكر كم أنا بعيد عن عائلتي.
فأنا لست هناك بجوارهم، تماماً كما أن والد الطفل القتيل لم يكن بجواره. لقد امضيت خدمتي، وعشت كوابيس، وتلطخت يداي بما يكفي من الدماء، كل ما أطلبه هو ان تدعوني أرجع لأصبح أباً وزوجاً مرة أخرى.
سرجنت زخاري سكوت سينغلي
خدمة «لوس انجلوس تايمز» ـخاص لـ «البيان»