حكايات من منزل المقدسي قبل ساعات من إعادة اعتقاله..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحياة: الخميس: 07 . 07 . 2005
حكايات من منزل المقدسي قبل ساعات من إعادة اعتقاله... بين ارتداده ومصير نجله
الزرقاء (الأردن) - حازم الأمين:
أعاد الأمن الأردني ليل اول من امس اعتقال عصام البرقاوي الملقب بـ»ابو محمد المقدسي»، احد ابرز منظري الحركة السلفية الجهادية في العالم، والأب الروحي لـ»أبو مصعب الزرقاوي» ورفيقه في السجون وفي افغانستان والأردن، علماً ان المقدسي كان افرج عنه قبل ايام قليلة من اعادة اعتقاله، وبعد سنوات امضاها في السجن بتهم مختلفة برأه القضاء الأردني منها. وبين الإفراج وإعادة الاعتقال، عاش صحافيو الأردن وسلفيوها وقادتها الأمنيون لحظات من الإثارة والتشويق والحذر. فالمقدسي يعد المنظر الأبرز للسلفية الجهادية على امتداد انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي والاسلامي وفي بقاع العالم الأخرى. وهو ايضاً استاذ «ابو مصعب الزرقاوي» ورفيقه في السجون وفي افغانستان والأردن. وهو ايضاً من اختلف معه أخيراً في فتاوى مختلفة، وكتب من سجنه رسالة «مناصحة ومناصرة» حثّ فيها الزرقاوي على توخي الحذر في استهداف المدنيين، وقد اثارت هذه الرسالة استياء كبيراً في اوساط مناصري الزرقاوي، الذين فسروا بها عملية الإفراج الأخير عنه بعدما برأته المحكمة قبل نحو ستة اشهر. وهم تيقنوا من حقيقة افتراضاتهم بعد تصريحات «ابو محمد» التي حرّم فيها قتل المدنيين في العراق ولم يجز فيها تكفير الشيعة.
كان منزل البرقاوي قبل ساعات من اعتقاله مقصداً لعشرات من مؤيديه من سلفيي الأردن الذين اطلقوا لحاهم طويلة ولبسوا الثوب الأفغاني وأضافوا اليها قلنسوة ماليزية سوداء يطلق عليها في الأردن اسم «قبعة ابي مصعب الزرقاوي». وإضافة الى هؤلاء كان عشرات من الصحافيين الأردنيين والأجانب يصلون تباعاً ومنهم من يلتقي «ابو محمد» ومنهم من يؤجل. لكن الجميع كان يشعر بأن «ثمة امراً سيطرأ وان الوقت يدهمنا». محمد الإبن البكر للمقدسي كرر عشرات المرات ان والده مهدد اذا تكلم للصحافيين. وفي هذا الوقت كان والده في الطابق العلوي من المنزل يلتقي بضيوف وصحافيين ويردد امامهم ملاحظات عامة يُفهم منها انه لا يتفق مع اساليب تلميذه ابي مصعب في القتال.
صحافي اردني يقول ان الرجل يحب الإعلام ويريد ان يتكلم، وان ثمة تنافساً بينه وبين الزرقاوي على تصدر تيار السلفية الجهادية. شقيقه جهاد (ابو حذيفة) يعتذر عن عدم تمكن شقيقه من تلبية طلبات الزوار الكثر. وفي المقابل هناك رجال السلفية الجهادية الذين هالهم انتقال شيخهم بعد ان افرج عنه الى لغة اخرى، فقال بعضهم انه السجن، وقال آخرون ان هذا لا يبرر تبديل القناعات، وان «ابو مصعب» في الميدان الآن، ولا احد غيره يستطيع ان يقدر ما يمليه الميدان من خطوات. وخارج المنزل رصد الصحافيون القادمون لتوّهم سيارات زملائهم المركونة امام المنزل وتوقعوا ان يؤدي تهافت الصحافيين الى خطوة امنية ما، وكان هذا قبل ساعات قليلة من اعادة اعتقاله.
كان واضحاً للجميع ان تصريحات المقدسي لن تؤدي الى اعادة اعتقاله، فهي منسجمة مع ما افادت به مصادر امنية اردنية لجهة ان الرجل قام في السجن بمراجعة عدد من مواقفه وفتاويه في «الجهاد». لكن، وعلى رغم ذلك، كان الجميع يشعر بأن وجود الرجل خارج السجن امر لن يطول. فهو الرجل الذي دُوِّن اسمه في محاضر التحقيق مع معظم من ألقي القبض عليهم من هذه التيارات في العالم، كواحد من شيوخ «الجهاد» ومنظريه، واطلاق سراحه لا يعني الأردن وحده. ثم ان اطمئنان الأجهزة الأمنية الأردنية الى تحوله امر لا يقنع احداً من هؤلاء الصحافيين المنتظرين كلمة جديدة من الشيخ.
وفي غمرة الانتظار في منزل المقدسي وبينما الشقيق يحاول بابتسامته تلك تجنب الخوض في أسئلة وأجوبة يُسأل محمد النجل البكر للشيخ عن مصير شقيقه الذي فقد في العراق، فيجيب ان اخباراً متضاربة عنه تصل الى العائلة، منها انه في سجن ابو غريب ومنها انه قتل في عملية في غرب العراق. وفي هذا الوقت يسأل صحافي زميلاً له عن سر ما يخفيه محمد الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، فيلقى الجواب لاحقاً، وهو ان الشيخ لم يرسل ابناءه الى المدارس التقليدية وانما وجههم منذ صغرهم الى العلوم الشرعية، ولهذا ربما يعطون انطباعاً بأنهم ليسوا شباناً تقليديين.
بعد ساعات قليلة ألقى الأمن الأردني القبض مجدداً على شيخ السلفية الجهادية. لم يكن الأمر مرتبطاً بما صرح به المقدسي، خصوصاً ان ما صرح به خلّف ارتياحاً في اوساط الأمن الأردني، اذ ان «ابو محمد المقدسي» سيرة لا تتوج بتحول طفيف من هذا النوع. انه واحد من الذين شغلت افكارهم عقول الانتحاريين الجدد في انحاء العالم كله.