داود الشريان: أحزاب الصحافة اللبنانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحياة: الأربعاء: 13. 07 . 2005
الحوار الذي أدلى به المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء الركن جميل السيد لجريدة «الحياة» لم ينزل برداً وسلاماً على المعارضة والصحافة والاعلام في لبنان. بعض السياسيين والصحافيين اللبنانيين اعتبر ان «الحياة» تبرعت لتجميل صورة جميل السيد وهو لا يستحق، وصل الأمر الى حد تخوين «الحياة» ورئيس تحريرها الذي أجرى اللقاء المثير. حجة بعضهم أن غسان شربل يطرح أسئلة ذكية، لكنه لا يعقب على الاجابات، كان يترك السيد يتحدث، كان يعطيه الفرصة ليقول ما يريد من دون تدخل. هذا اتهام يصعب قبوله بالمطلق. كان ثمة أجزاء في الحوار تشبه الجدل بين السائل والمسؤول. صحيح أن بعض الاجابات كان يستدعي بعض الاسئلة، لكن اجراء حوار مع جميل السيد في هذا الوقت يستحق تجاوزاً من هذا النوع.
الغاضبون من الحوار السبق لم يكتفوا بالملاحظات المهنية، وجرى طرح القضية بمنطق سياسي تخطى الحوار والمحاور والجريدة ووصل الى مالكها، وتم زج السعودية في القضية. صار الحديث في نظر بعضهم مؤامرة كبرى جرى صوغها في ليل مدلهم، ومن يعرف الحقيقة يدرك أن القضية في نظر الجريدة كانت مجرد خبطة صحافية من طراز خاص، فضلاً عن أن جريدة «الحياة» لم تدخل في فخ التحزب، واستبدال الدعاية بالموضوعية، كما فعل بعض الصحافة اللبنانية الذي يحول النص فيه الى ما يشبه مرافعات الادعاء العام، ولم يكن ينقل ما يقال، بل ما ينبغي ان يقال. وحجة هذه الصحف ان الصحافة يجب ان لا تخالف توجهات الرأي العام، وهذه حجة واهية، لأن هذا المقياس ينقل الصحف من دور التوصيل الى الوصاية.
بصرف النظر عن التداعيات التي أحدثها حوار جميل السيد على جريدة «الحياة»، التي اصبحت الجريدة الأولى توزيعاً في لبنان خلال الاسبوع الماضي، الى درجة ان الحديث أصبح يباع مصوراً بضعف ثمن الجريدة، فإن هذه التداعيات كشفت عن خلل خطير في أداء بعض الصحافة والقنوات التلفزيونية في لبنان. فهذه الوسائل تحولت الى أحزاب وطوائف، ودخلت في لعبة تصفية الحسابات وساهمت في تحويل التهم الى احكام، فصارت صحافة الرأي الواحد، ومقالات «فشة الخلق»، وفي فورة الغضب تدخلت من حيث لا تدري أو تدري في التشويش على مسار الحقيقة. الصحافي ليس قاضياً، لكن بعض الصحافيين اللبنانيين صار خصماً وحكماً بعد اغتيال الرئيس الحريري، بل ان بعضهم تحول الى مجرد هتيف في تظاهرة غاضبة، واعتبر ان التمسك بالدعاية وتغييب الموضوعية مطلب وطني.
لا شك في ان اغتيال الرئيس الحريري، وما تلاه من تفجيرات واغتيالات كشف عن هشاشة المهنية في معظم الصحف والتلفزيونات في لبنان. والمفارقة المحزنة هنا أنه في الوقت الذي يدخل لبنان الى الحرية ويتخلص من الوصاية السورية والأمنية والمخابراتية، يستعذب بعض الصحف والتلفزيونات دور الوصاية على الحقيقة. فالحقيقة هي ما يعتقده، والاشاعات في نظره حقائق دامغة، الى درجة أنه يمكن القول إن بعض الصحافة اللبنانية طبق في هذه الأزمة مقولة الرئيس بوش «من ليس معي فهو ضدي»، من لا يجزم ان سورية والأمن اللبناني بكل رجاله صغيرهم وكبيرهم نفذوا الاغتيال فهو خائن وعميل.
الأكيد أن الحياد كذبة اطلقها الإعلام الغربي وصدقها البعض، لا أحد يطالب الصحافي أو الصحيفة بالحياد اذا تعلق الأمر بقضايا وطنية. الحياد خيار تتدخل في صوغه تراكمات ثقافية تفوق التحليل والوصف، لكن الموضوعية أمر آخر، فحقوق خصمك تبقى حقوقاً رغم انفك، لكن ما جرى في بعض الصحافة اللبنانية في الفترة الأخيرة ذبح الموضوعية من الوريد الى الوريد. يبقى ان حديث جميل السيد لجريدة «الحياة»، رغم كل الخلاف المهني حوله، كشف ان معظم الصحافيين في لبنان مصابون بالجرثومة ذاتها التي يدعون أنها سبب خراب البلد.