جوزف سماحة: لبنان ورايس: الاعتذار المهذّب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسارايس، مثلها مثل أي مسؤول أميركي أو إسرائيلي، ترغب في أن تدشّن، ذات مرة، الخط المباشر بين تل أبيب وبيروت. في انتظار ذلك اكتفت رايس، أمس، بالانتقال إلى بيروت من مزرعة أرييل شارون في النقب.
لم يكن لبنان يحتاج إلى هذه الزيارة السريعة والمفاجئة ليعرف ماذا تريد الولايات المتحدة منه. فهو متحوّل، منذ فترة، إلى بند حاضر باستمرار في تصريحات المسؤولين الأميركيين. ومع ذلك يبقى لحضور رايس نكهة مميزة.
يصعب القول إن وزيرة الخارجية قادمة إلينا من إنجازات تسمح لها بالقول إن ما ننصحكم به هو لخيركم. فالتعثر في العراق واضح. القتل اليومي. الخدمات لم تتحسّن. الانتخابات لم توقف المذبحة، على العكس زادت من فداحتها. كتابة الدستور في مهب الريح. وباختصار، المستقبل العراقي غامض بعد أن ثبت أن أميركا التي تعرف كيف تنتصر عسكرياً غير جاهزة لمصاعب lt;lt;اليوم التاليgt;gt;.
وليس الوضع في فلسطين أفضل. فواشنطن تدرك أن المشروع الشاروني لفك الارتباط في القطاع يمكنه الانهيار ما لم تبد خريطة الطريق في أفقه ولو... سراباً. واجتماعات رايس السابقة واللاحقة مع الإسرائيليين والفلسطينيين هدفها الإبقاء على هذا السراب، أي على ما يسمح لشارون بأن يحوّل إعادة الانتشار في غزة إلى قنبلة دخانية لتشديد القبضة الإلحاقية على قسم كبير من الضفة.
ومثل العادة كانت رايس بالغة الكرم في إغداق الأوصاف الطيبة على شارون، وفي تبني مطالبه، وفي وعده بأنه سيحصل على مكافآت عديدة بعضها من الولايات المتحدة مباشرة وبعضها الآخر من الدول العربية التي ستكون مطالبة، بعد أسابيع، باستئناف الاجتماعات الاقتصادية الإقليمية التي تضم إسرائيل. الاجتماعات التي لا هدف لها سوى أن تضم إسرائيل.
جاءتنا رايس مزوّدة بجبروت بلادها طبعاً إلا أنها غير مزوّدة،
مع ذلك، بlt;lt;إنجازاتgt;gt;. لذا تبدو أكثر استناداً إلى lt;lt;الإرادةgt;gt; وlt;lt;التصميمgt;gt; منها إلى النجاح والوعد.
تدرك رايس تماماً أن لبنان يمر في مرحلة انتقالية قد تكون مديدة. ولقد عبّر أحد مرافقيها (ربما هي شخصياً) عن ذلك بالتمييز بين مسؤول يعبّر عن الماضي وآخر يعبّر عن المستقبل. إلا أن هذه الثنائية لا تعني الكثير. فما رعته واشنطن في لبنان أوصل إلى تسوية في قمة السلطة، وإلى حد ما في البرلمان والحكومة. وربما كان التوازن في المجتمع أفضل مما هو معبّر عنه في المؤسسات. ثم إن القوى المحسوبة على الأكثرية الجديدة، قوى 14 آذار المطعّمة ب8 آذار، غير متوافقة تماماً حول العناوين التي تهم رايس أكثر من غيرها. ولهذا يمكن القول إن الوزيرة جاءت تستطلع وتستكشف. إنها تبحث عن حصة بلادها في lt;lt;إنجازgt;gt; شاركت في صنعه، جاءت تطالب بهذه الحصة وتستنهض قوى داخلية للضغط في هذا الاتجاه.
lt;lt;صدفgt;gt; أن الزيارة حصلت قبل ساعات من اجتماع اللجنة الخاصة بوضع البيان الوزاري. ولذلك بات لزاماً على الجميع التدقيق في كل كلمة واردة فيه ومعرفة ما إذا كانت مسوّدات موضوعة له قد جرى تعديلها.
إن هذا البيان، والآن أكثر من أي وقت مضى، سيتعرّض إلى محاسبة في نقطتين: الموقف من القرار 1559 والموقف من العلاقات اللبنانية السورية.
وفي ما يخص النقطة الأولى، وبغض النظر عن اللغة الدبلوماسية المستخدمة، بات لزاماً أن يكون واضحاً أن النصاب ضمن الحكومة يميل إلى تفسير عبارة lt;lt;نزع سلاح المقاومة شأن داخليgt;gt; بأنها تعني lt;lt;عدم نزع سلاح المقاومة شأن داخليgt;gt;. وإذا كانت رايس تحترم، كما تقول، الديموقراطية اللبنانية فعليها بالتالي احترام هذا القرار السيادي. وبهذا المعنى يستحسن أن يتضمّن البيان الوزاري lt;lt;اعتذاراً مهذباًgt;gt; عن عدم رغبة لبنان (وعدم استطاعته) تنفيذ الطلب الأميركي الخاص بما تبقى من القرار 1559.
وفي ما يخص النقطة الثانية ما من حل آخر أمام الحكومة سوى إعلان التمسك بlt;lt;اتفاق الطائفgt;gt; وما يرسمه من إطار عام للعلاقات اللبنانية السورية. إن من حق لبنانيين كثيرين رفض الإجراءات العقابية السورية، ولكن ليس من حق رايس فعل ذلك لأنها تمثل بلداً
يفرض عقوبات اقتصادية على معظم أقطار الكرة الأرضية.
أن تكون العلاقات اللبنانية السورية طبيعية فهذا أمر طبيعي. ولكن، في هذه الحالة الخاصة، ثمة ما يتجاوز العلاقات العادية بين بلدين جارين. فما بين سوريا والأردن مثلاً يمكنه أن يكون lt;lt;طبيعياًgt;gt; برغم ارتباط المملكة باتفاق مع إسرائيل. أما ما بين لبنان وسوريا فشديد الارتباط بالسلوك اللبناني حيال القرار 1559. إن تجنّب تطبيق القرار يضع لبنان في موقع إقليمي إجمالي أقرب إلى الموقف السوري حيال الصراعات المندلعة في المنطقة. وأما تطبيق القرار فيمكنه أن يؤدي إلى أزمة وتوتر كما يمكنه أن ينتهي إلى علاقات طبيعية من النوع الذي لا يرضي اللبنانيين الراغبين في موقع محدد لبلدهم والرابطين بين هذا الموقع وبين السلم الأهلي الذي لا يصان موضوعياً إلا من موقع العداء لإسرائيل.
ليست واشنطن، من حيث المبدأ، ضد علاقات لبنانية سورية تشبه تلك التي تقوم بين الجيران الجغرافيين. ولكن واشنطن ضد هذه العلاقات إذا كان وجهها الداخلي اللبناني التمسك بالدفاع عن سلاح المقاومة ورفض تقديم هذه الخدمة المجانية لإسرائيل.
إن lt;lt;المصادفةgt;gt; التي جمعت بين الزيارة وبين رسم سياسة الحكومة لا تلغي أن رايس أرادت وضع الحجر الأساس لمستقبل تريده واشنطن في صلاتها مع بيروت. إن البناء على الحجر الأساس هذا هو موضع تباين لبناني داخلي. فهناك، في لبنان، مَن يدرك أن مبادرة الولايات المتحدة بالعداء ليست حكيمة. ولكن الحكمة تقضي، أساساً، وعي السياسة الأميركية العامة في المنطقة، ووعي التحولات التي طرأت عليها، والسعي الدائم إلى صد الأضرار التي يمكنها أن تلحقها بالعرب عامة وباللبنانيين خاصة.