جريدة الجرائد

غازي القصيبي: أبا فيصل! وداعاً!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بقلم غازي القصيبي

أبا فيصل! وداعاً!

أهرب من الناس جميعاً..

أخلو إلى غرفتي..

أغلق باب الغرفة..

مالي وللناس؟

هم يعرفون الملك..

رجل الدولة المحنك..

مهندس التنمية الفذ..

يعرفون مواقفه.. وسياساته..

يعرفون منجزاته.. ومآثره..

وأعرف هذا كله..

ولكني اعرف فوقه.. ما قد لا يعرفون..

أعرف الانسان المختفي وراء الملك..

الطيبة التي تسكن رجل الدولة المحنك..

الرقه في مهندس التنمية الفذ..

أعرف مئات المرضى الذين حملهم الى العلاج..

أعرف عشرات الارامل اللواتي حمل اليهن الأمل.. والمأوى

أعرف الاطفال الذين اعطاهم جزءا من قلبه..

أعرف الرجل الذي كان يبتسم..

وقلبه يدمي من الداخل..

الذي كان يضحك للناس..

والهموم تمزق روحه..

واذكر عبر السنين.. حياتي معه..

اواه ! كم اذكر من حياتي معه!

اذكر كيف كان وجهه يضيء..

عندما أخبره ان قرية اضيئت بالكهرباء..

وكيف كان وجهه يتهلل..

عندما أقول له ان مصنعاً قد افتتح..

اذكر زيارته للمستشفيات..

وحديثه العذب الضاحك..

الذي ينسي ساكني الأسرّة البيضاء.. اسرّتهم.

اذكر النقود والثياب..

يرسلها في ظلام الليل..

الى ذلك المستشفى في الطائف..

ويقول.. لا تخبروا وزير الصحة!

اذكر كم كان كريماً معي!

اواه ! كم كان كريماً معي!

اذكر كيف استبقاني حتى الصباح..

ذات ليلة في فاس..

لينسيني قلقي على طفلي الصغير.. فارس

الذي كان وقتها بعيداً عني..

تحت مبضع الجراح...

اذكر كيف ضحك من الأعماق..

مع ابني سهيل..

حين كان طفلا طويل اللسان..

قال له.. ان شاء الله تكون اطيب من ابيك..

ورد سهيل بثقة إن شاء الله..

وضحك.. وضحك..

وقال: انت صريح على الاقل!..

اذكر نصيحته التي يمتزج فيها الجدّ بالمزح.

«هوّن على نفسك!

هل تريد ان تموت على المكتب؟!»

اذكر كلمته الرقيقة كلما لاحظني أتململ..

وكثيرا ما كنت أتململ:

«تذكرّ! نحن في الخدمة معا!

ولا نخرج الا معا!..»

لا !

لن أقول الآن كل شيء..

سأطوي أضلعي على الذكريات..

وأعرف انها ستبقى معي حتى اموت..

«نخرج من الخدمة معاً »؟!

ها أنت ذا.. ذهبت وتركتني!.

بعد معاناة ملحمية مع المرض...

وكنت تحتمل ما لا يحتمل..

وتصبر على ما لا يُصبر عليه..

حتى خفق السراج خفقته الأخيرة..

ونبض الفؤاد نبضته الأخيرة..

وأنا وحدي في وحشة الغرفة..

أذرف الدموع التي حبستها طويلاً

وانا أراك تصارع المرض..

اطلق لها العنان..

وأتمتم:

ايها الرجل النادر!

أبا فيصل!

وداعاً...

والى الملتقى في الجنة..

إن شاء الله.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف