جريدة الجرائد

د. أحمد البغدادي: القانون لا يحمي المغفلين.. فمن إذن؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 09 . 08 . 2005

حين أنظر إلى المؤلفات وضخامتها وتعقيداتها اللفظية، وحين أقرأ القوانين الكثيرة في مختلف التخصصات من مدني وتجاري.. إلخ، أتساءل: كيف يحق لرجال القانون القول: إن القانون لا يحمي المغفلين... إذن يحمي من؟ هل كل الناس وعلى اختلاف مستوياتهم التعليمية يفهمون القانون؟ وهل من الممكن حقاً متابعة كل القوانين التي تصدر يومياً لتنظيم مختلف مشاكل الحياة؟ وهل مطلوب من الناس البسطاء مراجعة القانون أولاً قبل الإقدام على التعامل مع مختلف المعاملات في المجتمع والدولة؟ وهل من المنطق السماح لغير المغفلين باستغلال ثغرات القانون لإيذاء المغفلين؟ ويتبين من استعراض وضع العدالة القانونية في عالمنا العربي من خلال ما نقرأ عن مشاكل الناس في الصحف والمجلات، أن هناك خللاً في هذه العدالة، ربما بسبب كثرة القوانين إلى درجة إرباك الناس حين يتعاملون معه عبر أروقة المحاكم، بل يحدث كثيراً أن تفسيرات الأحكام القضائية على درجة من التعقيد تحتاج معها إلى أهل الاختصاص.

القانون "اختراع" غربي تم وضعه لتنظيم حياة الناس من خلال سلطة مستقلة، وإذا ما استثنينا إنجلترا قديماً، فإن القارة الأوروبية كانت تعاني من هيمنة الملوك على السلطة القضائية، ووجود القوانين الجائرة التي تخدم الأثرياء واللوردات ضد الفقراء، ومع انطلاقة العصر الحديث الناتجة عن عصري النهضة والإصلاح الديني، كانت المنظومة القانونية واستقلال السلطة القضائية وسيلتان لجعل حياة الناس أفضل، وهذا ما حدث. ورغم أن القانون لا يحمي المغفلين مبدأ صاغه رجال القانون أنفسهم، إلا أن تطور مفهوم العدالة قد تجاوز القانون، خاصة مع اعتمادهم نظام المحلفين.

أما في عالمنا العربي، فكثيراً ما يتنازل الناس عن حقوقهم المشروعة حتى لا "يتبهدلوا" في المخافر وأروقة النيابة العامة والمحاكم، كما هو الحال في قضايا الديون الصغيرة وحوادث السيارات، بل وحتى في سرقات المنازل، لأن الناس تعلمت من التجربة أن هناك عدة مشاكل مع القانون، فيما لو حاولت اللجوء إلى المؤسسات التي تتعامل مع القانون.

من جانب آخر أدى تعدد المشاكل وتعقد الحياة بشكل عام إلى اختلال العلاقة بين الناس والقانون حتى أصبح كل الناس -باستثناء المحامين- مجموعة من المغفلين الذين لا يحميهم القانون، وهذا مخالف لمنطق الأشياء، ولهذا ربما يخاف الناس من القانون في دول العالم الثالث، لأن القانون منطقة مجهولة المعالم لا تدري أهي معك أم ضدك حتى ولو كنت المجني عليه، كأن يعتدي عليك أحد ما، ثم تدافع عن نفسك فتصيبه بعاهة مستديمة، أو يعتدي عليك بالسب والشتم وليس لديك شهود فتصبح معتدياً إذا ما قمت بتأديبه. وفي عالم مليء بالغش والاحتيال وضعف المعرفة القانونية يتعرض الناس لشتى المشاكل التي تظهر لهم مثلاً في عقود الإذعان، مثل عقود التأمين، حيث اشتراطات لا يمكن القبول بها لعدم منطقيتها، لكن ليس أمامك سوى القبول بها، ولأن الخيارات منعدمة.

من جانب آخر، يكون اللجوء أحياناً إلى القانون مضيعة للمال والوقت، ولنفرض أن سيارة شرطة مسرعة مرت أمامك وصدر عنها حجر صغير أدى إلى كسر زجاج سيارتك، ماذا تفعل؟ تشتكي على الشرطي؟ ليت شعري كم مواطناً عربياً مستعد للشكوى ضد الشرطة؟

لذلك يجب أن يحمي القانون المغفلين، ولو سألت معظم الناس عن القوانين لقالوا لك إجابة واحدة: لا أدري! فهل من المنطق أن نعتبرهم جميعاً مغفلين؟ مهمة القانون حماية المغفلين الذين يغرر بهم، أو يتم خداعهم. مهمة السلطة القضائية تثقيف الناس قانونياً لكي يعلموا ما لهم وما عليهم، وتشجيعهم على الإيمان بالقانون، لكن حين يكون الحال كما في فيلم "سلام يا صاحبي" للفنان عادل إمام، حين تعترضه مشكلة فيقول له صاحبه الفنان سعيد صالح: "ما تخافش يا خويا، البلد فيها قانون"! فيرد عليه عادل إمام ضاحكاً، "يا خوفي نتضرب بالقانون"؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف