تركي علي الربيعو: خطوط حمر يرسمها البرزاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين: 15 . 08 . 2005
“لن يحلم برؤية إربيل مرة ثانية، حتى ولو بالمنظار” هذا ما كان يقوله جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني آنذاك، في أواسط عقد التسعينات عندما طرد مسعود البرزاني إلى مدينة دهوك في أعالي جبال كردستان الغربية، ولكن الرجل ما لبث أن عاد وبسرعة على أكتاف الدبابات العراقية التي بعث بها الرئيس العراقي صدام حسين تلبية لطلب الاسترحام الذي أعلنه البرزاني، عبر رسالة مطولة منه إلى صدام حسين قرئت على الملأ، فدخلت الدبابات العراقية إلى إربيل في ضحى النهار (ثلاث فرق عسكرية) في 6 أغسطس/آب 1996 وأعادت الزعيم الكردي الى عاصمته. وشاء القدر وهذا نقوله تخفيفاً، فقد شاءت إرادة أمريكا المحتلة، وعبر تسوية سياسية بين الطالباني والبرزاني، أن يصبح الزعيم الكردي مسعود البرزاني رئيساً لإقليم كردستان والطالباني رئيساً للعراق.
ما يهم في الأمر، أنه وعلى مدى عامين و نيف تقريباً، أي منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، والزعيم مسعود البرزاني يبدي ولعاً بمزيد من الخطوط الحمر التي باتت وكأنها هوايته المفضلة، وطريقه إلى الزعامة السياسية لكل كردستان التي تحتشد ممراتها الجبلية الضيقة بمزيد من المطالب والغنائم وبمزيد من الدعوات للانفصال، ففي زيارته الودية إلى دمشق التي رعته صغيراً واستقبلته كبيراً في أواسط أكتوبر/تشرين الاول 2004 راح البرزاني ومن داخل عاصمة الأمويين، يبدي مزيداً من الثقة بالنفس، لا بل بدا مفرطاً بثقته بنفسه، فراح يرسم مزيداً من الخطوط الحمر، فالبشمركة خط أحمر وهنا كان يرد على رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي الذي دعا إلى حل الميليشيات العراقية وأولها البشمركة، فهي كما يقول “رمز لكرامة أمة” والمقصود بذلك الأمة الكردية، وضمان لمستقبل الديمقراطية في العراق كما قال لجريدة “الحياة” 20/10/،2004 وهنا تكمن المفارقة عندما تصبح الميليشيا ضماناً للديمقراطية، وكركوك خطاً أحمر وغنيمة حرب، صحيح أنها “قد تصلح نموذجاً للتعايش بين الكرد والعرب والتركمان والكلدان والآشوريين، لكنها جزء من كردستان وجزء من الهوية الكردية”.
من يومها ، و البرزاني يبدي مزيداً من التشدد، والذي يلقى هوى عند غلاة الأكراد، وما أكثرهم، لا عند معتدليهم الذين ضعفوا وأضعفوا تحت وطأة موجة التظاهرات التي اجتاحت السليمانية وإربيل والتي طالبت وتطالب بانفصال كردستان عن الجسد العراقي والتي رفعت شعارات معادية للعرب والعروبة معاً، وقد بلغ التشدد ذروته في الجلسة الاستثنائية التي عقدها البرلمان الكردستاني في إربيل 6/8/،2005 وعبر قول استثنائي خصصه البرزاني لهذه المناسبة التي أعلن فيها رفضه للهوية العربية والإسلامية “إننا لن نقبل بفرض هوية إسلامية على العراق... وليكن الجزء العربي من العراق جزءاً من الأمة العربية، ولكننا لسنا جزءاً منها”.
لم يكتف البرزاني الذي قوبل بالتصفيق و الإعجاب بجرأته تلك، فراح يعيد رسم خطوطه الحمر على أرض الواقع ، عن كركوك والبشمركة وعن حق الأكراد في فيتو كردي بالاعتراض على كل تشريع يصدره البرلمان العراقي، خاصة وأن المادة (48) التي سنها اللورد بريمر إن جاز التعبير والمتعلقة بقانون إدارة الدولة تمنح الأكراد كل هذه الامتيازات، وكل تلك الغنيمة التي باتت أحد مرتكزات العقل السياسي الكردي الآخذ بالتبلور مع مجيء الاحتلال.
ان الجلسة الاستثنائية للبرلمان الكردي كانت بمثابة التعبير الحي عن قول استثنائي قاله الزعيم الكردي، وفي الحقيقة فهو لا يرسم خطوطاً في الهواء كما يظن البعض، بل حدوداً على أرض الواقع تمهد عاجلاً أم آجلاً إلى انفصال كردستان.إنه يحذر وينذر، وقديماً قالت العرب قد أعذر من أنذر، وما على المشتغلين على مسودة الدستور العراقي إلا أن يستجيبوا لمطالب الزعيم الكردي، إنه يتصرف على أنه الأقوى، فهو يدرك مدى هشاشة الحكومة العراقية المسجونة داخل المنطقة الخضراء، كذلك مدى هشاشة الوضع العربي عموماً الذي يدعو إلى الرثاء والعاجز تماماً عن فعل أي شيء، ولذلك فهو يلعب بأوراقه كاملة على الطاولة، وهذه هي شيمة الأقوياء أو من يظنون أنهم كذلك، مدركاً أن لا شيء يردعه، إلا أمريكا وحدها التي من شأنها أن تعبث قليلاً بالخطوط الحمر التي تستهوي البرزاني لتعيد تشكيلها،بما يحفظ ماء وجهها قليلا حتى تستبين الأمور، أو تأجيل بعضها إلى ما بعد الاتفاق على مسودة الدستور الذي عليه أن يبحث عن صيغ توفيقية ترضي تشدد البرزاني وحتى ما بعد الانتخابات القادمة، ولكن بعد تحقيق بعض المكاسب للحليف الكردي على أرض الواقع.
إن التساؤل من أين لبرزاني كل هذا الاستقواء الذي جعله يضع شروطاً لمستقبل العراق، معروف الجواب عليه وهو من البديهيات التي لا تحتاج إلى تعب، ولكن التساؤل المهم هو إلى أين يذهب البرزاني في حال انفصال الإقليم وانسحاب الولايات المتحدة بعد فشلها في العراق؟ هذا السؤال من وجهة نظري يشغل المعتدلين من الأكراد لا الغلاة منهم و منهم البرزاني الذي يشيح بوجهه عن المستقبل ليولي وجهه باتجاه الحاضر حيث الكعكة العراقية التي يتقاسمها الجميع.