يوسف عزيزي: الحكومة الجديدة والملف النووي الايراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة: 19 . 08 . 2005
تواجه الحكومة الجديدة وعلى رأسها الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد تحديات خطيرة في مستهل عملها لادارة البلاد.
فعلى المستوى الداخلي هناك مشاكل اجتماعية اهمها ازمة السكن وتفشي البطالة ومشكلة القوميات والتفاوت الاجتماعي والطبقي الحاد،
وعلى المستوى الخارجي قضايا الملف النووي والسلام في الشرق الاوسط والارهاب. وبعد الحرب العراقية - الايرانية، تعد القضية النووية اهم واخطر مشكلة يواجهها النظام الاسلامي في ايران منذ قيامه في العام 1979. اذ يمكن مقارنتها - كقضية وطنية عامة - مع قضية تأميم النفط الايراني الذي قام به زعيم الحركة الوطنية الايرانية محمد مصدق في اواسط القرن المنصرم.
وقد أبدت القوى المناهضة للتيار المتشدد في الداخل والخارج قلقها ازاء انتخاب مرشح هذا التيار رئيساً للجمهورية في ايران، حيث كان لهذا الانتخاب اثر سلبي على مواقف الدول الاوروبية تجاه الرئيس احمدي نجاد مما أدى الى نوع من الفتور في العلاقات الايرانية – الاوروبية وهذا ما شاهدناه في امتناع ايطاليا عن استضافة رئيس البرلمان الايراني غلامعلي حداد عادل والسلوك غير اللائق الذي واجهه والوفد المرافق له في بلجيكا.
وقد عين الرئيس احمدي نجاد علي لاريجاني اميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي ومسؤولاً للملف النووي بدلاً من حسن روحاني. والمعروف عن لاريجاني تشدده ونقده اللاذع لاداء الوفد النووي الايراني إذ وصف في احدى محاضراته ما تقدمه الترويكا الاوروبية من اقتراحات لايران بـ « قطعة حلوى مقابل لؤلؤة».
وتشعر ايران بالغبن من ديبلوماسية الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا والمانيا وترى فيها نوعاً من المماطلة والتسويف لاجبارها على ايقاف دورة الوقود النووية. وتعتبر طهران تخصيب اليورانيوم وامتلاك دورة الوقود حقاً اساسياً من حقوقها وذلك بسبب عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فإقدام ايران على نزع الختم عن معمل اصفهان النووي يمكن تشبيهه بايجاد تماس كهربائي خفيف لتوجيه صدمة للطرف الاوروبي. وعلى رغم علم ايران بالخطر الذي يمكن ان يؤدي اليه هذا التماس من اندلاع حريق في العلاقات الايرانية من جانب والاوروبية – الاميركية من جانب آخر، فإن صناع القرار في طهران يعتمدون على براعتهم في قراءة ما كان يمكن ان يتوصل اليه مجلس محافظي الوكالة الدولية، حيث لم يتوقعوا ان يقوم المجلس في اجتماعاته الأخيرة في فيينا بإحالة ملف ايران الى مجلس الأمن الدولي. وهذا ما حدث بالفعل؛ لكن المجلس لم يلب طلباتهم ايضاً، بل ناشدهم بإيقاف الانشطة في معمل اصفهان النووي والعودة الى طاولة المفاوضات. فجميع الاعضاء الـ في المجلس - بمن فيهم اصدقاء ايران التقليديون في كتلة دول عدم الانحياز - صوتوا لصالح القرار. كما اعربت الادارة الاميركية عن ارتياحها لقرار مجلس محافظي الوكالة. ويبدو ان ايران هي الدولة الوحيدة التي احتجت على القرار ووصفته بأنه سياسي ومغاير لمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية.
فاللاعبون الاساسيون على خشبة الملف النووي الايراني هم: ايران، الاتحاد الاوروبي، روسيا والصين، وثمة لاعب غير أساسي هو دول عدم الانحياز، الذين رأينا موقفهم المؤيد لمشروع القرار الاوروبي الذي تمت المصادقة على بنوده الرئيسية في اجتماع مجلس محافظي الوكالة، حيث يماثل مواقفهم في الاجتماعات السابقة لهذا المجلس.
فالاتحاد الاوروبي وروسيا والصين وعلى رغم مصالحهم الاقتصادية في ايران عارضوا استئناف ايران لنشاطاتها النووية في اصفهان وعملوا في نهاية المطاف بالتنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية.
فالجميع ينتظر حالياً اليوم الثالث من ايلول (سبتمبر) حيث من المقرر ان يقدم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي تقريراً حول الملف النووي الايراني الى مجلس محافظي الوكالة ليصدر المجلس قراره المهم في هذا الصدد.
وخلال المسافة التي تفصلنا من هذا اليوم ستشهد ساحة الصراع الديبلوماسي بين ايران والدول المعنية الاخرى المزيد من عمليات الشد والجذب والتهديد والترغيب. فايران ترسل من جهة وفداً حكومياً الى واشنطن للاعداد لمشاركة الرئيس احمدي نجاد في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك وكذلك لعقد لقاءات مع الجالية اليهودية الايرانية في الولايات المتحدة الاميركية. ويؤكد الرئيس الجديد على استمرار مشاركة ايران في المفاوضات النووية مع الدول الاوروبية الثلاث ويعلن في اتصاله الهاتفي مع كوفي انان بأنه سيقدم اقتراحاً خاصاً في هذا الصدد. كما ان الجانب الايراني يعلن وللمرة الأولى أنه مقتنع بقاعدة «لعبة الفوز - الفوز» للجانبين وهي ظاهرة ملفتة للنظر تظهر نوعاً من التطور في الديبلوماسية الايرانية. لكن الى جانب ذلك، وعلى خشبة المسرح الايراني، هناك قوى اخرى تلعب دوراً آخر، إذ نسمع نائب رئيس البرلمان محمدرضا باهونر يعلن أن ايران بذلت كل ما في وسعها لايجاد الثقة مع الاوروبيين وانها سئمت الانتظار وستكون خطوتها الاخرى استئناف محطة نطنز النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم. كما أن هناك تحركات يقوم بها اعضاء متشددون في البرلمان الايراني لالغاء الاتفاق بين ايران والترويكا الاوروبية، بل الانسحاب من معاهدة الحد من الاسلحة النووية. ضف الى ذلك التظاهرات التي يقوم بها الطلبة المتشددون هنا وهناك: في طهران واصفهان ومناطق اخرى من ايران.
وفي الجانب الآخر (الاميركي - الاوروبي – الكندي) نرى الحكاية نفسها، حيث يتم استخدام ديبلوماسية العصا والجزرة. فها هو الرئيس الاميركي جورج بوش يرحب بعملية نزع الختم والاجراءات الايرانية الاخرى في معمل اصفهان لأنها تمت تحت أعين المراقبين الدوليين، وذلك على رغم دعم الولايات المتحدة الاميركية لقرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما انه يعلن أن بلاده لن تحول دون مشاركة الرئيس احمدي نجاد في اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك. فالدول الاوروبية الثلاث - أي بريطانيا فرنسا والمانيا - تلوح ايضاً بدورها باحتمال «تدسيم» الاقتراحات المقدمة لإيران في حال عودتها من قرارها الخاص باستنئاف انشطتها النووية في اصفهان. وتؤكد هذه الدول التي تفاوض ايران نيابة عن الاتحاد الاوروبي أن تعليق عملية تحويل اليورانيوم في معمل اصفهان هو شرط اساسي لاستئناف المفاوضات. ولا تختلف ديبلوماسية الحكومة الكندية من الدول الاوروبية حيث اكد وزير خارجيتها بيترو بتي غرو، أن بلاده ترى من الضروري احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي، واصفاً القرار الأخير لمجلس محافظي الوكالة الصادر ضد ايران «بأنه يؤكد بصورة جدية قلق دول العالم من طبيعة البرامج النووية الايرانية وسعتها». ونحن نعرف الاسباب التي تحث كندا على اتخاذ مثل هذه المواقف اي انها تنم عن استيائها مما بلغ اليه ملف المصورة الكندية – الايرانية الاصل زهرة كاظمي التي قتلت في سجن ايفين قبل عامين.
كما نسمع ايضاً تصريحات الرئيس الاميركي جورج بوش الذي يهدد ايران بإحالة ملفها النووي الى مجلس الأمن ولا ينفي خيار استخدام القوة في هذا المجال.
فمن المعروف عن الديبلوماسية الايرانية في مواجهتها للقضايا الساخنة والحادة هو عدم رفضها للقرارات الدولية بصورة مطلقة بل تبقي عادة على نافذة تتمكن من خلالها التماهي مع هذه القرارات في الفرصة المناسبة اي انها تطرح شروطا لقبولها، تغض الطرف عنها في نهاية المطاف. فهذا ما شاهدناه في قضية القرار 598 المتعلقة بإنهاء الحرب العراقية – الايرانية الصادر في العام 1987 حيث قبلته ايران بتحفظ وبشكل مشروط فور صدوره، لكنها قبلته بالكامل بعد مرور عام تقريباً أي في تموز 1988.
ولا يستبعد المراقبون حدوث هذا الأمر في قضية الملف النووي الايراني اي قبولها باستئناف المفاوضات مع الترويكا الاوروبية وتعليقها لنشاط معمل اصفهان النووي شريطة ان يعدل الاتحاد الاوروبي في اقتراحاته - الاقتصادية والسياسية - لتكون متكافئة مع مستوى التنازل الذي يمكن تقدمه في المجال النووي.
كاتب من ايران.