جريدة الجرائد

روجر أوين: أميركا في العراق: نقطة انقلاب كفة الميزان؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الأحد: 28 . 08 . 2005

لا شكّ في أن الأسبوع الثالث من آب (أغسطس) كان سيئاً للغاية للرئيس جورج بوش. إذ ارتفع عدد الضحايا الأميركيين في العراق، وتخطّت اللجنة الدستورية العراقية مهلتين محدّدتين. ولم يكن سَهر سيندي شيهان أمام مزرعة الرئيس من أجل السلام سوى قمّة جبل الجليد التي أظهرتها استطلاعات الرأي العام والتي بيّنت أن أكثر من نصف الشعب الأميركي يظنّ الآن أن احتلال العراق عام 2003 كان خطأ.

كما أظهر شهر آب البيت الأبيض في أسوأ أحواله، إذ بدا خائفاً من مواجهة منتقديه، وخائفاً مما هو غير متوقّع، ومتقوقعاً في منحى تفكير يبيّن أن اللقاء مع سيندي شيهان، وهي أمّ قُتل ابنها في العراق، سيُفسّر كعلامة ضعف وليس كعلامة قوّة، وهو موقف يعرفه طلاب الأنظمة العربيّة حقّ المعرفة.

في غضون ذلك، كان أعضاء الكونغرس الذين عادوا إلى ولاياتهم ومقاطعاتهم لتمضية العطلة الصيفية يقومون باستطلاعاتهم الخاصّة عن أجواء الشارع الأميركي. وقد برز قلق واضح لدى بعض الأعضاء الجمهوريّين من أنّ لاشعبيّة الحرب المتزايدة ستؤثّر تأثيراً كبيراً في التصويت للحزب الجمهوري في انتخابات أعضاء الكونغرس عام 2006. وعلى رغم أنّ قليلين سيذهبون إلى حدّ التطرّف في نظرتهم، على غرار السيناتور تشاك هايغل من ولاية نيبراسكا، الذي أشار إلى أنّه وفقاً لأيّ من المعايير فإن أميركا ليست في موضع المنتصر في حربها على المتمرّدين في العراق، وقد زعزعت الاستقرار في الشرق الأوسط، والأهمّ من كل هذا أنّ البيت الأبيض لم يفهم أنّه في ما يخصّ السياسة العراقية، فإنّ السدّ الذي يحميه من هجمات داخلية خطيرة قد تداعى أخيراً.

أما المرشّحون الديمقراطيّون للانتخابات الرئاسيّة التي ستُجرى عام 2008 فقد كانوا أكثر حذراً، إذ تولى السناتور روس فاينغولد (ويسكونسن) إبراز نقطة مهمّة مفادها أنّ لا جدوى بعد الآن من الحديث عن إكمال مهمّة أميركا، بل أصبح من الضروري وضع سياسة عراقيّة ثابتة في إطار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بدل سياسة تسيطر على استراتيجية الأمن الأميركية وتسحب الموارد الحيوية لمدّة غير محدودة من الزمن.

وقد سارع المعلّقون الى طرح السؤال عما إذا كان كلّ ذلك علامة على أن البلاد بلغت النقطة التي تقلب كفّة الميزان في ما يتعلق بالسياسة العراقية، أي اللحظة التي لا تعود فيها الحجج والقناعات القديمة بشأن الحاجة إلى دعم الحرب واستحالة التوقّف والهروب، كافية. وفي الواقع بدأت الحجج المعاكسة تبرز على الساحة، إذ يعتقد معظم الأميركيّين الآن أنّ الطريقة الفضلى لتكريم الجنود الأموات هي عدم الاستمرار بهذا النهج كما فعل الرئيس بوش، بل الحرص على عدم اضطرار أيّ شخص آخر اللتضحية بحياته لقضية لا طائل منها.

كما أشار الكثير من المعلّقين إلى ما يتعيّن على الرئيس بوش القيام به في موازاة معالجة الشقوق في سدّ الدعم الذي تكلّم عليه السناتور هايغل. إذ يتوجّب على الرئيس الإقرار ببعض الأخطاء، كما يتوجّب عليه رسم خطّة واقعية للعراق، وبذل جهد لجذب أعضاء الحزب الديموقراطي الأساسيين لتأمين الدعم الداخلي من كلا الحزبين، على غرار ما قام به الرئيس كلينتون عندما قام بمبادراته في كوسوفو والبوسنة.

لكن مع مباشرة الرئيس بوش هجومه المعاكس في الأسبوع الرابع من آب، لم تظهر علامات كثيرة تبيّن أنّه ينوي القيام بأكثر من تكرار الدفاع نفسه عن الحرب، وكأنّه يظن أن الطريقة الفضلى لإقناع الناس بصحّة قضيّته هي من خلال تكرار الكلام نفسه بصوت أعلى وأعلى. وعوضاً عن استمالة الرافضين والمشكّكين، قرّر من جديد أن يلقي كلمته الشخصية أمام جمهور يتألّف بمعظمه من العسكريين ومن أعضاء حزبه فحسب.

ونظراً إلى أن هذه المقاربة لم تنجح في السابق فلا سبب يحملنا على الاعتقاد بأنها ستنجح هذه المرة، خصوصاً في غياب أي إشارة إلى أن الأخبار الآتية من العراق ستحمل بوادر خير في الأشهر المقبلة. بيد أنّه من غير المرجح أن يتمكّن هذا الرجل العنيد المقتنع بصحّة أفكاره من القيام بالتعديلات الحقيقية التي يتطلّبها اعتراف صحيح بفشل سياساته. في المبدأ، يمكنه طرد أعضاء من فريقه من الذين يتحملون مسؤولية تغذية آمال واهية، كما يمكنه وضع جدول زمني محدّد لعودة الجنود، بحسب اقتراح السيناتور فاينغولد. أمّا في التطبيق، فيرجح أن يتابع الحرب معتمداً على بصيص صغير من الأمل بأن الأمور قد تتحسّن في النهاية.

يفترض بذلك أن يعطي أشخاصاً مثلي ممن عارضوا الحرب، تشجيعاً كبيراً، وهو يشجّعنا فعلاً إلى حدّ ما. لكن من المهمّ أن نقرّ بأننا لا نتمتع بالقول إنّنا قلنا هذا الكلام سابقاً، أو بتحقّق الكثير من التوّقعات الأسوأ بشأن المقاومة العراقية في مرحلة ما بعد الحرب، والطائفيّة المتزايدة، وتحوّل البلاد إلى نقطة جذب لأيّ ناشط شاب يحمل ضغينة ضدّ الولايات المتّحدة.

من الأفضل محاولة معالجة مسائل أخرى تتعلق أكثر بما سيحدث لاحقاً. فإحدى المسائل المثيرة للقلق تقضي بمعرفة الطريقة الفضلى لمواجهة الحجج السياسية المطروحة بشكل لا يجعلها تبدو مقنعة فحسب، بل تحيّد أيّ محاولة لتقديم حجج معاكسة. وفي عالم مماثل فإن الخطر مطروح بشكل دائم، ولا وسيلة لمواجهته سوى بطريقة واحدة، مع غياب أيّ إمكانية لمقاومة افتراضاته المسبقة أو تداعياته أو حلوله البديلة. في هذا العالم، لا جدل حول إمكان عدم نجاح السياسة المعتمدة التي قد تزيد الوضع سوءاً.

لكن التاريخ يزخر بالأمثال التي تبيّن أخطار مقاربة ضيّقة كهذه، والسياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين تندرج ضمن هذه الأمثال. كما أن هناك مثلاً آخر استقيه من تجربة عايشتها في حياتي الخاصة، حول السياسة البريطانية في قبرص حيث قضيت خدمتي العسكرية أقاوم أولئك الذين أرادوا توحيد الجزيرة مع اليونان في الخمسينات. فسرعان ما أدركت خلال خدمتي هناك أنّه في حال لم يتمّ تدارك الأمور بسرعة لحلّ المشكلة على المستوى السياسي فإن الدمار الذي سيلحق بالعلاقات بين المجتمعين التركي واليوناني سيكون غير قابل للترميم.

أما المسألة الثانية فهي معرفة الطريقة الفضلى لتحضير العالم العربي لفشل محتمل في السياسة الأميركية في العراق. إذ كما هو معروف، يحبّذ الكثير من الأنظمة العربيّة إمّا نجاح السياسة أو الاستمرار لسنوات في حالة لا غالب فيها ولا مغلوب. لكن ماذا لو برزت أكثريّة شعبيّة أميركية تؤيّد الانسحاب الأميركي الكامل بحلول نهاية العام 2006 كما اقترح السيناتور فايغولد؟ أو حتى في العام 2008؟ ماذا سيحصل عندئذ؟

* مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف