داود الشريان: لبنان والعراق ... ما الفرق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء: 07. 09. 2005
ازالة نظام صدام حسين أدت الى خراب العراق، وازالة النظام الامني في لبنان على النحو الذي يجري حتى الآن قد تفضي الى النتيجة ذاتها. في الحالين جرت عملية الازالة بتدخل اجنبي. وفي الحالين ثمة مصالح غير وطنية لهذه الحماسة الدولية لإحقاق الحق ورفع الظلم عن الانسان العراقي واللبناني. هذه مخاوف تتردد على ألسنة بعض اللبنانيين. وهي مخاوف واقعية. فالجنرالات اللبنانيون الأربعة الذين تم اعتقالهم بتهمة التخطيط لاغتيال الرئيس الحريري لا يمثلون انفسهم، انهم رمز لتركيبة سياسية وأمنية حكمت لبنان على مدى ثلاثة عقود استناداً الى توافق سوري - لبناني، ومصالح سياسية وطائفية متشعبة. واسقاطهم بقرار دولي سيهدم هذه المصالح، ويلهب الشعور الطائفي، ويخلق وضعاً لبنانياً يصعب التكهن بخطورته على بلد لم يشف بعد من عدوى الحرب الاهلية.
اللبنانيون الخائفون مما يجري لا يتحدثون عن قانون «عفا الله عما سلف»، ولا يطالبون بتسوية اغتيال رفيق الحريري على طريقة اغتيال رشيد كرامي ورينيه معوض، لكنهم متوجسون من تدويل القضية، ولا يريدون استبدال الوصاية السورية بأخرى دولية، ويبالغ بعضهم في التشاؤم فلا يرى فرقاً بين المعارضة العراقية التي اطاحت صدام، والمعارضة اللبنانية، فالأولى في رأيه اسقطت النظام على ظهر دبابة اميركية، والمعارضة اللبنانية وصلت الى السلطة لكنها لم تمارسها وأوكلت الامر الى واشنطن وباريس. ولم تستطع حتى الآن ان تشغل المناصب الامنية الشاغرة، فضلاً عن استسهالها لقضية السيادة، الى الحد الذي جعل بعض اقطابها يطالب بفخر بحماية دولية، ناهيك عن أنها تتصرف مع قضية اغتيال الحريري باعتبارها قضية ثأر شخصي... ثم جاء رحيل بعض النواب والمسؤولين الى باريس، وادارة معركة البلد من الخارج، ليزيد من مخاوف اللبنانيين ويذكرهم بالجلبي وعلاوي وبقية الوجوه التي جاءت بخراب البصرة.
هناك رغبة في الانتقام من سورية، ومن النظام الامني القمعي الذي حكم البلد بصمت، لدى معظم الذين يرفعون اصواتهم الآن ضده. رغبة افقدت الحكومة صوابها الى درجة ان الانتقام بات يهدد البلد بأكمله. وحكومة السنيورة تكاد ان تتصرف على طريقة واشنطن في العراق، وكأنها تريد ان تهدم الدولة وتعيد بناءها من جديد، وهي مستمرة حتى الآن في تكريس عدم الثقة في القضاء اللبناني، وتمارس «مكايدة» مع رئاسة الجمهورية ستؤدي حتماً الى تدمير مكانتها ولو في شكل غير مقصود، فضلاً عن عجزها حتى الآن عن صنع بديل من النظام الامني الذي ثبت تورطه، ثم تتحدث عن ولادة لبنان جديد سيّد، كأن الدولة في نظرها عمارة يسهل هدمها واعادة انشائها، والعراق خير دليل على ان الدول التي تهدم تموت.
الاكيد ان اعادة بناء ثقة المواطن اللبناني في مؤسسات الدولة التي يجري تخريبها بقرار دولي وموافقة لبنانية رسمية، ستكون صعبة ان لم تكن مستحيلة، والأكيد ايضاً ان الحديث عن علاقات حميمة بين الشعبين السوري واللبناني، لا يختلف كثيراً عن الحديث عن العلاقات الطيبة بين الكويتيين والعراقيين، انه مجرد تكاذب سياسي ونفاق مفضوح. فالتحقيق الدولي يتجه بقوة نحو محاصرة دمشق، ومهما كانت درجة رفض السوريين لما جرى من تجاوزات واخطاء وظلم خلال احتلال قواتهم للبنان فإنهم لن يغفروا للبنانيين ما سيحل ببلادهم في حال ارادت واشنطن استثمار تحقيق ميليس لمصلحة اسرائيل، او اذا تصرفت دمشق على طريقة صدام حسين ورهنت مستقبلها السياسي من اجل حماية مجموعة افراد.
لكن رغم ذلك تبقى الفرصة موجودة. وبإمكان حكومة السنيورة التخفيف من اعصار ميليس، والتصرف بمسؤولية وطنية، والمحافظة على مستقبل العلاقات بين السوريين واللبنانيين، وتجاوز الغضب والرغبة في الانتقام، وحماية البلد من التدمير المعنوي الذي يجري، واعادة الاعتبار للقضاء والجيش والمؤسسة الامنية، واحترام موقع الرئاسة وشرعية النظام، والفصل بين المنصب والشخص، والتعاطي مع الرئيس لحود بطريقة دستورية مسؤولة. وبغير هذا فليس ثمة فرق بين ما جرى في العراق وما يجري في لبنان. فكلاهما يسير نحو المجهول.