جريدة الجرائد

ميشيل كيلو: الحق على الأتراك

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يبدو أننا سنقول من الآن فصاعدا: الحق على الأتراك، بعد أن كنا نقول خلال القرن الماضي: الحق على الطليان.

في الأسبوع الماضي، وبعد أن تكشفت أنباء الاتصال الباكستاني “الإسرائيلي” في اسطنبول، تعالت أصوات إعلامية عربية بالتنديد والشكوى: التنديد بتركيا، التي سمحت بعقد اللقاء على أراضيها، والشكوى من خيانة العالم لنا وتنكره لحقوقنا، ووصول داء التصهين إلى باكستان: الدولة الشقيقة، التي رفضت الاعتراف بالعدو منذ عام 1948.

ثمة هنا حقائق تفوتنا، هي التالية:

أن الإعلان عن قرب قيام علاقات بين باكستان والعدو قديم. فقد تناقلت وكالات الأنباء قبل نيف وخمسة أشهر تصريحات لمشرف وقادة باكستانيين آخرين يعلنون فيها عزمهم على الاعتراف ب “إسرائيل”، لكننا لم نسمع مسؤولا عربيا واحدا قد بادر بركوب طائرته والسفر إلى باكستان، لتبصير حكامها بعواقب فعلتهم أو بالنتائج الوخيمة، التي يمكن أن تترتب عليها، بالنسبة إلى علاقاتهم مع العرب، الذين يستطيعون إنزال عقاب حقيقي وصارم بهم. صمت العرب طيلة نصف عام تقريبا، ثم زعموا أنهم فوجئوا باللقاء بين وزير خارجية باكستان ووزير خارجية العدو في اسطنبول، وبدلا من أن يتصرفوا بعقلانية وفاعلية، سلطوا بعض إعلامهم على حكام الأخيرة، فاتهموهم بالسمسرة، فكأن العرب يكرهون السمسرة، أو كأن ترتيب لقاء بين باكستان والصهاينة ليس غير مجرد سمسرة.

ان بعض العرب عرفوا باللقاء قبل انعقاده، لكنهم لم يفعلوا شيئا لمنعه. وبعض العرب هؤلاء ليسوا من عامة العرب، بل هم من قادتهم، الذين لهم علاقات مميزة مع باكستان، ويفترض أن لهم مصلحة وطنية أكيدة في عدم اعترافها بالصهاينة أو بمجرد اللقاء معهم. من الذي أخبرهم باللقاء؟. إنه مشرف إياه، الذي أعلمهم به بصورة رسمية، وقال: إنهم لم يعترضوا عليه!.

إن مواقف جميع الدول العربية كانت معتدلة جداً تجاه ما حدث، بل إن بعضها لم يتخذ أي موقف، وتجاهل أمر اللقاء كأنه لا يعنيه، بينما نفش وزير خارجية العدو ريشه كالطاووس وشرع يتحدى الدول العربية بأن تفصح عن حقيقة علاقاتها مع بلده، مهدداً هذه الدول بكشف المستور، إن هي فعلت منفردة أو مجتمعة أي شيء لمنع نمو اللقاء الباكستاني “الإسرائيلي” إلى مفاوضات، فاعتراف دبلوماسي كامل. ومن أسف، فإن أحدا لم يرد، إلى هذه اللحظة، على وزير العدو، ولم يقل له أي لسان عربي رسمي ببيان مبين: سد حلقك، أنا أتحداك أن تكشف علاقات كيانك الغاضب معي، وأعلن جهارا نهارا أمام الملأ العربي أنه ليست هناك علاقات من أي نوع كان بيننا وبينكم، أيها الغاصبون المحتلون الأوباش!. من جهتي، لا أجد في نفسي الشجاعة على الصراخ في وجه الصهيوني اللعين: أنت كاذب، خشية أن يكذبني هو أو أحد أصحابه العرب، من الذين يشتمونه في النهار ويعانقونه في الليل.

هل ستعترف باكستان ب “إسرائيل”. بصراحة: أنا أصدق رواية العدو، التي تقول: لقد اعترفت وانتهى الأمر، وإن لم تبعث بعد بممثلين دبلوماسيين إلى تل أبيب. ولا أصدق الرواية الباكستانية، التي لا أعرف لماذا تكذب، مع أنه لم يصدر عن العرب ما يدل على استياء أو تذمر أو ضيق أو حتى تأفف. يبدو أن باكستان كذبت، لأنها لم تكن متأكدة من أن رد الفعل العربي سيكون رخوا وهلاميا، ولم تصدق إشارات كثيرة كان يجب أن تطمئنها، بينها عدم احتجاج أي جهة عربية ضد إعلانها قبل خمسة أشهر عزمها على إقامة علاقات مع “إسرائيل”. واليوم، وبعد ما جرى، أعتقد أنه لن تمر فترة طويلة قبل أن تعترف بصدق الرواية “الإسرائيلية”، وتؤكد قيام العلاقات بينها وبين تل أبيب، وتبعث بممثليها إليها. بالمناسبة، يبدو أن باكستان لم تفهم معنى أن تكون لعدد كبير من الدول العربية أشكال مختلفة من العلاقات مع “إسرائيل”، ولو فهمت، لكانت أعلنت بفظاظة أنها ستعترف بها اقتداء بالعرب، لا نكاية بهم، كما يظن بعض السذج وغير المطلعين منهم.

الخلاصة: لم تحدث أزمة، وتلاشى اللغط خلال سويعات قليلة، وعاد الوضع العربي إلى هموده، واطمأن مواطننا مرة أخرى إلى أن شيئا على وجه البسيطة لا يستطيع هز الضمير الرسمي العربي، المنشغل بمسائل أهم بكثير من فلسطين و”إسرائيل”، تتصل بالكرسي ومفاتيحها، التي يعرف كل مواطن عربي في يد من هي!. في ضوء هذه الاعتبارات، من حق العالم أن يحسدنا على السرعة القياسية، التي تجاوزنا بها المشكلة، ومن حق قادتنا علينا شكرهم على تجنيبنا بهدلة أكبر من بهدلة الاعتراف بالعدو، كان يمكن أن تترتب على قيامنا باحتجاجات لا نفع فيها ولا جدوى ضد اللقاء اللعين، لأنها كانت ستنتهي حتما إلى فشل عربي جديد ونجاح “إسرائيلي” جديد، وستذكرنا بأن وزننا في حلبات العالم صار أقل بكثير من وزن الريشة، الذي يحول بيننا وبين منازلة أحد، ويجعل من غير اللائق بنا تحدي أحداً، ولا يترك لنا من خيار غير الصمت، الذي أدمناه، لإيماننا بأن السكوت من ذهب، كما قال أجدادنا الحكماء.

إن للسرعة،التي انتهت بها المشكلة، دلالة مستقبلية لا يجوز إغفالها: لن يكون هناك، من الآن فصاعدا، أي نوع من أنواع رد الفعل العربي ضد أي شيء يتصل بالعدو، وكيف يكون هناك رد فعل من قبلنا، إذا كنا نحن من سيقيم في القادم القريب من الأيام علاقات دبلوماسية مع من كنا نسميه “العدو”.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف