خيري منصور: بالفرنسي الفصيح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 17. 09. 2005
كانت فرنسا في مطلع القرن الماضي وبالتحديد عام 1904 مربط خيل القوميين العرب الذين عقدوا مؤتمرهم في باريس، لكن فرنسا في العام نفسه اقتسمت على مائدة مستديرة أجزاء من الوطن العربي، وكان ذلك الاقتسام أقرب الى المقايضة، وقد يتطلب رصد علاقة فرنسا بالعرب والتحولات التي طرأت عليها في الحقبة الديغولية، ملفاً بالغ التعقيد، لكن ما يستوقفنا اليوم لاستذكار تلك العلاقة، هو الزيارة التي قام بها شارون الى باريس، وما قيل عن لقاءاته بمسؤولين عن اللوبي اليهودي في فرنسا، حيث لم يتردد شارون في إعادة طرح سؤال الهجرة أمام اليهود هناك، رغم ما يشعر به الفرنسيون من ضيق وتبرم كلما طرح هذا السؤال.
وانتهت تلك الزيارة الى استنكار عربي واسع، بعد أن أحس العرب بأن الجنرال عاد غانماً وليس خالي الوفاض، بالرغم من أن الرئيس الفرنسي شيراك تعرض لحصار وتحرش من سلطات الاحتلال أثناء زيارته لفلسطين قبل أعوام، وما أشيع أوروبياً عن زيارة شارون لباريس هو رغبة فرنسا في إذابة الجليد الذي تراكم على الطريق بين تل أبيب والعاصمة الفرنسية.
واليوم، تتهيأ السلطة الوطنية الفلسطينية لاستقبال وزير خارجية فرنسا “دوست بلازي” وهو أول زائر أوروبي بعد أن كان المفوض الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا هو المرشح لتلك الزيارة بعد الانسحاب من غزة.
والسؤال الذي يقفز الى المشهد الآن، هو هل أرادت فرنسا تحقيق توازن في علاقاتها المزدوجة مع الدولة العبرية والعالم العربي! أم أنها لا تزال تبحث عن فرصة أو دور في السلام المتعثر؟
لقد حاولت فرنسا مراراً أن تعثر على هذا الدور، لكن الولايات المتحدة غالباً ما كانت تحجّم أدوار الآخرين وبالتحديد فرنسا. ففي حرب الخليج الثالثة كان لفرنسا موقف شاجب للحرب، لكنها سرعان ما تأقلمت مع المناخ الدولي الذي شحنته واشنطن ضد العراق. وبات من المعروف أن ما تبدأ به باريس من راديكالية ينتهي الى مرونة ودبلوماسية رخوة كي لا نقول ناعمة، والمسألة أولاً وأخيراً تحكمها موازين القوى، والدور الذي ترقبه العالم من أوروبا القادمة في نهايات القرن العشرين ومطالع القرن الجديد أصيب بعدة انتكاسات، لهذا لم يتردد الجنرال رامسفيلد في وصف أوروبا بأنها “القارة العجوز”، وكأنه يرد على تلك التوقعات من قدومها كقوة أو كقطب جديد بعد أن حسمت الحرب الباردة القطب السوفييتي وأحالته على التقاعد!
زيارة وزير خارجية فرنسا للأراضي الفلسطينية لا تحمل الكثير من الوعود، أو حتى المواقف إذا لم يتشبث الوزير بما طرحه في باريس عشية الانسحاب من غزة، فقد قال إن هذا الانسحاب لا معنى له إذا عزل عن خارطة الطريق وأضاف، أن الانسحاب القادم من الضفة الغربية هو ما سيعطي لخطوة الانسحاب من غزة معناها وجدواها، وصدقيتها السياسية.
ومن الواضح أن الدبلوماسية الفرنسية التي تفقد أحياناً مرونتها ومهارتها التقليدية، تستقرىء المزاج السياسي الأمريكي جيداً، ونادراً ما تحافظ على صلابة موقفها منه.
فالوزير الفرنسي حدد موقفه من الدراما النووية الايرانية التي أصبحت شبيهة بإحدى حكايات جُحا مع تيمورلنك، وقال كلاماً ترضى عنه واشنطن جملة وتفصيلاً، فهل سيستمر الوزير الفرنسي على موقفه من الانسحاب من الضفة الغربية كشرط لاستكمال السلام على الأقل حسب التعريف الأوروبي له؟
إن عالمنا الملغوم بمفاجآت تقلب الموائد بين ليلة وضحاها، وتعيد ترتيب الأجندات والأولويات لا يقدم أية ضمانة لبقاء موقف ما على حاله لأسبوع واحد. والمثل الفرنسي القائل، ما ليس فرنسياً ليس فصيحاً وليس واضحاً، تبدل بمرور الأيام.