صدام وخدام ونجاد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء:03. 01. 2006
جميل الذيابي
في الوقت الذي تشتعل فيه الممرات السياسية السورية وحزب البعث الحاكم، بعد تصريحات نائب الرئيس عبدالحليم خدام، التي أدلى بها لقناة "العربية"، واتهاماته لبعض الدوائر السورية بالفساد، أفصح الرئيس الإيراني المتشدد احمدي نجاد يوم الأحد الماضي، عن قائمة ممتلكاته التي وصفت بأنها "متواضعة". واللافت ان من بين تلك الممتلكات سيارة تعود إلى ثلاثين عاماً، أي منذ قيام الثورة الإيرانية ضد حكم الشاه، (وهو ما يبرهن على مدى تعلق وإيمان نجاد بالثورة الخمينية) ومنزلاً قديماً بني قبل أربعين سنة، مساحته 170 متراً مربعاً، ويقع في حي شعبي (شرق طهران)، وحسابين مصرفيين، احدهما فارغ والآخر يصل إليه راتبه كأستاذ جامعي، وسيارة بيضاء من طراز "بيجو 504 " تعود إلى سنة 1977.
وفي المقابل، ترددت اشاعات سورية عن ممتلكات أسرة عبدالحليم خدام، الذي انشق عن "الحلقة الضيقة" للرئيس بشار الأسد، ومصادرة قصره المسمى "البيت الأبيض"، وحوالى 500 سيارة كانت في "خدمته وخدمة حاشيته".
والرئيس العراقي السابق صدام حسين، خلف وراءه القصور والجسور المعلقة داخل المزارع والمنتجعات الخاصة به.
ونجاد مبشر ديني وليس قائداً سياسياً، ويظهر ذلك جلياً بعد تصريحات له نشرتها الصحافة بعد توليه الرئاسة الإيرانية، ومنها قوله: "إن ثورة إسلامية جديدة حصلت بفضل دماء الشهداء، وثورة 1384 (السنة الإيرانية الحالية)، والله سيرفع الظلم من العالم"، لافتاً إلى ان عصر القمع والحكم الاستبدادي والظلم يولي، وموجة الثورة الإسلامية (يقصد بالطبع الثورة في إيران) ستشمل قريباً العالم أجمع، لاعتقاده بأن الفقيه يتمتع بولاية عامة وسلطة مطلقة على شؤون العباد والبلاد، لكونه الوصي على شؤونهم في غيبة الإمام المنتظر.
مقالي يدور حول حجم المفارقة الكبيرة بين ممتلكات وقصور صدام التي تركها خلفه بعد ان سقط من عرشه عنوة، وممتلكات خدام بعد ان أعلن انشقاقه طوعاً، وإفصاح نجاد عن ممتلكاته قانونياً.
ومن المعلوم ان حب المال، أو تملك الأشياء النفيسة والثمينة، ليس فساداً إذا كان بالطرق المشروعة، وليس على حساب غداء وعشاء الشعوب.
ولا توجد دولة في العالم لا يرقص بينها المئات من المسؤولين الذين يحبذون جمع المال بالطرق المشروعة أو غير المشروعة، وهي طبيعة النفس البشرية وحبها دائماً للتملك. وقد جاء المال قبل البنين في القرآن الكريم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا).
ونجاد انتخب تحت شعار "رئيس الشعب من اجل خدمة الشعب"، وجاء ليطبق هذه المقولة، فيما صدام وخدام أتى بهما حزب "البعث" سواء في العراق أو في سورية. وليس هناك قانون طالبهما بتقديم لوائح رسمية بالممتلكات التي تعود لهما. في حين ان إيران تطبق هذا القانون على المرشد الأعلى للجمهورية، ورئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه، وأعضاء الحكومة وأفراد عائلاتهم القريبين، من اجل التحقق من عدم إثرائهم على حساب الوظائف التي يتولونها، اضافة إلى ممتلكات المسؤولين الآخرين، الذين تسلموا مسؤولياتهم بعد وصول نجاد إلى الرئاسة.
وها هي قيادة حزب "البعث" الحاكم في سورية تقرر طرد خدام من الحزب، الذي انتسب إليه في الخمسينات، أي قبل قيام الثورة الخمينية، ويتوقع أن يكون من بين الدعاوى التي تنوي تحريكها ضده غير "الخيانة العظمى" و "إفشاء اسرار الدولة"، موضوع "الفساد"، وهو ما يدعو للضحك، فإذا كان خدام فاسداً إلى هذه الدرجة، فكيف صبرت عليه سورية وحزب البعث كل هذه العقود من الزمن؟
وفي الشأن السياسي، خدام كان سعى الى معارضة "اتفاق فك الاشتباك" بين سورية وإسرائيل عام 1974، وعارض اتفاق الرئيس المصري انور السادات مع اسرائيل، في مقابل لعب دور مهم في تحسين العلاقات مع ايران بعد الثورة الإسلامية، وهذه المعارضة تجمع بين خدام ونجاد، خصوصاً ان الأخير قرر محو اسرائيل من الخريطة الدولية واقترح نقل اليهود إلى البلدان الأوروبية. وكلا الاثنين يلتقيان مع صدام في هذه الشعارات الحزبية والقومية، إلا ان صداماً كان يحبذ لعب الدور البطولي في المعارك ضد الجيران، ومهاجمة اسرائيل في الوسائل الإعلامية، وهو ما لا بد ان تخشاه دول الجوار من نجاد، الذي يقول أقوالاً كبيرة ولم يحرك في الملف الإيراني الداخلي شيئاً. في حين ان خداماً انشق طوعاً وتحدث بألم، ولم يهاجم الرئيس السوري بشار الأسد وحفظ له الود والاحترام، لكنه حذر من "الحلقة الضيقة للنظام" وهو ما يستلزم الانتباه والحذر في هذه الفترة العصيبة على المنطقة برمتها.