جريدة الجرائد

عبدالحليم خدام بين تقصير السلطة وغياب المعارضة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الجمعة:06. 01. 2006


وائل السواح

أسهل طريقة للرد على تصريحات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام لقناة "العربية" التذكير بدوره في قضايا يتناولها الشارع السوري منذ سنوات، وبدأ الحديث عنها الآن في شكل رسمي أو شبه رسمي. بيد أن أسهل الطرق ليس بالضرورة أفضلها. فنحن لسنا أمام رجل صغير كهسام هسام، تمّحي حكايته مع الأيام، ولسنا أمام رجل كان قطعة ديكور في النظام السوري، كما كان ولا يزال كثير من "القياديين" السوريين. نحن، في الحقيقة، أمام رجل ساهم في صياغة السياسة السورية وبنية النظام السياسي على امتداد 35 عاماً.

السبيل الآخر قد لا يكون بالسهولة نفسها، لكنه السبيل الصحيح للتعامل مع الحال الجديدة التي فجرها خدام. وهذا السبيل هو الفصل بين الرجل والخطاب. فعلى صعيد الرجل، يتفق الجميع على أنه كان شريكا كامل المسؤولية والصلاحية خلال أكثر من 30 عاما من حكم حزب البعث في سورية، بيد أن من الإسراف الدخول في هذه التفاصيل وإهمال مضمون الخطاب الذي قدمه في مقابلته المثيرة.

يمكن تقسيم الأفكار التي تناولها خدام في حديثه ثلاثة أجزاء: الوضع الداخلي، الوضع اللبناني وجريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، وملف العلاقات السورية -الأميركية. ومن واجب كل من السلطة السورية والطيف السوري المعارض الإجابة عن النقاط التي أثارها خدام في كل من هذه الأجزاء.

على صعيد الوضع السوري الداخلي لا يمكن تجاهل المسائل الكبيرة التي تناولها حديث نائب الرئيس السابق، اذ ربط بين الجوانب الأساسية للإصلاح، السياسي والاقتصادي والإداري، وقدم رؤية مختلفة ومتكاملة لإصلاح اقتصادي ذي توجه ليبرالي إلى حد ما، مع انفتاح سياسي على الشعب والمعارضة السياسية، وأخيرا إصلاح إداري يقوم على محاربة الفساد وتغيير الهيكلية الإدارية. ومن جهة أخرى، قدم خدام تصورا مختلفا للديموقراطية عن تصور حزب البعث، على رغم كل التطور الذي أجراه الحزب أخيراً، وهو ركز، على الضد من التفسير البعثي، على أن الشعب لا يمكن أنّ يتقدم إذا كان محرما عليه العمل السياسي، وأنّ حصر الفعل السياسي في حزب واحد مناف للديموقراطية. والأهم من هذا وذاك أنّ خدام، وأيضا على خلاف كل المنظرين البعثيين، لم يقسم المعارضة السورية إلى معارضة وطنية وأخرى لاوطنية، ولم يوزع أوسمة بيد وحرمانات كنسية بيد أخرى، كما لم يستثن أحدا من صفوف المعارضة، حتى "الإخوان المسلمين". وهو قدم وثائق تثبت أنه كان في السنوات الثلاث الأخيرة يدعو إلى كل ذلك، منها كتاب ألفه قبل عامين ومحاضرة ألقاها في قطر بعيد ذلك، ومحاضر اجتماعات القيادة.

مرة أخرى، يسهل اتهام السيد خدام وأولاده في ذممهم المالية، لكن هذا جواب قاصر. والسؤال: هل في اتهاماته شيء من الصحة؟

على صعيد الملف اللبناني، يبدو أن خدام كان فعلا ضد التمديد للرئيس اميل لحود، وضد ممارسات المسؤولين السوريين في لبنان، ويبدو أنه شعر بقلق على سلامة الرئيس الحريري، وإن نفى أن يكون فكر مرة واحدة في أن سورية يمكن أن تقتله. من جديد، يمكن التذكير بتاريخ السيد خدام في لبنان، ويمكن إدانته حتى من كلامه حين يقول إنه استدعى الرئيس عمر كرامي وسأله عن رأيه في تكليف حكومة جديدة، ثم فرض عليه توزير الدكتور سمير جعجع. ومن جديد، نقول إن هذا ليس بيت القصيد. بيت القصيد هو مناقشة أفكاره الراهنة عن التمديد والاغتيال والعلاقة بين سورية ولبنان.

على أي حال، تبدو الأمور أكثر وضوحا على صعيد العلاقات السورية - الأميركية، التي يقول عنها نائب الرئيس السابق أنها كانت في أفضل حالاتها في التسعينات بعد الموقف الصحيح الذي اتخذته القيادة السورية حيال غزو العراق للكويت عام 1990، وقرار المشاركة في حرب تحرير الكويت. وكانت النتيجة لقاءات مهمة ومتكافئة وجدية بين الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيسين جورج بوش الأب وبيل كلينتون. مقارنة مع ذلك، لا نحتاج إلى دليل كبير لنرى الفرق بين ذلك وبين تدهور العلاقات الراهنة مع الإدارة الأميركية.

في هذه القضايا الثلاث، لا بد للسلطة السورية من تقديم إجابات واضحة، إذا ما أرادت دحض الخطاب وليس دحض صاحبه. يمكن مثلا نشر محاضر اجتماعات القيادة لتبين أن خدام لا يقول الحقيقة، ويمكنها أيضا أن تبين دوره في عرقلة العملية الإصلاحية لتدحض ادعاءه بأنه كان المبادر إلى الإصلاح وإن الآخرين كانوا يرفضون الاستماع إليه، ويمكن ثالثا أن تثبت أن الأشخاص الذين أشار إليهم من دون أن يسميهم لا يملكون فعلا الثروات التي اتهمهم خدام بحيازتها، أو أن تفتح ملفات الفساد جيعها، ليطمئن المواطن أن خطوة الحكومة ليست مجرد رد فعل سلبي، وإنما فعل مبادر وجدي. أما أن ينحصر الرد الرسمي في جلسة تنديد في مجلس الشعب وقرار من القيادة القومية، التي لم تجتمع منذ دهر، بفصله من عضوية الحزب، وأخيرا قرار الحكومة تحريك ملفات الفساد المتعلقة به، فهذا ليس عاجزا عن إقناع أحد فحسب، بل إنه يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين، يرتد في النهاية على الحكومة نفسها. وأبسط سؤال يمكن أن يسأله المواطن السوري هو: لو كان خدام آثر الصمت، هل كانت ملفات الفساد تحركت؟. هذا المواطن يمكنه، إذا أراد أن يكون فضولياً، أن يسأل أيضا كم من الرموز الفاسدة لا تزال تحتل مناصب مهمة، أو تركت السلطة من دون أن ترفع صوتا بالانتقاد؟

على الضفة الأخرى، ينبغي على المعارضة أن تتخذ موقفا من هذا الحدث الجلل. حتى كتابة هذه السطور، لم تقرر جماعة "إعلان دمشق"، مثلا، موقفا من حديث خدام. أما المواقف الفردية التي أعلنت فكانت ضبابية وغامضة وغير دالة على شيء. وإلا فأي معنى يمكن أن يؤديه تصريح السيد حسن عبد العظيم الناطق الرسمي باسم "التجمع الوطني الديموقراطي"، إذ يقول إن "إعلان دمشق" مفتوح للجميع. هل هي دعوة، مثلا، للسيد خدام للانضمام إلى إعلانه؟

يطرح السادة في "إعلان دمشق" أنفسهم بديلا للنظام، وهذا حقهم من دون أي شك. على أن هذا الحق يفرض عليهم واجبات، أهمها الإجابة عن كل سؤال يفرضه الواقع السوري الجديد. ومن نافل القول أن هذه الإجابات هي غير ردود الفعل العصبية التي تأتي من هذا الطرف أو ذاك، بل- كما ينبغي أن تكون - استقراء للواقع والمستقبل واقتراح حلول للمشاكل وخطط عمل محددة، لا تقف عند حدود الشعارات بل تنتقل إلى حدود الفعل.

إن الوقوف عند حديث خدام كأي حدث عادي خلل سياسي كبير لا يمكن للظروف السورية الراهنة التساهل حياله. فالرجل يطرح نفسه بديلا للنظام القائم، وهو ما حاول السيد رفعت الأسد أن يفعله قبل شهور حين أعلن أنه سيعود إلى سورية لينقذها من وضعها الراهن. لكن الفرق بين الرجلين أن رفعت الأسد لا يصدق هو نفسه ما يقوله عن نفسه منقذا ديموقراطيا، في حين أن خدام رجل متزن وسياسي مخضرم وله رصيد سياسي في أوساط لا بأس بها في الشارع السوري. ويبدو أن ثمة، في الغرب، من يحسب مثل هذه الحسابات. ولا يمكن الفصل بين وجود خدام في باريس وسلوكه مسلك المعارضة والانشقاق. لكن الأهم من ذلك أنه لم يطرح نفسه معارضا لبنية النظام، بل طرح نفـسه محدّثا من داخل هذه البنية.

والمأساة أن السوريين لا يستطيعون تقديم بديل ديموقراطي حقيقي للوضع الراهن؛ وأن المراهنات ينبغي أن تدور حول "الإخوان المسلمين" أو رموز سلطوية من طراز رفعت الأسد وخدام. وتتحمل السلطة المسؤولية الأكبر في هذا الشأن بتغييبها الشارع السوري قسرا عن السياسة والشأن العام. بيد أن المعارضة الديموقراطية تتحمل أيضا قسطا لا بأس به بسبب ضعفها وابتعادها عن الشعب وافتقارها الى برنامج سياسي واضح ومحدد، ما يدفعها دائما الى الاتكاء على برامج الآخرين.


* كاتب سوري.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف