جريدة الجرائد

تنفيس «الانتصار» على لجنة ميليس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت:07. 01. 2006

د. عصام نعمان

عزّ على واشنطن وباريس أن تكسب دمشق جولة التحقيق الأولى في جريمة اغتيال رفيق الحريري، فتحركتا لتمنعا العاصمة السورية من كسب جولة التحقيق الثانية. ذلك ان للفوز تداعيات لن تقف عند حدود لبنان بل ستتجاوزها إلى دول المنطقة.

دمشق كرّست فوزها في الجولة الأولى باستعفاء رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس من مهمته بعد افتضاح شهادتي الشاهدين محمد زهير الصديق، الموقوف في باريس، وهسام طاهر هسام، الطليق في دمشق.

للحؤول دون فوز دمشق، مرةً أخرى، في جولة التحقيق الثانية مع خلف ميليس العتيد، كان لا بد من تنفيس نشوة ldquo;الانتصارrdquo; السورية بإحباط الفريق السوري الحاكم بشخص رئيسه ودفعه بالضغوط المتواصلة إلى تغيير سلوكيته. ذلك ان تغيير سلوكية رأس النظام يؤدي، في رأي المسؤولين الامريكيين، إلى تغيير سلوكية النظام نفسه.

في هذا الاطار يمكن تفسير الغاية من وراء القنبلة الصوتية التي أطلقها في باريس نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام عشية رأس السنة الميلادية الجديدة.

باريس تنكر بطبيعة الحال أي دور لها في هذا السبيل وإن كانت لا تنكر الغاية المتوخاة منه. وقد ذهب بها الانكار إلى حدّ الزعم بأن لا تواصل بينها وبين خدام، وإنها علمت بانتقاله للإقامة فيها من وسائل الإعلام! خدام، من جانبه، أوحى بأن قنبلته من صنع يديه، وان لا صلة له بجهة خارجية، وان غايته خدمة وطنه. أهل النظام ردّوا بسخرية وقسوة على قوله هذا ورموه بتهمة الخيانة العظمى... خيانة الوطن وخيانة الحزب وخيانة النظام.

أياً ما كان الأمر، فإن واشنطن وباريس تستغلان حاليا تحرك خدام لمصلحتهما لبنانيا وإقليميا.

على الصعيد اللبناني، لاحظ أهل القرار في العاصمتين الغربيتين ان فوز دمشق في جولة التحقيق الأولى ضعضع خصومها في بيروت، وحمل فريقا منهم على التنازل لأعداء أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; عن مطلبهما المزمن بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 المتعلق بتجريد ldquo;حزب اللهrdquo; (المقاومة الإسلامية) والمنظمات الفلسطينية من السلاح. هذا التنازل المبكر استثار معارضة فريق آخر ضمن جبهة خصوم دمشق يخشى من ان تؤدي ldquo;انتصاراتهاrdquo; المتلاحقة بعد خروجها المهين من لبنان أواخر ابريل/ نيسان الماضي إلى عودتها إليه عاجلاً أو آجلاً. لذلك رفع هذا الفريق عقيرته بمعارضة التنازل المذكور الذي كان ldquo;حزب اللهrdquo; وrdquo;حركة أملrdquo; قد توصلا إليه مع سعد الدين الحريري، زعيم الجبهة المناوئة لسوريا في لبنان.

باريس وواشنطن التقطتا عودة خصوم سوريا إلى بيت الطاعة القرار 1559 لمعاودة الضغط على دمشق من اجل أن تمتثل هي الأخرى لموجبات القرار المذكور. بل ان واشنطن لاحظت أيضا ان لا سبيل إلى امتثال سوريا لموجبات سياستها في لبنان كما في المنطقة إلاّ بإكراهها على تغيير سلوكية نظامها تجاهها، وأن لا سبيل تاليا إلى ضمان تغيير سلوكية النظام إلاّ بتغيير سلوكية رئيسه. من هنا جرى الايعاز إلى ميليس، قبل أيام معدودة من انتهاء مهمته، بأن يبلّغ دمشق وجوب الاستماع إلى إفادة الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع حول التهديدات التي زعم خدام انهما وجهاها إلى الحريري خلال البحث في مسألة تمديد ولاية الرئيس اميل لحود.

يبدو أن باريس ليست في صدد ممارسة ضغوط لتغيير النظام في دمشق. فقد أكدت بوسائل عدّة أنها تبتغي تغيير سلوكية النظام فحسب من أجل ان يوقف تدخلاته في لبنان وأن يتعاون دونما مواربة مع لجنة التحقيق الدولية. أما واشنطن فإنها وإن كانت توحي ظاهراً بأنها تبتغي تغيير سلوكية النظام السوري للأسباب السالفة الذكر نفسها إلاّ انها لا تكتم تبرمها بالرئيس السوري ولا تخفي رغبتها في تنحّيه كضمانة لتغيير سلوكية النظام.

كان من الطبيعي أن تصل مفاعيل هذه التطورات إلى القاهرة والرياض، وأن تكون لهما مواقف منها. القاهرة بدت كأنها متخوفة من تجديد الضغوط على دمشق على نحوٍ يزيد التوتر بينها وبين واشنطن، وعازمة تالياً على لجم الحملة المتفاقمة. الرياض بدا موقفها ملتبساً. فهي على علاقة جيدة مع خدام وفريقه في داخل النظام السوري وخارجه. كما انها حاضنة لسعد الدين الحريري الذي أخذ في الآونة الأخيرة يصعّد انتقاداته للنظام السوري. ذلك كله حمل الرئيس حسني مبارك على شدّ الرحال إلى جدّة للاجتماع إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز وتنسيق المواقف بينهما. في جدّة تمّ التوافق بين الزعيمين على ضرورة ldquo;تجنيب سوريا أي ضغوط دولية تهدد أمنها واستقرارها، وعلى ضرورة المحافظة على الوئام السوري اللبنانيrdquo;. هذا الكلام الايجابي تجاه سوريا لا يفصح عن حقيقة موقف السعودية من الرئيس الأسد. هل قرر العاهل السعودي مماشاة الولايات المتحدة وفرنسا في ضرورة استماع اللجنة الدولية لإفادة الرئيس السوري أم انه ما زال على موقفه السابق بتجنيب الأسد هذه الخطوة غير الملائمة لمكانته كرمز له حصانته الدستورية والسياسية؟

من الصعب الاجابة عن هذا السؤال قبل معرفة حقائق الموقف الفرنسي من المسألة التي تقرر في جدة أن يبحثها الرئيس المصري مع نظيره الفرنسي في باريس.

لا يتوقف المراقبون عند تصريحات المسؤولين بعد انتهاء مباحثاتهم. فهم لا يكشفون غالباً حقيقة الأمور التي توافقوا عليها أو اختلفوا في شأنها. ثمة مؤشرات أخرى يمكن التقاطها لتحديد حقيقة مواقف الأطراف المعنيين. من هذه المؤشرات ثلاثة بارزة:

* الأول، ما اذا كان خدام سيواصل حملته على رموز النظام السوري في الفضائيات العربية ومضمون هذه الحملة والأغراض التي ترمي إليها.

* الثاني، موقف سعد الدين الحريري من الاتفاق الذي كان توصل إليه مع ممثلي ldquo;حزب اللهrdquo; وrdquo;حركة أملrdquo; في الرياض قبل أسبوعين، وكان أوحى بأنه تراجع عنه، ثم تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري في أثناء اجتماعه به مؤخرا لإيجاد تسوية للمسألة العالقة.

* الثالث، موقف خصوم سوريا في لبنان من الرئيس لحود واستمرار حملة الضغط عليه لتقديم استقالته أو وقف هذه الحملة.

إن استمرار خدام والحريري وخصوم لحود في الحملة على النظام السوري والرئيس اللبناني يعني أن السعودية موافقة ضمنا عليها، غير ان استمرار الحملة لا يعني بالضرورة ان الرياض قررت مجاراة الولايات المتحدة في سياسة تغيير الرئيس الأسد لضمان تغيير سلوكية نظامه.

... والصراع مستمر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف