ليلة واحدة لا تكفي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليلة واحدة لا تكفي
لطيفة بنعلي
جميلة هي القصة التي حكتها سناء العاجي على أعمدة "الصحراء المغربية" بتاريخ 18 ديسمبر الماضي، تحت عنوان (ليلة واحدة تكفي). لمرات عديدة، قرأتها، ولمناسبات عديدة تذكرتها، وكثيرا ما أحسست بمرارة أحزان وأفراح القلب التي لا تتشابهbull;
أتذكر دائما مَن حبيبي، الذي جاء متأخرا قليلا. كنت أبلغ من العمر 28 سنة، ورفضت حينها أن أخضع لكل محاولات الإغراءbull;
الحكاية تعود إلى ربيع 2000، كنت عاطلة عن العمل لفترة طويلة، وارغمت نفسي على تهييء دكتوراه مزعجة. أحضر قليلا للمحاضرات، بعكس تلك الصبيحة المشرقة، حيث دارت المناقشة حول تعدد وتكامل أساليب الاقتراع في بعض المناطق، وفيما كانت صديقتي تصغي باهتمام إلى التدخلات الساخنة لبعض المتدخلين، كنت أرسم، كما هي عادتي، على دفتر "بلوك نوت" نقط علامات الاستفهام، علامات التعجب، والأشجار، والانهار، والخرفان، والاشباح الخbull;bull;bull; وأخيرا، أخذ آخر متدخل الكلمة، ولأن هذا الشخص استحوذ على الحضور، وازداد الاهتمام به، رفعت ولأول مرة عيني، محاولة معرفة ما الذي يميزه؟ كانت كلماته منتقاة بعناية، دقيقة ومركزة، ولعل هذا يعود إلى صوته الأكيد والواثق، ونغمته الهادئة، أو أن لسر الاهتمام يكمن في طريقة الاداء؟ لا أعرف شيئا، كل ما عرفته أنني لم أكن المعجبة الوحيدةbull; أخذت على نفسي أن أراقب من بعيد، في وقت كان فيه حشد من أغلبية نسائية يهتز في نهاية هذا الخطابbull; إنه الرجل الجذاب صاحب النظرة المبتسمة والمتوترة التي يملكها كل الذين نجحوا في حياتهم، جمال، ذكاء، وتفوق، وكلها خلطات غير محتملة وغير عادلةbull;
من مفارقات الحياة، أن التعارفات المشتركة تتظاهر بسرعة، وان أبي من النوع نفسه، مثقف بارز، مزعج وانطوائيbull; لم يكن أحد من الحاضرين ليغفل عن أن عيوننا لم تتوقف عن الكلام، كنت من القلائل الحاضرات ممن لم نسمع بالحديث عن هذا الكاتب، مع أنه معروف، وله صدى خارج الحدودbull; كنت أقرأ قليلا، ولا أهتم بأي شيء، لم تكن لدي أية رغبة في الحياة غير أن أعيش في بحبوبة مع أعز الناس لديbull; لم أكن مهمة، ولا جميلة، ولا طيبة جدا، ولا متملقة. كنت أتلذذ بهذاbull;
كيفما كان الحال، التقيت مع رجل حياتي، فهمت منذ التقت عينانا، ومن أول لمسة، أنني أرغب في أن أكون زوجة له، فقد ظهر لي أنه أكثر ملاءمةbull;
اعتقدت أننا سنتجادل بمرارة وبإسهاب حول كل الإحباطات والتناقضات الاجتماعية وأننا سنتألم كباقي الناس. لم يحدث هذا. نتناول طعامنا مع كثير من الناس من دون أن نعيرهم اهتماماbull; وأثناء الطعام، نتحدث طويلا عن ترهات الحياة، عن غرامياتنا، عن الآخرين. ونحن نحتسي قهوتنا في مكان بعيد عن الأعين خلال الظهيرة، رأسا لرأس، يصاحبنا شغبنا الطفولي والحبور والسعادة، لم تكن سوى عبارته الأخيرة هي التي أفزعتني"ليلة واحدة تكفيني"!
مرت ستة أشهر قرأت فيها كل كتبه، ومقالاته، وتعددت لقاءاتنا، وتقوت عواطفنا وأصبحت أكثر قوة وأكثر تكاملا. كنت عاشقة بشكل لم يحدث من قبل أبدا. وكان هو الآخر كذلك. ومع ذلك، لم ييأس أبدا وراح يجدد باستمرار طلبه "ليلة واحدة تكفيني"! لماذا لا يحترم قناعاتي؟ لماذا لا يتركني؟ كنت اتمنى أن يفعل هذا، حتى يظهر أمام عيني أكثر كرامةbull; لم أشك أبدا في حبهbull; لكن لماذا لا ينطق بهذه الكلمة التي تخيف الرجال - كما النساء - الذين يشعرون بنقص عندما يريدون أن يقوموا بهذه الخطوة؟ الزواج! الزواج!
"أشعر بامتهان، إذ طلبت يد رجل، لا يمكن أن تتجرئي".. هكذا نصحتني صديقتيbull;
أليس من الطبيعي أن نقضي ما تبقى من أيامنا وليالينا مع شخص نحبهbull; عندما يقوم رجل بمسعاه في أول لقاء، يبدو هذا مشبوها، وعندما تطلب المرأة الزواج، يجب الهرب منها فهي تفقد كبرياءهاbull;
احتراما لقناعاتي، لم أعرض عليه لأول مرة الزواج، لكنه بدون شك أحس بهذا بتأثر واقتناعbull;
مر الوقت بسرعة أكثر، الأيام، الاسابيع، وأصبح عاشقي أكثر اهتماما بي، أكثر غيرة، أكثر حبا، وأكثر اهتمام، صار يردد: "ليلة واحدة لا تكفيني".. اريد ليلتين، ثلاثا، أكثر، كما تشتهين"bull;
لم يطلب مني الزواج لكنه اعترف بحبه ليbull; وبأنه لم يحب امرأة أخرى كما يحبني أناbull; تحدث عن الأسفار، عن المشاركة عن الكتب، عن منزله، إقامتنا، الخbull;bull;bull; لكنه، لم يكن يتحدث عن "العلاقة الدائمة" من دون أن يختبر "التفاهم فوق السرير"! كنت منزعجة من تباهيه الثقافي، كانت قناعاتي محافظة بشكل سخيف، وجاءت اللحظة التي يمكن أن أتقدم فيها بطلبي: "إذا كنت تحبني، تزوجني"، قلت له. تباطأ في الاجابة، حرك جسده، تبرم من شجاعتي، وانزعج لسذاجتي التي تريد أن تجمع بين الحب والزواج في هذه الأزمنة المعاصرة، وانتقد على الخصوص فقري الثقافي! وهكذا، لم نعد لبعضنا البعض، وبعد أيام من البعاد والصمت، طلب فترة تفكيرbull;
تركته في يوم خريفي والقلب مجروح لكنه حر. من دون أسى، لكن بكثير من المرارة. وعندما نلتقي اليوم أيضا، أجده لم يفقد شيئا من جاذبيته، ونظرته العاشقة دوماbull;
خمس سنوات فيما بعد، لم يتزوج، وأنا كذلكbull; وسأستمر في الإيمان بأن "كل الليالي لا تكفيني".