جريدة الجرائد

مع احترامي كل الاديان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عيون واذان
جهاد الخازن

في البداية أترجم حرفياً ما قال القس بات روبرتسون عن آرييل شارون وأرض اسرائيل:

سيداتي سادتي، قلت السنة الماضية ان اسرائيل دخلت اخطر مرحلة في تاريخها. وقد زاد الخطر هذه السنة بخسارة شارون. شارون كان شخصاً محبوباً ويحزنني أن أراه هكذا، إلا أن علينا ان ننظر الى التوراة وسفر يوئيل. النبي يوئيل يوضح تماماً ان الرب يعادي من يقسّمون أرضه. الله يعتبر أن هذه الأرض له. اقرأوا التوراة وستجدون انه يقول "هذه أرضي"، ويقول لأي رئيس وزراء اسرائيلي يحاول تقسيم الأرض: "لا، هذه أرضي". كان لي اجتماع رائع مع اسحاق رابين سنة 1974. وهو اغتيل في شكل مفجع، إلا ان ذلك حدث وهو الآن ميت. والآن جاء شارون الذي كان لطيفاً حسن العشرة، وقد صليت معه، إلا انه على وشك الموت. كان يقسّم ارض الله، وأقول الويل لكل رئيس وزراء لإسرائيل يفعل هذا الشيء لإرضاء الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة. الله يقول: هذه الأرض لي. أفضل لكم ان تتركوها وشأنها.

كان القس روبرتسون يتحدث عبر نادي السبعمئة الأسبوع الماضي، فهو تبشيري تلفزيوني، له نفوذ واسع، وأخطر ما فيه قربه من البيت الأبيض حيث الرئيس بوش يمارس الإيمان نفسه، وإن كان الرئيس يتكلم بإيجابية عن الإسلام، وقد أبعد البيت الأبيض نفسه عن كلام روبرتسون وتنصل منه.

ووجدت نفسي في برنامج تلفزيوني مع المطران عطاالله حنا، من الطائفة الأرثوذكسية الفلسطينية، لنناقش كلام هذا القس.

المطران تحدث في السياسة وأنا تحدثت في الدين، وهو قال ان الكنائس المسيحية ترفض كلام روبرتسون ولا تعتبره مسيحياً بل يدير دكاناً يروج للمشروع الصهيوني، ويتجاهل الاحتلال وهمجيته ضد الفلسطينيين.

وقلت ان النبي يوئيل هو من مجموعة انبياء يسمونهم "الأنبياء الأقل اهمية" لهم اسفار في نهاية العهد القديم من الكتاب المقدس مثل عاموس وعويدا وميخا ونحوم وحبقوق وملاخي.

وعدت بعد الحلقة الى نسخة من العهد القديم حققتها الرهبنة اليسوعية في لبنان ونشرتها دار المشرق، ووجدت السفر كله في اربعة فصول، وهناك وحدة موضوع في الفصلين الأولين، وأيضاً في الفصلين الأخيرين.

الرهبنة اليسوعية تقدم شرحاً وافياً موثقاً، وقرأت في الشرح ان النبي يوئيل يقول انه ابن فتوئيل وتاريخه غير محدد، وكلامه يثير تساؤلات، فهو يتحدث عن غزو جراد. هل شهده؟ وهناك حريق وجفاف و"يوم الرب" مع وصف كسوف للشمس او ربما كارثة اجمالية. والكلام كله غير مفهوم، والرب يهدد صور وصيدون، ويقول ان مصر تكون خراباً، وأن أدوم قفر وخراب.

والتهديد لمن يقسّم ارض اسرائيل غير واضح، ومع احترامي كل الأديان، فأنا لا أصدق يوئيل، ولا أعتقد ان الله حدّثه، وإنما هو "مصدر غير موثوق" كما نقول بلغة العصر، ولا يمكن بناء حجة دينية أو سياسية على اساسه.

اهم من ذلك، ان روبرتسون يتحدث عن ارض اسرائيل، ولكن ما هي هذه الأرض وأين هي؟ لم تقم اسرائيل اطلاقاً في كل ارض فلسطين، وهذا بحسب التاريخ الإسرائيلي نفسه، لا كلامي أنا، وبحسب مؤرخين اسرائيليين معاصرين قالوا ان القدس الحالية ليست القدس القديمة.

دولة اسرائيل الوحيدة المعترف بها تاريخياً بدأت نحو سنة ألف قبل الميلاد على يدي النبي داود، وتبعه ابنه سليمان فازدهرت في ايامه، ثم جاء رحبعام بن سليمان، وكان ظالماً فتمرد عليه اسباط الوسط والشمال سنة 933 قبل الميلاد، وانقسمت اسرائيل في دولتين، ثم سقطت بأيدي الدول المجاورة. وهكذا تكون دولة اسرائيل الوحيدة دامت 67 سنة، ولم تصل الى البحر يوماً. وهي قامت باحتلال اراضي الفلسطينيين الوارد ذكرهم في سفر يوئيل.

أوافق المطران عطا الله حنا على ان بات روبرتسون ليس مسيحياً حقيقياً، بل مجرد متطرف ديني لا يفهم الكتاب المقدس. ومرة اخرى ليس هذا موقفاً منفرداً، فالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية وبعض كنائس الطائفة البروتستانتية تعارض احتلال الأراضي الفلسطينية، وتفهم الدين في شكل يختلف كثيراً عن فهم المسيحيين الصهيونيين له.

وهناك موقع على الإنترنت باسم "التحالف المسيحي ضد بات روبرتسون" ينشر اخباراً وتعليقات تفضح هذا القس المتطرف، وقد وجدت متابعة ممتازة لتحريضه على اغتيال هوغو شافيز، رئيس فنزويلا، وذكّره كثيرون بأن المسيحية دين سلام، كما ذكّره غيرهم بأن شافيز انتخب ديموقراطياً، ثم نظم استفتاء عن حكمه بإشراف مؤسسة جيمي كارتر وفاز فيه ايضاً.

وينشر الموقع نصوصاً من كلام روبرتسون لفضح تطرفه، او خروجه على الدين، كما ان هناك قائمة بأصدقائه من زعماء الأنظمة الديكتاتورية حول العالم، خصوصاً في اميركا اللاتينية وأفريقيا.

بكلام آخر، بات روبرتسون يلقى معارضة حادة من جماعات مسيحية قوية، إلا انه يبقى نافذاً لقربه من الرئيس بوش، ولأن المسيحيين التبشيريين، او المتجددين، يشكلون القاعدة الانتخابية للرئيس الأميركي، فهم نحو اربعين مليون اميركي الى ستين مليوناً، وجورج بوش يستمع الى آرائهم ويستقبلهم في البيت الأبيض، مع انه يحترم الدين الإسلامي كثيراً في كل تصريحاته.

ولعل أغرب ما في أمر أمثال روبرتسون انه على رغم الالتزام العضوي بإسرائيل، فإن جماعات يهودية نافذة لا تثق بهم، وقبل ايام حذّرت رابطة مكافحة التشهير باليهود، واللجنة الأميركية اليهودية، واتحاد اليهودية الإصلاحية، من محاولات التبشيريين إلغاء قرار المحكمة العليا فصل الدين عن الدولة، مستغلين صداقتهم مع البيت الأبيض.

وأخيراً، اذا كان الله غضب على أرييل شارون فعلاً وعاقبه، فالسبب حتماً ليس ارض اسرائيل المزعومة، وإنما جرائم شارون على امتداد عمره النجس، فالله لا يغفر لمن يقتل بنات صغيرات وأطفالاً ونساء وشيوخاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف