مجلس التعاون وغياب المشترك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس:12. 01. 2006
د. علي محمد فخرو
عبر السنين تحدّث الكثيرون عن ضرورة قيام نظام قضائي خليجي مشترك ليحكم فيما بين الدول وفيما بين مؤسسات الدول وعلى الأخص الاقتصادية منهاmiddot; لكن مرت السنون دون اكتراث لتنفيذ ذلك بالرغم من وجود خلافات حدودية فيما بين البعض وازدياد الشكاوى التجارية والمؤسساتية بشأن تنفيذ الاتفاقيات الاقتصاديةmiddot;
لكن المشترك يجب ألا يقف عند تلك الحدود المتواضعة، فإذا كان الاتحاد الأوروبي، والذي لا يتحدث نظامه عن وصول دوله إلى الوحدة الكاملة كما يفعل النظام الأساسي لمجلس التعاون، قد أقام مؤسسات بحثية مشتركة عديدة وأقام مؤسسات تنظيمية مشتركة في العديد من الحقول، مثل المواصلات وأمور الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، فإن مجلس التعاون يرتكب خطأً فادحاً بإهمال قيام مؤسسات مشتركة تابعة للأمانة العامة أو لمجالس خليجية إشرافيةmiddot; فهل يُعقل أنه بعد خمس وعشرين سنة لم تقم مؤسسة بحثية مشتركة في حقول الطاقة في منطقة تعيش من عائدات بيع أحد أهم مصادر الطاقة في العالم؟ هل يعقل أن علوم وتكنولوجيا الطاقة تتطور وتتقدّم في بلدان أخرى لا تملك مخزوناً لأية طاقة كانت، بينما نقف نحن متفرجين ومكتفين باستنزاف وبيع مخزون الطاقة من تحت أرضنا؟ ثم ألا نقلق على مستقبل كل ما نبنيه اليوم عندما تنتهي الطاقة عندنا ودون أن نبني قاعدة علمية- تكنولوجية بشرية لطاقة بديلة قادرة على دعم استمرارية التنمية في هذه المنطقة بعد انتهاء حقبة البترول الحالية؟ وبالطبع ومن ضمن هذه البدائل هناك حاجة لجهد مشترك في أبحاث الطاقة والاستعمالات الذريّةmiddot; فهذا الحقل قد تطوّر كثيراً وأصبح أحد خيارات المستقبل في الكثير من البلاد، فلم نقف أمامه طائعين خاضعين للتوجيهات الأميركية؟ وماذا عن الطاقة الشمسية والهيدروجينية التي قد تكون خيار المستقبل في العالم؟ فهل تستطيع أية دولة خليجية أن تقوم بذلك لوحدها؟ الجواب هو حتماً بالنفيmiddot; وفي بلاد صحراوية جافة قليلة المياه والتربة الزراعية، ألا يكون هناك محل لقيام مؤسسات بحثية وتنظيمية مشتركة لمواجهة هذه الإشكالية التي قد تتفجر مستقبلا، والأمر نفسه ينطبق على الحاجة لمؤسسات مشتركة في حقول المعلومات والتواصل والفضاء والبحار والبيوتكنولوجيا وفي حقول الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتغيّر بسرعة مذهلة!
إن ذلك سيعني تخصيص نسبة معينة من دخل دول مجلس التعاون للقيام بمثل هذه النشاطات المشتركة، وهذا هو مربط الفرس الذي تهرب منه حكوماتناmiddot; فكما هو الحال مع مؤسساتنا العربية القومية، يراد أن تكون حصص الدول عبارة عن فتات لا يكفي بالكاد إلا لبضعة موظفين ولعدد محدود من الاجتماعات، بينما المنطق الوحدوي أو التضامني يفرض أن تكون ميزانية مؤسسات مجلس التعاون بعشرات الملايين من الدولارات لتقيم مؤسسات كثيرة في فلك مجلس التعاون لتدفعه دفعاً مستمراً نحو الالتحـــام والتوحيد والتطــــور والقـــدرة علـــى مواجهـــة تعقيدات الحاضـــر وعلـــى الإعــداد للمستقبلmiddot;
إن إشكالية المشترك وإشكالية تخصيص المبالغ اللازمة لجعل هذا المجلس أكثر من أمانة عامة ومن اجتماع لجان، هي في صلب آلية المجلس التي تحدثنا عنها سابقاًmiddot; إن الاتحاد الأوروبي لا يعيش ويتقدم من خلال تنسيق السياسات والأنشطة فقط، بل يفعل ذلك أيضاً وبشكل يؤكد إرادة الاندماج من خلال ميزانية للاتحاد تصل مليارات اليورو وتتعاظم سنة بعد أخرىmiddot; إن مهزلة التعامل البليد البخيل، في سائر بلاد العرب، وفي الخليج أيضاً، مع المؤسسات التي تهدف إلى توحيد جهود ونشاطات أقطار الوطن كله أو بعض أقاليمه، تحتاج أن تتوقفmiddot; فإذا كانت الدول العربية أو الخليجية تريد أن تبني دون مقابل مادي ومعنوي فإنها تمارس أحلام اليقظة التي يجب أن تستفيق منهاmiddot;