جريدة الجرائد

حرب غير وشيكة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت:14. 01. 2006

عبدالوهاب بدرخان

أصبحت المشكلة الايرانية أكثر تعقيداً، كما كانت المشكلة العراقية أيام صدام حسين. في الحالين بدت الولايات المتحدة وتبدو كأن عقلها أقفل على جملة أفكار ثابتة تنتمي الى تحجر ايديولوجي أكثر منها الى مرونة براغماتية.

رأينا في الحال العراقية كيف ان واشنطن لم تجد حلاً سوى الحرب والغزو والاحتلال ثم الغرق في التعقيدات الداخلية. وإذا بقي نهجها على ما هو عليه بالنسبة الى ايران فإنها لن تجد "حلاً" مختلفاً، خصوصاً ان لديها منطلقات مشابهة في مقاربة ايران، إذ ان واشنطن تكره النظام الايراني ولديها حياله مشاعر ثأرية وتضعه في خانة الارهاب، ثم اضافت اليه الآن الملف النووي.

وإذ تمنى الرئيس جورج بوش على الاميركيين ان يكونوا "منصفين" في حكمهم على حربه العراقية، فإنه دعاهم تحديداً الى عدم اتهامه بـ "الكذب"، والى عدم القول إن الحرب شنت "من أجل النفط" أو "من أجل اسرائيل". لكن جمهوره الاميركي لم يعتد على ادارات تشن حروباً من أجل اقامة أنظمة ديموقراطية، ولم يعرف في تاريخه مشروعاً على هذا القدر من النبل يكلف بلادهم مئات بلايين الدولارات من دون ان تعرف لهذا المشروع ولا لهذه التكاليف نهاية محددة. هذه المرة لن يضطر بوش للكذب، فالمشروع النووي الايراني موجود، وتتبارى أوروبا وهيئات دولية في التخويف منه كأنها تتحدى الولايات المتحدة وتستحثها على التحرك.

لكن القرار متعذر في ظل الصراع العراقي المستمر. ولا يمكن التفكير في حرب على ايران طالما ان القوات الأميركية وغير الاميركية منتشرة في العراق وفي مياه الخليج. ثم ان عملية اقناع الرأي العام الاميركي تبدو أكثر صعوبة، طالما ان اميركا لم تتعرض لاي اعتداء ايراني واضح، ارهابي أو غير ارهابي.

الى أي حد يمكن الاقناع بخطر المشروع النووي الايراني، والى اي حد يمكن تبرير أي عمل عسكري قد يتطلب ايضاً اللجوء الى سلاح نووي لحسمه، والى أي حد يوافق الاميركيون على حرب "من أجل اسرائيل ايضاً"... هذه اسئلة مطروحة على المخططين الذين سيضطرون بلا شك الى استخدام الكذب، وبعض الحجج جاهزة: ايران على علاقة مع القاعدة، ايران تشكل خطراً على منابع النفط، ايران تهدد استقرار الدول المجاورة، ايران تحضر لهجمات على مصالح أميركية وعلى جنود أميركيين وعلى أهداف داخل اميركا، النظام الايراني استبدادي يضطهد مواطنيه... الى ما هنالك.

السيناريوات ستختلف هذه المرة. لا بد من حدوث تطور "خارج عن إرادة" الولايات المتحدة، التي ستجد نفسها كالعادة مضطرة للتدخل. ليس عند إسرائيل أي مانع من افتعال أي مواجهة، أو حتى من القيام بهجوم واسع. فهذه عندها ايضاً خطط جاهزة، وتنتظر أن تغض واشنطن النظر، شرط أن تكون مستعدة للدخول على الخط فوراً، لكن ليس الآن، ليس في القريب العاجل. لا بد من تقويم دقيق لأوضاع الجيش الأميركي في العراق وفي المنطقة. والأفضل انتظار ان يأتي الخطأ من الجانب الإيراني، إما تلقائياً أو بالاستفزاز. هذه الحرب تحتاج الى انضاج، وغير مسموح فيها الوقوع في مستنقع آخر بعد انتهاء الحرب. لا شك ان تورط أوروبا فيها، منذ الآن، أمر مفيد وايجابي. هناك ما يبدو كأنه اجماع عالمي يحتاج الى تطوير وتفعيل، لكن على نار هادئة.

لذلك يبرز الاصرار على"الحل الديبلوماسي"، ولذلك تبقى اللهجة الأميركية ضمن المعقول اللفظي. إذا كان لا بد من الذهاب الى مجلس الأمن فليكن، لكنه لا يعني تلقائياً فرضاً للعقوبات. بل ان هناك شبه انزعاج أميركي من إيران لأنها "تتعمد" التصعيد، إلا أن كوندوليزا رايس تؤكد أن الولايات المتحدة ترغب في حل ديبلوماسي سلمي، شاكية من أن الاستفزازات الإيرانية تنسف أسس المفاوضات.

في المقابل، لا تبدو طهران معنية بأي تفاوض يمنعها من المضي في تخصيب اليورانيوم. والبيان الأوروبي اتهمها بأنها فشلت في "الاقناع بالطبيعة السلمية لبرنامجها النووي". طبعاً لم يطلب من إسرائيل مثل هذا الاقناع بشأن برنامجها لأن طبيعته غير السلمية محسومة، والأسوأ أنها مقبولة أميركياً وأوروبياً. الأرجح أن إيران لم تعد مهتمة بالدفاع عن الاستخدام السلمي لبرنامجها، فمطلبها الآن هو الحصول على اعتراف دولي بحقها في أن تكون دولة نووية، ولعلها مستعدة لاعطاء كل "ضمان" يطلب منها لقاء ذلك. هذا هو التحدي القائم حالياً، وهذه هي الفرصة السانحة لإيران للنجاح في مسعاها أو الفشل.

من شأن الأوروبيين، إذا كانوا يريدون فعلاً حلاً سلمياً، أن يبحثوا بعناية عن أسباب فشل المفاوضات السابقة. والأهم أن الأميركيين والأوروبيين معنيون بضبط إسرائيل التي تتمتع بكل الصفات السيئة التي تنسب الى إيران، لأن الإسرائيليين مهووسون بفكرة الحرب الشاملة "الأخيرة"، ولن يتوانوا عن افتعال تفجيرها غير عابئين بانعكاساتها طالما أنهم يضمنون منذ الآن تورطاً أميركياً فيها مهما بلغ الثمن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف