الأزمة اللبنانية بين اللبننة والتعريب والتدويل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء:17. 01. 2006
خليل أحمد خليل
في عزِّ الأزمة اللبنانية، تكاد السياسة تفقد معناها كلما تحولت أحداث لبنان وانعكاساتها الى فتنة أشد من القتل أو الاغتيال، أو الهَرج، بين بلدين عربيين شقيقين كانا قبل عام يتباهيان باستقرارهما وممانعتهما ومقاومتهما للاحتلال ldquo;الاسرائيليrdquo; وخلفياته. فهل تحوَّل ldquo;الاغتيال السياسيrdquo; الى مسار ثالث، لا هدف له سوى إحداث فتنة مركبة، بين بيروت ودمشق من جهة، وبين مكونات الكيان السياسي اللبناني نفسه من جهة ثانية؟
لا شك ان العروبة تواجه محنة ثالثة، فضلاً عن المحنتين الفلسطينية والعراقية، هذا اذا اعتبرنا ان المحنة السودانية، مثلاً، في طريق التهدئة والبلسمة. وأن التسابق المتسارع بين ثلاثة مسارات لتشكيل مداخل الى حل أو تصعيد أزمة العروبة، بدءاً من لبنان، لا يسمح حتى الآن بتوقع أفق مختلف لصراع دولي ldquo;الاسرائيليrdquo; ضمنه، على لبنان وسوريا. ومع ذلك، لا مفر من استجلاء الامكانات المتاحة لبلوغ ldquo;تسويةrdquo;، فحروب ldquo;التسوياتrdquo; لما تنته في المنطقة، وحروب ldquo;الآخرينrdquo; ما برحت تترجم السياسة الدولية الى جحيمات تحرق الشعوب من أفغانستان الى العراق وفلسطين، وترشح شعوباً أخرى لمحارق جديدة.
من هذه الشعوب، لبنان وسوريا، حيث ترتسم جملة حقائق، لا ldquo;حقيقةrdquo; وحيدة عنوانها الحصري ldquo;الاغتيال السياسيrdquo; الذي تستفيد منه ldquo;اسرائيلrdquo; وتتهم به سوريا.
* الحقيقة الأولى: هي ان لبنان وسوريا هما المنطقة العربية الأخيرة، المجاورة لrdquo;اسرائيلrdquo;، والممانعة لاحتلالاتها، المنطقة المعروفة صراعياً باسم ldquo;الجبهة الشماليةrdquo;، والمستهدفة منذ ما بعد حرب 1973 من قبل ldquo;اسرائيلrdquo; التي طردت من لبنان بقوة التعريب المقاوم، لا بقوة التدويل المؤاتي للدولة العبرية.
* الحقيقة الثانية: هي ان الاحتلال ldquo;الاسرائيليrdquo; وما تبعه من ldquo;تدويلrdquo; عام ،1983 قد باء بالفشل في 15/5/،2000 بعدما قدم المقاومون اللبنانيون والعرب آلاف الشهداء على أرض لبنان، بينما تلازمت اللبننة والتعريب في الممانعة وفي التنسيق الدولي، فجاء اتفاق الطائف لبنانياً سورياً عربياً دولياً.
* الحقيقة الثالثة: ان استقرار دولة لبنان ldquo;الآمنةrdquo; كان نتيجة عدة عوامل:
سلوك المقاومة على أرضه كقوة دفاع وطني، لا كrdquo;ميليشياrdquo; ولا كrdquo;حركة إرهابيةrdquo; كما هو التعبير في المصطلح السياسي ldquo;الاسرائيليrdquo;، المستعمل للتدليل على مقاومة الاحتلال، خلافاً لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعوب المحتلة في مقاومة محتليها والمعتمد بعد أحداث 11/9/،2001 خطاً، من قبل بعض ldquo;الشرعية الدوليةrdquo;.
استقرار النظام في الجمهورية العربية السورية، المهددة الآن وغداً بأن تحول من الخارج الى عراق ثان، أو فلسطين ثانية، انطلاقاً من بيروت، واستناداً الى ldquo;المقترحrdquo; ldquo;الاسرائيليrdquo; الأمريكي الذي يحذر من ldquo;الاغتيال السياسيrdquo; ثم لا يُفعل ldquo;شيء أمنيrdquo; لدرء الخطر، فيقع الاغتيال هذا أو ذاك المتهمة به دمشق سلفاً وكأن ldquo;اسرائيلrdquo; وسواها من مخابرات العولمة، لم تعد موجودة على أرض لبنان ثم يصار البحث الملتوي عن ldquo;حقيقةrdquo; خادعة، فيما الحقائق الكبرى مموهة.
التعاون اللبناني السوري على الصعيدين السياسي والأمني وفر للدولة اللبنانية جهازاً أمنياً فعالاً منذ اتفاق الطائف حتى العام 2004. وللمناسبة لا نرى في علم السياسة تصنيفاً ما لما طرح في لبنان: ldquo;الدولة الأمنيةrdquo;، اذ الأمن هو المهمة الأولى لكل دولة مستقلة وذات سيادة، والمعروف لدينا علمياً هو ldquo;دولة القوةrdquo;، وهذا ما اتصفت به الدولة اللبنانية قبل ،2005 عندما تلازمت اللبنانية والتعريب في نطاق الشرعية الدولية، لا ldquo;التدويلrdquo; الذي يجري الاغتيال السياسي في لبنان لفرضه.
* الحقيقة الرابعة: ان الزعزعة الراهنة للعلاقات اللبنانية السورية هي نتيجة التوظيف السياسي الخارجي والمحلي لمخطط الاغتيالات السياسية، باختراقات أمنية، مدبرة طبعاً، وهادفة حكما. إن الحقيقة الوحيدة لهذه الاغتيالات لا نجدها في الحوادث المطموسة قصداً لتبرئة ldquo;اسرائيلrdquo; كطرف اساسي في الصراع على لبنان وسوريا بل نجدها في مسارات التوظيفات السياسية لهذه الجرائم ضد الإنسان والإنسانية: تفكيك التلاحم اللبناني بين الدولة والمقاومة، تفكيك سلطة القرار الوطني اللبناني وترحيله الى سفراء ldquo;التدويلrdquo;، تفكيك التضامن السوري اللبناني، عزل سوريا لبنانياً وعربياً ودولياً، وأخيراً، اسقاط النظامين اللبناني والسوري في الفخ ldquo;الاسرائيليrdquo; الذي تنصبه غير جهة دولية، وربما عربية أيضاً.
* الحقيقة الخامسة: ان اللبننة باتت مستحيلة، حالياً، من دون التعريب، وان هذا التعريب مثلث الأطراف (سوري سعودي مصري)، ولا معنى له من دون تفاهم مع سوريا. فكيف ينجح تعريب من دون وقف الاتهام لنظامها السياسي والأمني، انطلاقاً من نظام سياسي هش (أو من تعطيل الحكم) في بلد تحكمه وصايات أجنبية لا تخفي إصرارها على تجريد لبنان من قوته الأمنية ثم المقاومة، ثم من استقوائه بسوريا؟
* الحقيقة السادسة: هي ان التدويل، كما تصوغه اللعبة الفرنسية الأمريكية، لن ينجح حتى بتعريب مبتور يكون على حساب سوريا وشركائها الفعالين في لبنان. فالتهدئة السياسية تبدأ من تسوية خلاقة بين لبنان وسوريا، أولاً، مروراً بتفاهم عربي على استبعاد ldquo;التدويلrdquo; الأمريكي ldquo;الاسرائيليrdquo;، وصولاً الى موقف دولي مساند لحل سياسي للأزمة اللبنانية، وإلا فإن الحرب العربية ldquo;الاسرائيليةrdquo; ستكون على أبواب ldquo;الجبهة الشماليةrdquo;.
إن هذه الحقائق المستفادة من قراءة التجربة اللبنانية السورية هي الأساس في خيار سوريا ولبنان: المواجهة. فهذان البلدان، بعشرين مليون عربي، يعرفان كيف يقلبان لعبة الاغتلال، الممهدة للاحتلال المركب، والمريح لrdquo;اسرائيلrdquo;، الى لعبة استقلال حقيقي عنوانها الدائم: مقاومة كل احتلال، كل تدخل أجنبي في شؤون الثنائي العربي اللبناني السوري، المفتوح على المقاومة الفلسطينية، المطلوب رأسها ايضاً. آن للإعلام اللبناني ان يتوقف عن تخويف اللبنانيين والسوريين، على ايقاع اتهامات وتهديدات ldquo;أمنيةrdquo; ترمي الى إسقاط قرار الصمود والمقاومة في بيروت ودمشق. وآن للسياسيين اللبنانيين ان يدركوا ان الخداعين لا يخدمون أحداً سوى المتآمرين على الجبهة الشمالية اللبنانية السورية، وهم يظنون ان خيار المقاومة قد ldquo;سقطrdquo; وبدأ ldquo;قانون الهزيمةrdquo;. تذكروا ما حدث سنة ،2000 وتأملوا في ما سيحدث اذا بدأت المواجهة الشعبية.