السلطة الفلسطينية في خطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين:23. 01. 2006
عبدالوهاب بدرخان
كان من شأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، غداة انتخابه خلفاً للراحل ياسر عرفات، أن يبادر للدعوة الى ما يشبه مؤتمراً دولياً، أو سمّه ندوة أو لقاء، وتكون "الدول المانحة" مشاركة فيه، بهدف تقويم الوضع الذي آلت السلطة الفلسطينية إليه بفعل الخطة المنهجية التي نفذتها حكومة شارون متعمدة اضعاف تلك السلطة وتدميرها، سواء في قواها الأمنية أو في مؤسساتها المدنية أو في هيبتها داخلياً ومقوماتها المعنوية خارجياً. إذ كان ضرورياً إظهار الحقائق وتسليط الضوء عليها، إن لم يكن تسجيلاً لصفحة تاريخية سوداء فعلى الأقل لإفهام القوى الدولية أنها إزاء سلطة مسلوبة في "أبو غريب" اسرائيلي وتعرضت لأنواع تعذيب شتى، وبالتالي فليس من الانصاف ولا من المنطق مطالبتها باجتراح معجزات لم يفلح فيها إجرام شاؤول موفاز ولا وحشية رئيسه ارييل شارون.
الأنظار موجهة الآن الى الانتخابات، وهي قد تمضي بهدوء وسلام، وقد تشهد مخالفات وانتهاكات، إلا أن المشكلة الجوهرية والخطر الحقيقي يكمنان في الضعف الذي ينتشر في أوصال السلطة. وهو ما جعل "ابو مازن" يبدو في مؤتمره الصحافي قبل أيام مهموماً ونزقاً بل مستغنياً، لأنه يشعر بأن أحداً لا يشاركه المسؤولية التي يتحملها، وبأن أحداً لا يقبل على دعمه ومساعدته، على رغم النقلة النوعية الواضحة التي استطاع أن يجريها سواء في خطاب السلطة أو في أساليب عملها، فضلاً عن الشفافية التي حرص عليها شخصياً وأبدى الأميركيون تقديراً لها في بادئ الأمر ثم راحوا يتراجعون عن الوقوف الى جانبه، من دون أن تكون هناك أسباب أخرى غير "التنسيق" مع الدسائس الاسرائيلية.
قبل الفلسطينيون "ابو مازن" وانتخبوه وهم يعرفون توجهاته، ولم تبخل الفصائل المعارضة في إبداء قدر مهم من التعاون والتحاور والتشاور معه. كان يفترض في الأميركيين والاسرائيليين أن يأخذوا هذه الحال التي شكلها الرئيس الفلسطيني لمساعدته على تطويرها بأسلوبه وعلى طريقته، لكنهم أخفقوا في تطويع شروطهم وتكييفها مع الصفحة الجديدة التي فتحها "ابو مازن" بعد عرفات، وظل معيارهم الوحيد "تفكيك بنية الارهاب" وهو ما كان وسيبقى معياراً غير موضوعي ومتجاهل لحقائق المجتمع الفلسطيني والصراع الذي يخوضه ضد الاحتلال. وفي حين كان عرفات متهماً بـ "دعم الارهاب" وعومل على هذا الأساس، فإن عباس يبدو متهماً بأنه لم ينجح في القضاء على هذا الارهاب، ولذلك أبدت "الدول المانحة" أخيراً فظاظة وإجحافاً في التعامل مع السلطة مما يبقي هذه الأخيرة شبه مفلسة وعاجزة عن تلبية استحقاقات عاجلة وأساسية.
حتى الآن تبدو الادارة الأميركية وحكومة اسرائيل متفاهمتين على عدم تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة على قطاع غزة، مع أنهما تلحان عليها لتفعل، وتعلمان جيداً ما هي حاجاتها لتفعل. والأرجح أن الخطة الشارونية حظّرت الاقدام على مساعدة السلطة قبل الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية من "خطة الفصل" في الضفة الغربية، باعتبار أن هذا "الفصل" هو الذي سيرسم الحدود "النهائية" ويحدد عناصر التسوية (وليس الحل) "النهائية" أيضاً. وعلى رغم ادراك الخبراء الأميركيين للثغرات الهائلة في التسوية الشارونية، إلا أنهم ماضون في تشجيعها، ويرتكبون أخطاء فظيعة من نوع الموافقة على تنفيذها من جانب واحد ومن دون أي تنسيق مع الفلسطينيين، ثم انهم يقدمونها على أنها الحل الذي سيؤدي الى اقامة دولة فلسطينية.
لعل من شأن "ابو مازن" ان يفكر مجدداً في الدعوة الى ما يشبه مؤتمراً دولياً، أو سمّه ندوة أو لقاء، وتكون "الدول المانحة" مشاركة فيه، بهدف تقويم ما يحصل، وللحصول على اجابات واضحة عن اسئلة مثل: أين نحن من تسوية أوسلو وهل لا تزال اسرائيل والولايات المتحدة تلتزمانها؟ ثم أين نحن من "خريطة الطريق" وهل تعتبر هذه الدول ان "خطة الفصل" تتفق مع هذه "الخريطة"؟ وفي مختلف الأحوال كيف تنوي هذه الدول تمكين الدولة الفلسطينية من إبصار النور اذا كانت تعمل جميعاً على إضعاف السلطة الفلسطينية؟ وأخيراً اذا كانت حركة "حماس" مقبلة على الانحراط في العملية السياسية، فهل تدرك "الدول المانحة" التي تتيح لاسرائيل مواصلة حصاراتها وإغلاقاتها وخنقها للاقتصاد وتجاهلها لمكانة السلطة، انها توجه رسالة بالغة السلبية الى المجتمع الفلسطيني، وكيف يمكن عندئذ مكافحة العنف والتطرف؟ بالقوة التي جربها الاسرائيليون أم بالاعتماد على "متطوعين" فلسطينيين يراهنون على حرب أهلية للوصول الى... السلطة؟!