الخدعة الديموغرافية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يسرائيل روزين
(حاخام، من حاخامات مجلس مستوطنات الضفة والقطاع "يشع"، رئيس معهد "تسومت")
مرة أخرى أخرجوا الخدعة الديموغرافية من القارورة. هذه المرة، رئيس الحكومة بالوكالة الذي يبحث عن كيفية ترسيخ خط متقدم له على جبهة الانتخابات، وجد العملة تحت ضوء الكشاف الديموغرافي: "سنوجد خط حدود ديموغرافي واضح"، "باسم الأغلبية اليهودية الديموغرافية لن نسيطر على يهوداه والسامرة وغزة"، وغيرها من التصريحات المشابهة التي "طحنت" في السابق. وهنا يقفز الفتى الصغير وينادي بملء فمه في ضوء ثياب الملك الجديدة: الملك عريان!
لا أعتقد أنني مغفل تماماً فضلاً عن أنني لست أحمق الى هذه الدرجة، وعلى الرغم من ذلك لم أنجح أبداً في أن أفهم كيف يمكن للتنازل عن الاستيطان اليهودي الحالي في أرجاء الضفة وغزة أن يساهم في مجال الميزان الديموغرافي. أنا أدرك جيداً أن السكان غير اليهود في أرجاء الخط الأخضر، عرب الجليل والنقب طبعاً، يضرون بالوضع الديموغرافي ذلك أنهم من مواطني اسرائيل. فهل يفكر رئيس الحكومة بالوكالة بنقل هؤلاء تحديداً؟ هل يقصد تبادل مناطق مع الكيان الفلسطيني، ونقل عرب وادي عارة الى سلطة هذا الكيان مقابل أراضي جنوب جبل الخليل، مثلاً، وفق تصور أفيغدور ليبرمان؟ هل يقصد الضغط على الحكومة المصرية لاستيعاب مئات الآلاف من عرب قطاع غزة، وتوطينهم في أرجاء سيناء؟ لا أعتقد ذلك بتاتاً. وعليه، أرجو منكم أن تشرحوا لي كيف أن إخلاء مستوطنات يهودية من يهوداه والسامرة (الضفة الغربية)، وكيف أن إعادة أراض الى السيادة الفلسطينية ستكون مجدية للديموغرافيا؟ ذلك أن كل ولد يعرف أن الأمر لا يتعلق بمواطني اسرائيل، وهم غير موجودين على كفتي ميزاننا الديموغرافي القومي.
صحيح أنني لست مغفلاً ولا أحمق، وأنا أدرك أن المقصود هو عدم القدرة على السيطرة على سكان معادين، وأنا أعرف أيضاً المزاعم الأخلاقية ضد "الاحتلال"، فكل شيء مذكور ومسجل، لكن ما العلاقة بين كل هذا وبين الديموغرافيا؟ لماذا التلطي وراء كلمة "علمية" وتغليف تصور "ما بعد صهيوني" بها؟
يعجز إدراكي عن معرفة كيف أن تصور "دولتين لشعبين"، على الجانب الغربي من نهر الأردن، سيقلل من كمية السكان الفلسطينيين في هذا المجال. ذلك أننا سنضطر لأن نستفيق من أوهامنا كما حصل فعلاً مع انتصار حماس في الانتخابات، والميزان الديموغرافي في المنطقة سيفاقم أكثر فأكثر بعد تنفيذ انسحابات أخرى في أعقاب استغلال حق العودة (الى الضفة والقطاع) وزيادة معدل الولادات العربية. أضف الى ذلك أن التجربة تعلمنا بأن كل انسحاب اسرائيلي يؤدي فقط الى تراجع قوة جذب الهجرة اى اسرائيل من الشتات، وهذا يشكل معياراً اضافياً لازدياد سوء الميزان الديموغرافي اليهودي في الشرق الأوسط.
أنا أعترف أنه في ظل الظروف الراهنة لا أملك اقتراحاً حاسماً لتحسين الميزان الديموغرافي في المنطقة. فاقتراحات ليبرمان غير قابلة للتطبيق، كذلك الأمر بالنسبة لاقتراحات غاندي القاضية بترحيل عرب المناطق الفلسطينية. من جهة ثانية، طالما لم تقم دولة فلسطينية مستقلة، وبقي الحديث يدور عن سلطة شبه سيادية، تستمر عملية النزوح الطبيعية للسكان الفلسطينيين الى الدول العربية الأخرى. صحيح أن معدل الهجرة الفلسطيني ليس ذي مغزى، لكن الهجرة الاسرائيلية من أرجاء الضفة والقطاع ستؤدي الى مفاقمة الوضع أكثر.
ختام الكلام هو هل يمكن لنا أن نسمع في نهاية المطاف تفسيراً علمياً، سوسيولوجياً، مقنعاً بشأن كيفية إسهام الانسحاب الاسرائيلي لصالح "الشيخ الديموغرافي"، طالما أن الفلسطينيين ليسوا معنيين في التحول الى مواطنين عندنا، وطالما أننا لا نقترح عليهم طبعاً مثل هذا الاقتراح الانتحاري؟ هل أن رئيس الحكومة بالوكالة عريان؟ على ما يبدو، حكم علينا التعايش مع هذا "الشبح" لأيام وسنين طويلة، ونترك للخالق جل وعلا، تسيير العالم في هذه المسألة وفق ما يرتئيه، من دون أن نقوم نحن بإفساد الموضوع. ولكل من نسي، نذكره بالهجرة الكبيرة من رابطة الشعوب (روسيا وبناتها) في سنوات الثمانينات والتسعينات، التي أسكتت صرخات الديموغرافيا آنذاك.
ترجمة: عباس اسماعيل