جريدة الجرائد

«الجماعة السلفية» تراهن على «التائبين» لتنشيط «الخلايا النائمة»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

التنظيم المسلح الجزائري ينقل "دار الحرب" إلى الأراضي الفرنسية بدعم من "القاعدة"
باريس تراهن على تعاون الجزائر وخطط لمحو "الفقر والإقصاء"


الجزائر - محمد المقدم


يرى محللون إن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" قد تعمد إلى تنفيذ اعتداءات إرهابية ضد أهداف فرنسية مستقبلاً، بعد أن حصلت على "تزكية" من تنظيم "القاعدة" الذي أعلن قبول عضوية التنظيم المسلح الجزائري في صفوفه للمرة الأولى منذ تصاعد أعمال العنف في الجزائر مطلع العام 1992.

وإذا كانت السلطات الفرنسية وضعت خططاً أمنية لمواجهة هذه التهديدات منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن ثمة معلومات عن ان "الجماعة السلفية" التي ركزت على تهديداتها على فرنسا، لم تتردد هي الأخرى في زرع خلايا نشطة في مختلف المدن الفرنسية في محاولة للتحضير لاعتداءات استعراضية.

ويقول خبراء في الشأن الأمني إن التطورات الأمنية التي عرفتها فرنسا خلال السنوات الأخيرة أكدت أن التهديدات بتنفيذ اعتداءات إرهابية صادرة بالدرجة الأولى عن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي لها حضور قوي في المشهد الفرنسي، ورجحت أن يكون تنظيم "القاعدة" بصدد التنسيق مع "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بهدف وضع خطط إرهابية على الأرض لضرب المصالح الفرنسية.

وقبل سنة كشفت السلطات الجزائرية عن خطة كان المسلح الجزائري المدعو "بن يمينة" يعتزم تنفيذها. وتشير تقارير الأمن الجزائري والفرنسي الى أن المذكور كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ اعتداءات إرهابية ضد أهداف عدة منها تفجير مطار أورلي الدولي قرب باريس، ومبنى جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية "مديرية أمن الأراضي" (DST). وأفرجت السلطات الجزائرية في شهر آذار (مارس) الماضي عن بن يمينة في إطار تنفيذ أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لكنها عادت واعتقلته بعد أسبوع من ذلك وتحدثت عن "خطأ قضائي" خلال عملية الإفراج عنه وهو امر لم تستسغه الأجهزة الأمنية الفرنسية.

وتقول مراجع على صلة بملف الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، ان السلطات في باريس تتخوف من أن تستغل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" عودة بعض ناشطيها في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلى ذويهم لإعادة تجنيدهم خارج الجزائر ضمن خطط لضرب مصالح أجنبية.

وأعلن وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني أن نحو 300 عنصر مسلح استفادوا خلال الأشهر الستة الماضية من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي مكنتهم من الحصول على عفو ووقف الملاحقات القضائية شرط التعهد بعدم العودة إلى النشاط المسلح مرة أخرى.

لا ضمانات كاملة بعدم رجوع بعض هؤلاء إلى العمل المسلح مرة ثانية، كما تبين إثر مبادرة قانون الوئام المدني في العام 1999، إذ ان بعض "التائبين" من الجماعات المسلحة عادوا للنشاط المسلح لاحقاً على رغم استفادتهم من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطـنية، على ما أعلنته السلطات.

وأفادت صحف فرنسية أخيراً أن الأجهزة الأمنية الفرنسية تخشى أن تعمد "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تشكيل خلايا جديدة تضم المستفيدين من إجراءات المصالحة الوطنية من المفرج عنهم أو "التائبين" الذين قد يغادرون الجزائر نحو الخارج، وإعادة تجنيدهم في فرنسا لتفعيل النشاط المسلح واستهداف المصالح الفرنسية والغربية وخصوصاً أن هؤلاء يستفيدون اليوم من جمع الأموال والتبرعات بحسب التحقيقات الأمنية.


ضرب فرنسا لكسب الدعم

كانت تهديدات "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ضد فرنسا، تكتسي، منذ نهاية التسعينات، بالدرجة الأولى طابعاً سياسياً. ولم تكن هناك أي نيات لنقل العمل المسلح إلى الأراضي الفرنسية على رغم صدور بيانات تحذيرية عدة في السابق.

وباستثناء سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها "الجماعة الإسلامية المسلحة" ضد أهداف محددة في الأراضي الفرنسية بين الأعوام 1994 و1996 خلال فترة قيادة جمال زيتوني المدعو "أبو عبدالرحمان أمين" للجماعة, والتي كان أبرزها خطف طائرة الإيرباص الفرنسية ومحاولة تفجيرها على برج إيفيل في وسط باريس، فإن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" فضلت منذ تأسيسها أواخر عام 1998 الاكتفاء بلهجة التهديد فقط، على اعتبار أن أغلب الجماعات المسلحة في الجزائر تعتقد أن السلطات الفرنسية توفر الدعم للسلطات الجزائرية، وهي المزاعم التي كثيراً ما كذبها صراحة القائد السابق لأركان الجيش الجزائري الفريق محمد العماري.

لكن، ومنذ اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، اهتزت "الجماعة السلفية" مرات عدة على وقع خلافات حول جدوى الانضمام إلى "القاعدة". وفي حين رفض حسان حطاب أمير ومؤسس التنظيم المسلح الانضمام إلى "القاعدة" وفقاً لما أكده في حوار خص به "الحياة" أواخر العام الماضي، فإن قيادات التنظيم المسلح، وعلى رأسها عماري صايفي المدعو "عبد الرزاق البارا" ويكنى أيضاً "أبو حيدرة الأوراسي"، لم تتردد في شهر شباط (فبراير) 2003 في خطف 40 سائحاً أوروبياً ونقلهم إلى خارج الجزائر قبل أن يفرج عنهم بعد دفع فدية بقيمة 6 ملايين أورو سلمت بوساطة مؤسسة خيرية ليبية بطلب من السلطات الألمانية في شمال جمهورية مالي.

وكانت هذه الحادثة الأكثر أهمية في نشاط "الجماعة المسلحة" قبل أن يتم توقيف المجموعة التي وقفت وراءها، في شهر آذار عام 2004 شمال التشاد حيث تم الكشف لأول مرة عن اتصالات هاتفية مباشرة مع أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة". وقد عجلت هذه الحادثة برحيل حسان حطاب الذي اعترض على نقل "المعركة" الى خارج الجزائر، وتم تعيين نبيل صحراوي المدعو "أبو إبراهيم مصطفى" على رأس قيادة التنظيم المسلح وأعلن صحراوي ولاء "الجماعة السلفية" إلى تنظيم "القاعدة" وإلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

ومنذ أواخر العام 2003 تلاحظ السلطات الأمنية في الجزائر وفرنسا تصاعد التهديدات الإرهابية في الأراضي الفرنسية. وقد تم تفكيك الكثير من الشبكات التي كانت تنشط هناك وتبين أن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كانت تعمد إلى إرسال عناصرها إلى لبنان بقصد الحصول على تدريب عسكري بدل نقلهم إلى معاقل "الجماعة السلفية" في الجزائر لتجنب أي شبهة أو شكوك من قبل الجهات الأمنية.


على خطى "القاعدة"

وكشفت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في آخر بيان لها صدر في 14 أيلول الماضي، عن قبول "القاعدة" عضوية عناصر هذا التنظيم فيها، وعبرت الجماعة عن رغبتها في نقل المعركة إلى خارج الجزائر وعدم الاكتفاء في مواجهة السلطات الجزائرية كما كان الأمر في السابق. وذكرت في البيان أن إعلان الولاء جاء "في هذا الوقت العصيب الذي تمالأت فيه قوى الطغيان بأسرها على أمّة الإسلام... وفي هذه الأيّام الكالحة التي أعلن فيها التحالف الصهيوصليبي وعبيده المرتدون حربهم الشاملة على الإسلام وأهله".

وأوردت في البيان الذي أصدرته على موقعها على الإنترنت ووقعه أمير التنظيم المسلح "أبو مصعب عبد الودود" واسمه الحقيقي عبد المالك دردقال، أن قرار الالتحاق بتنظيم "القاعدة" كان "بعد مشورة واستخارة". وأضافت: "قررنا أن نبايع أسامة بن لادن ونعطيه صفقة أيدينا وثمرة قلوبنا، ونواصل جهادنا في الجزائر جنوداً تحت إمرته (...) فلن يجد منا إلا السمع والطاعة ولن يرى منا إلا ما يسره".

ورأت الجماعة أن الانضمام إلى "القاعدة" أملته الحاجة إلى مواجهة "هذه التحالفات الشيطانية فهل يصح في شرع أو عقل أن يبقى المجاهدون متفرقين؟... وهل من السياسة الشرعية أو من الحنكة العسكرية أن تبقى الجهود مبعثرة والجماعات مشتتة و المسلمون شراذم كالأيتام على موائد اللئام؟". وقالت إنها مع توحيد جهود الجماعات الذين عليهم "أن يواجهوا التكتلات بالتكتلات ويتصدوا للأحلاف بالأحلاف ويقابلوا حشد القوة بحشد القوة ويكسروا الوحدة بالوحدة". ورأت أن "الولايات المتحدة الأميركية لا يكسر شوكتها إلا الولايات المتحدة الإسلامية وأمّا التشرذم والتشتت والتفرق فإنه لا يهزم عدواً ولا يسترجع حقاً ولا يردع ظالماً ولا ينصر ديناً ولا يرفع راية".

وأثنت على تنظيم "القاعدة" وقالت: "لما كانت سيرة هؤلاء الاخوة نقية ساطعة لا غبار عليها تدور مع الكتاب والسنّة، وفتاواهم تميل مع الشرع حيث مال وكانت سياساتهم حكيمة راشدة، كما نحسبهم والله حسيبهم، حصل لنا الاطمئنان التام في دينهم وعقيدتهم ومنهجهم وطريقتهم وحصلت لنا الثقة الكاملة في قيادتهم وشيوخهم، وسكنت نفوسنا إليهم".


مذكرة أمنية فرنسية


وقبل أسابيع أوردت تقارير أجهزة الأمن الفرنسية معلومات جديدة تشير إلى تراجع قوة التنظيم السلفي الجزائري لكنها اعترفت بأنه لا يزال يملك القدرة على ضرب المصالح الفرنسية داخل الأراضي الفرنسية وخارجها.

ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قبل أسابيع مذكرة أمنية أعدتها "وحدة التنسيق لمكافحة الإرهاب" كشفت فيها أن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال كانت تواجه صعوبات ميدانية وتمر في مرحلة ضعف"، وأن الشبكات التابعة لها المتواجدة في فرنسا وبعض الدول الأوروبية "ليست على ما يرام" خصوصاً في ظل الحملات والمداهمات. لكن المذكرة تشير إلى "إعادة التنظيم ترتيب قواعده وهياكله خلال السنوات الثلاث الأخيرة في أوروبا".

وإن اعترفت المذكرة بـ "صعوبة تحديد تحركات عناصر هذا التنظيم وخطورتهم"، إلا أنها أشارت إلى "إعادة تنشيط الخلايا النائمة وتفعيل التنسيق مع الخلايا النشطة في العراق وباكستان وأفغانستان انطلاقاً من قواعدها في إيطاليا وألمانيا".

وأشارت الى كشف أجهزة الأمن الفرنسي شبكة كبيرة من المتعاطفين مع "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" تشكلت في فرنسا، وخطورتها تمتد إلى خارج فرنسا وأضافت أن هؤلاء يهددون المصالح الفرنسية في الداخل والخارج، واستندت إلى استهداف وفد من السياح الفرنسيين في النيجر في عام 2006.


باريس ورسالة الظواهري

واعترف الوزير الأول الفرنسي دومينيك دوفيلبان بأن هناك فعلاً "تهديداً إرهابيا" ضد المصالح والأراضي الفرنسية. وقدر أن "الوضع ينذر بالخطورة", مشيراً الى ان "لا يجب التخفيف من الحذر واليقظة". وقال إن ما توفر من معلومات لدى السلطات الفرنسية "يؤكد هذه المخاوف ويجب أن نتحلى بأقصى درجة من اليقظة وأن نكون حذرين كما كنا منذ سنوات". وأضاف: "الوضع يدفع لاتخاذ جميع الإجراءات الوقائية".

وعلى رغم سلسلة التهديدات التي واجهتها فرنسا منذ أحداث 11 ايلول في الولايات المتحدة الأميركية، اعتبر دوفيلبان الرسائل الأخيرة لتنظيم "القاعدة" تعكس الدرجة العالية "لخطورة التهديدات الإرهابية على فرنسا" كما أن نشر البيان "يؤكد تقويمنا لهذه الخطورة على بلدنا ودول أخرى".

من جهتها أكدت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية أن الحكومة "تسعى لمواكبة عمليات مكافحة الإرهاب بسياسة اجتماعية تهدف لاستئصال الأسباب والمحيط الذي يخلق إرهابيين جدداً"، مشيرة إلى "الجهود المبذولة للتخفيف من حدة النزاع في الشرق الأوسط".

أما وزير الداخلية نيكولا ساركوزي فعلق على تهدديدات "القاعدة" قائلاً: "أخذنا الموضوع بجدية على رغم اعتبارنا الخطر الإرهابي منذ مدة بأنه دائم وقائم وسيشهد تصعيداً وكنا ندرك منذ مدة أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خليفة الجماعة الإسلامية المسلحة ستلتحق بتنظيم القاعدة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف