جريدة الجرائد

أُكل الأبيض يوم سَلَخَ الأحمر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 2006.10.3


أحمد أميري

لو كان قائل العبارة الشهيرة "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" يعرف أن بعض الكتّاب العرب وكل السّاسة الإيرانيين الذين صاروا عرباً أكثر من العرب في قضايا منتقاة بذكاء، سيتخذون عبارته العبقرية لافتة ليضحكوا بها على الناس، لَمَا قالها أو على الأقل لقال: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض وكنتُ قد سَلَخْتُ جلده".
بعد احتلال العراق حذّر هؤلاء مراراً وتكراراً بأننا إذا لم نتحرك لإفشال المخططات الأميركية، فإنه سيأتي علينا يوم نردّد فيه "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". والصورة هكذا مبعثرة الأجزاء، تُظهر شيئاً وتُخفي أشياء، فصحيح أنه بعد احتلال العراق، قد تفتح شهية الولايات المتحدة لاحتلال دول أخرى، وهذا مجرّد فرضية، لكن هل أجبر أحدٌ نظام صدام للاندفاع نحو الكويت سنة 1990 واحتلاله؟ في ذلك اليوم انشقّ الصفّ العربي وإلى ما شاء الله، وصار سهلاً بعدها الاستفراد بالواحد تلو الآخر.
ومؤخراً ُضربت لبنان وقد تُضرب سوريا في أي لحظة، وعاد بعض العرب، وكل الإيرانيين الرسميين، إلى عبارتهم المحبّبة: إذا لم نقف الآن مع "حزب الله" وسوريا، فإنه سيأتي علينا يوم نقول فيه "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". لكن لِم تدخلت سوريا في شؤون لبنان وأحكمت سيطرتها عليه، فكرهها أكثر سُنة لبنان ومسيحييها ودروزها وبعض شيعتها، ولولا التحالف الإيراني- السوري، لكان موقف كل شيعة لبنان من التدخل السوري في شؤونهم مطابقا لموقف باقي اللبنانيين؟ ثم اغتيل رفيق الحريري، واتهم فريق كبير من اللبنانيين سوريا بالعملية، ورغم أن هذا الاتهام لم يثبت بعد، فقد كان لبنان بنظامه ومؤسساته وشعبه، تحت الحماية السورية، ومن ثم سوريا كانت مسؤولة عن حماية لبنان، مثلما يلقي العرب اللوم على أميركا في كل ما يجري في العراق، لأن الولايات المتحدة التي تحتل هذا البلد وهي مسؤولة عما يجري فيه.
وغداً إذا أتى الدور على "ثور أبيض" آخر، إيران هذه المرة، سيقول بعض العرب: إن لم نقف اليوم مع "الثور الأبيض"، فسيأتي علينا يوم نردّد فيه "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". لكن لِم أصرّت إيران على استمرار الحرب مع جارتها العراق، سنتين بتهوّر صدام، وستّ بعناد الخميني، فأضعفت جيشها وخرّبت اقتصادها وأفقدتها الكثير من المتعاطفين؟ ولِم تُصرُّ إيران على تكريس احتلالها لجزر الإمارات الثلاث؟ ولِم بقيت متأهبة طوال ثلاثين سنة وإلى يومنا هذا، لتوسيع دائرة نفوذها، مرةً بتصدير ثورتها، ومرةً بالتدخل في شؤون الآخرين ما يجعل تأهّب الأسد لأكل إيران غير مهم للعقلاء.
وبالنسبة للكتّاب العرب والساسة الإيرانيين الذين لم يملّوا من ترديد تلك المقولة- ولا أظنهم سيملّون قريباً من الضحك على الذقون- أقول إن على هؤلاء أن يضيفوا "وكنتُ قد سَلَخْتُ جلده" كلما ذكروا "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". فلسان حال العقلاء أننا إذا كنا معرّضين للأكل، وهو خوف ليس في محله، فليكن آكلنا "ملك الغابة" وليس "ثوراً مستأسداً".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف