الغجر «الأسيرة» إلى دائرة الضوء
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرأي العام
عادت بلدة الغجر الى دائرة الضوء بعد احتلالها مجدداً من الجيش الاسرائيلي خلال "حرب يوليو"، واعلان تل ابيب (الأحد) اكتمال انسحابها من جنوب لبنان واحتفاظها بهذه البلدة بعد اجراء تحصينات وأسلاك شائكة حولها من الجهة اللبنانية.
وجاءت هذه الخطوة الاسرائيلية لتطيح التسوية "الانسانية" التي كانت رعتها الأمم المتحدة خلال ترسيم "الخط الأزرق" (بعد الانسحاب الاسرائيلي العام 2000)، الذي أثبت أن هذه القرية التي كانت سورية، تمددت الى الأراضي اللبنانية، بعد حرب العام 1967، ليصبح ثلثها الجنوبي في الأراضي السورية المحتلة التابعة لمنطقة الجولان، والثلثان الآخران الشماليان في الأراضي اللبنانية.
وتدارُكاً لأي أزمة جديدة بين لبنان واسرائيل، تضاف الى النزاع الدائر حول مزارع شبعا، تحركت الأمم المتحدة لتعلن عبر قائد القوة الدولية في جنوب لبنان "يونيفيل" المعززة الجنرال الفرنسي آلان بللغريني أن "اليونيفيل ستقوم بالتأكد من الانسحاب الاسرائيلي، بالتفتيش على طول الخط الأزرق للتثبت من عدم وجود أي اختراقات وانتهاكات من الجانب الاسرائيلي"، مشيراً الى "أن تقدماً بارزاً حصل بانسحاب قوات الدفاع الاسرائيلي من الجنوب، ما عدا المنطقة المحيطة بقرية الغجر"، ومتوقعاً أن يغادر الاسرائيليون "هذه المنطقة في بحر الاسبوع التزاماً بالقرار 1701".
"تسوية الغجر"
تم "تحييد" فصل بلدة الغجر الى قسمين، بتسوية بين لبنان والأمم المتحدة، اذ أن ثلثي أرضها لبنانية يملكها أبناء الغجر، بعدما بنوا عليها بيوتاً في أعقاب عدوان 1967. والخطّ ضمنها، لبنانياً وسورياً سابقاً، متَّفق عليه ولا تحفظ عنه. وجرى تفاهُم لبناني دولي حولها، يقضي بألا تدخل اسرائيل الأراضي اللبنانية منها، فتكون بحُكم المحررة، ولا يطالب لبنان بفصل المحرر عن المحتلّ لنواحٍ انسانية، ولا يقطع عنها مياه الوزاني التي ترويها، لحقها في شرب المياه منه.
وكي يُنفَّذ التفاهم، أقامت الأمم المتحدة نقطتي مراقبة فيها، واعتُبرت محررة من المحتل على ألا تدخلها الدولة اللبنانية بأجهزتها الرسمية خصوصاً أن جنسية أهلها ليست لبنانية، ولا شأن لهم مع الدوائر الرسمية اللبنانية. وظلت البلدة من خلال هذه التسوية تخضع لشبه احتلال واقعي، نظراً لتبعية السكان في المناطق المحررة منها للادارة المدنية القائمة في "الغجر المحتلة" من مختار ورئيس بلدية ومالية وغيرها، التي تدير شؤون أهلها جميعاً.
مَن يقف في بلدة الوزاني اللبنانية، جارة الغجر من الناحية الغربية والجنوبية الغربية ويفصل بينهما نهر الوزاني، يتوه في المشاهد العمرانية الجميلة التي تنتصب في محيط لم يُرَ فيه من الجهة اللبنانية غير الدمار وانعدام للبنى والخدمات.
فالمنازل القديمة والحديثة المنظمة والمحاطة بغابات من الشجر البيتي والورود، طليت في مجملها باللونين الأبيض والرمادي وطغى الأزرق الأقرب الى الفيروزي على أبوابها وشبابيكها وأسوارها الحديد. وتوزعت بيوت الضيعة على مساحات من مربّعات متقاطعة تفصلها طرق منفرجة توافرت فيها جميع البنى التحتية وشبكات المياه وعداداتها والكهرباء والهاتف ومستوعبات النفايات، وأكوام الحطب لمؤونة الشتاء، حتى يمكن التأكيد أنها قرية نموذجية.
الحديث عن قرية الغجر المعروفة أصلاً بـ "غاجر"، بدأ مطلع شهر يونيو الذي تلا شهر التحرير في مايو 2000، بعدما دخلتها دورية للقوة الدولية للبحث في احتمال تقسيمها شطرين، هي التي احتلّتها اسرائيل من سورية مع هضبة الجولان منذ العام 1967. وقد وقع الخبر على أهلها وقع الصاعقة بعدما علموا به من صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة في 29 مايو 2000.
تبلغ مساحة القرية ضعفي ما كانت عليه قبل نحو 80عاماً عند ترسيم الحدود الدولية العام 1923، ويبلغ عدد سكانها نحو 1700 نسمة ينتمون الى الطائفة العلوية ويحملون حالياً الجنسية الاسرائيلية.
ويقول أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية عصام خليفة "ان ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة العام 1923 والذي عرف باتفاق بوليه نيو كومب، جعل الحدود بعيدة حوالي ثلاثة كيلومترات عن نهر الحاصباني وبالتالي الوزاني الذي يؤمّن سنوياً 53 مليون متر مكعب من المياه التي تصب في الحاصباني. وبعد اتفاق الهدنة بين لبنان واسرائيل، قام فريقان لبناني واسرائيلي باعادة احياء ترسيم العام 1923 باشراف الأمم المتحدة واتفقا على الترسيم النهائي في 12 ديسمبر 1949 الذي يؤكد أن الحدود بعيدة عن نبع الوزاني نحو ثلاثة كيلومترات".
ويوضح أن الغجر مع قرية النخيلة المجاورة لها والتي احتلتها اسرائيل العام 1967 تشكل جزءاً من مزارع شبعا وتقع بالتالي في داخل الأراضي اللبنانية بحسب الترسيم الحدودي الرسمي. ويقول: "ان الحدود بين لبنان وسورية في هذه المنطقة يجب أن تكون على بُعد 2800 متر شرق نهر الحاصباني. والعلامة الحدودية رقم 39 حسب الترسيم الرسمي والتي تعتبر نقطة التقاء الحدود بين لبنان وفلسطين وسورية، تقع على بُعد حوالي 300 متر غرب بانياس السورية، وهذا يعني أن الغجر والنخيلة مع مزارع شبعا التي تقع أكثر شمالاً، وهي داخل الحدود اللبنانية. وقد نشرت سورية قواتها الأمنية في الغجر والنخيلة ومزارع شبعا خصوصاً خلال الستينات، فقامت اسرائيل باحتلالها العام 1967 مع احتلالها لهضبة الجولان".
يوم الثلاثاء بتاريخ السادس من يونيو العام 2000، تظاهر المئات من سكان قرية الغجر على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان السورية المحتلة، احتجاجاً على احتمال تقسيم قريتهم بناء على الترسيم الذي تعمل عليه الأمم المتحدة بين لبنان واسرائيل. وقام المتظاهرون بحرق اطارات السيارات مطالبين بالحاق قريتهم بسورية في حال انسحاب اسرائيل من الجولان.
ونقلت صحيفة "هآرتس" في حينه "ان حيرة الجانب الاسرائيلي بخصوص مستقبل قرية الغجر هي ما يعوق الآن مصادقة الأمم المتحدة على اكتمال الانسحاب الاسرائيلي بشكل نهائي من الأراضي اللبنانية". وكتب المراسل العسكري للصحيفة ان التأجيل ينبع أصلاً من التردد الاسرائيلي الذي تبدى في اللحظة الأخيرة حيال تسليم جزء من القرية للبنان. وكانت الأمم المتحدة قد أبلغت اسرائيل أنه من أجل اتمام الانسحاب ينبغي لها أن تخرج من جزء من القرية.
وتابعت "هآرتس"، ان الجيش الاسرائيلي "استعدّ فعلياً لهذا التغيير، بل أنه قام باخلاء جزء من موقع "تيوليب" المجاور. لكن رد فعل سكان القرية الذين يحملون الآن بطاقة اسرائيلية ويقولون أن قريتهم لم تقع أبداً داخل الحدود اللبنانية، خلق تعقيداً جديداً.
وقام وزير العلوم متان فلناني بزيارة القرية والاجتماع الى وجهائها، وأبلغ الى سكانها أن اسرائيل لا تقبل طلب الأمم المتحدة وانها تنوي اقناع المنظمة الدولية بانعدام أي مبرر لتقسيم القرية وضم جزء منها الى الأراضي اللبنانية.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 13 يونيو2000 نقلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان انه "اذا لم يتم الاتفاق في الأيام القليلة المقبلة على حل مشكلة ترسيم الحدود الاسرائيلية اللبنانية في منطقة الغجر، فان هذا من شأنه أن يهدد السلام والأمن واحتمال التوصل الى تسوية في المستقبل بين لبنان واسرائيل". هذا الكلام فحوى الرسالة التي بعث بها أنان الى كل من رئيس الحكومة الاسرائيلية (آنذاك) ايهود باراك ورئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود".
وذكرت الصحيفة ان الاقتراح الذي تقدمت بها الأمم المتحدة الآن يقضي بامتناع الحكومة اللبنانية عن ارسال قواتها الى القرية وأن يوافق الطرفان اللبناني والاسرائيلي على عدم ترسيم دقيق للحدود في المكان الذي فيه القرية. وتابعت أن باراك بعث برسالة الى أنان ذكر فيها أنه شارك عندما كان برتبة رقيب في الجيش أيام حرب الأيام الستة، في احتلال قرية الغجر التي كانت في سورية، وأن لبنان يزعم اليوم أن القرية تعود اليه.
بعدها طرحت اسرائيل أمام الأمم المتحدة اقتراحاً اعتبرته حلاً وسطاً لمسألة مستقبل قرية الغجر على الحدود الشمالية. وبموجب هذا الاقتراح يمتنع الجيش الاسرائيلي عن الوجود في القرية على أن تكون فيها دوريات للشرطة الاسرائيلية في حالات الضرورة. وأملت المؤسسة العسكرية من خلال ذلك في أن يكون ممكناً الالتفاف على الخلاف الذي نشأ حول مستقبل القرية والذي كان يؤخر المصادقة على خط الانسحاب الاسرائيلي من جانب الأمم المتحدة.
واعتبرت المصادر أن الحل المقترح من شأنه الفصل بين الوضع القانوني والواقع على الأرض، أي السماح بالاعتراف بالسيادة اللبنانية على ثلثي مساحة القرية، مع استمرار علاقة السكان في القرية مع اسرائيل. لكن الصعوبة الرئيسية كانت تتعلق بالسياج حول القرية، اذ من الممكن أن تصبح الغجر مركزاً للتسلل في الحدود الشمالية.
ووجّه سكان الغجر، في حينه، بياناً الى الرؤساء لحود ونبيه بري ورفيق الحريري (كان آنذاك رئيساً للحكومة) فيه: "علمنا من الصحف ان الامم المتحدة ستقسّم قريتنا الغجر قسمين، وقد حاولت رسم الحدود في القرية منذ 6/6/2000 وقام سكان القرية جميعاً أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً بالتصدي لهم ومنعهم من تحقيق هدفهم، الا أن الأمم المتحدة عادت ورسمت الحدود من الجو. نحن من ذلك التاريخ نعيش في قلق مستمر وننتشر جميعاً أمام مدخل القرية، وقد أعلنا اضراباً مفتوحاً وأقفلنا مدارسنا، وتوقف عمالنا عن العمل وكسب لقمة العيش، كل ذلك من أجل حراسة القرية والحفاظ عليها ليلاً ونهاراً. (hellip;) ولكن يهمنا أن تعلموا أيها السادة، ان رفضنا لتقسيم القرية ليس ضد لبنان لا سمح الله، لأنه يشرفنا أن نكون في أي دولة عربية، لأننا سنجد فيها شرفنا وعزتنا وكرامتنا، فعطف الشقيقة كعطف الأم، ونحن لا نشك في ذلك. (hellip;) ان تقسيم القرية معناه ابعاد الأب عن ابنه والأم عن ولدها، هذا أمر صعب من الناحية الانسانية كما تعلمون حضراتكم. ان اعادة قسم من بيوت القرية الى لبنان معناه التخلي عن أراضي القرية البالغة 10500 دونم، وهذه الأراضي بدورها ستستغلها اسرائيل وتستعملها وتبني عليها مستوطناتها، وهي اليوم في أمس الحاجة اليها، لأن التقسيم يطاول بيوت القرية ولا يطاول أراضيها.
ان القرية وأراضيها لم تكن في يوم من الأيام لبنانية، فهي سورية وأهلها سوريون وأراضيها سورية، لكن ظروف الحدود التي نشأت عام 1923 والتي وضعها الاستعمار الفرنسي والانكليزي هي التي وضعت قسماً من أراضيها في لبنان لتجعل منها بؤرة للخلاف بين الشقيقين سورية ولبنان في المستقبل، لكن وعي القيادتين وتوحيد المسارين قطعا ويقطعان على الأعداء والمغرضين أهدافهم ومراميهم في كل عصر وزمان".
بعدها، قضى اتفاق أولي بين الأطراف المعنية بتقسيم البلدة الى قسمين، وذلك من خلال "خط وهمي" يُبقي ثلث البلدة من الجنوب تحت السيطرة الأمنية الاسرائيلية وثلثي البلدة من الشمال تحت السيطرة الأمنية اللبنانية، على أن تكون البلدة مجتمعة وبكامل مساحتها تحت سيطرة القوات الدولية، وهذا الحل الذي وُضع على نار حامية كان يلزم اسرائيل بازالة مواقعها العسكرية من الطرف الشمالي للبلدة ووقف أي نشاط عسكري أو أمني في هذا الجزء ويسمح للأجهزة الأمنية اللبنانية بالوجود هناك، وذلك بالتنسيق مع القوات الدولية. وكانت اهمية هذا الحل أنه يبقي التواصل بين سكان البلدة من الجهتين بشكل عادي وطبيعي وضمن تدابير واجراءات تحددها قيادة القوة الدولية.
وحتى 12 يوليو2006 (تاريخ أسْر "حزب الله" الجندييْن الاسرائيلييْن) أقام الحزب موقعاً يلاصق الأسلاك الشائكة المحيطة بالبلدة من الناحية اللبنانية، ونقطة أمنية وعسكرية، كانت منطلقاً لعملية كبيرة شبيهة بتلك التي سبقت عدوان يوليو، كانت مهمتها خطف جنود اسرائيليين، ولم توفق كثيراً، لكن تلقت خلالها بلدة الغجر، لا سيما المواقع الاسرائيلية فيها، ضربة نارية "موجعة" من "المقاومة الاسلامية" (الجناح العسكري لـ "حزب الله")، دمّرت العديد من المواقع الاسرائيلية المطلة على الجهة اللبنانية، ودانتها حينها الأمم المتحدة واعتبرتها خرقاً لوقف النار، فيما ردّ "حزب الله" بأن مقاوميه "هاجموا المنطقة اللبنانية المحتلة في قرية الغجر، ما يندرج في اطار الرد على العدوان والاحتلال وهو حق مشروع للمقاومة".
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف