الحل في حل السلطة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الباري عطوان
المواجهات الدموية التي تشهدها الاراضي الفلسطينية المحتلة هذه الأيام، وتحصد أرواح الابرياء دون تمييز، هي أمر مخجل بكل المقاييس، وفضيحة سياسية واخلاقية تمس كل المتورطين فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتسيء الي تاريخ طويل ومشرف من التضحيات يمتد لأكثر من مئة عام.
وصف هذه المواجهات بـ الجنون هو اقل ما يمكن قوله، لأن شعباً علي هذه الدرجة من الحنكة السياسية، والتجربة النضالية الطويلة لا يمكن، وهو الذي لم يتوقف مطلقا عن تقديم الشهداء، ان يتحول من قمة العقل الي قمة الجنون في غضون ساعات معدودة. لا نعرف ما هو شعور قيادتي فتح و حماس وهما تشاهدان سيارات الاسعاف وهي تحمل المصابين وجثامين القتلي الذين سقطوا في هذه المواجهات العبثية بين الميليشيات المتقاتلة جنبا الي جنب مع جثامين اخوتهم الذين سقطوا للتو ضحايا عمليات الاغتيال الاسرائيلية.
فعندما يعرب بنيامين بين اليعازر وزير البني التحتية الاسرائيلية عن سعادته الغامرة بانفجار الاشتباكات بين قطبي الساحة الفلسطينية، ويعرب عن تمنياته بفوز مجموعة الرئيس محمود عباس في نهاية المطاف، فإن علينا ان نتبين من هو المخطئ ومن هو المصيب. وعندما تطالب السيدة كوندوليزا رايس الفلسطينيين بوقف الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعترف باسرائيل وبالاتفاقات الموقعة معها، فان علينا ان نتوقف لحظة ونفكر بتأمل بطبيعة المصيدة المنصوبة للشعب الفلسطيني، والنتائج المرجوة منها.
قلناها ونقولها، ونكررها بصوت عال ان هذا الاقتتال العبثي يتم من أجل الفوز بـ جيفة اسمها السلطة، لا تستحق اهدار نقطة دم واحدة من أجلها. فحتي الحيوانات المفترسة الجائعة تعوف الجيف ولا تتقاتل عليها.
الفلسطينيون يعيشون كذبة كبري اسمها الحكم الذاتي ، ويصدقون ان لهم وزراء ومجلساً تشريعياً، ومؤسسات وحرسا رئاسيا، بينما الواقع مغاير لذلك تماما، فالأرض محتلة، وما تحرر شكلا منها، اي قطاع غزة، ميدان المواجهات الحالية، سجن كبير يملك مفاتيحه عضو صغير في جهاز الشين بيت الاسرائيلي.
دعونا نعترف ان ما يحدث حاليا في الاراضي المحتلة هو بدايات حرب اهلية غير مسبوقة، خطط لها الاسرائيليون بعناية فائقة، ونجحوا اخيرا، من خلال استخدام محنة الرواتب، في ايقاع الفلسطينيين في شباكها.
انها ليست حربا بين مسلمين ومسيحيين، او بين سنة وشيعة، او كاثوليك وبروتستانت، وانما بين ابناء الطائفة والعشيرة والقبيلة الواحدة، بين الجياع والجياع، بين المحتلين والمحتلين، وهنا تكمن المأساة.
ليس المهم الآن تحديد المسؤولية عن الوقوع في هذه الحفرة الكبيرة، ولكن المهم هو كيفية الخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر وفي اسرع وقت ممكن فالجميع مسؤول بدرجة او بأخري.
فمن اعطي الضوء الاخضر لقوي الأمن الفلسطينية للتظاهر بأسلحتها للمطالبة برواتب يعرفون مسبقا اسباب تأخيرها، هو مسؤول عن كل نقطة دم تزهق في شوارع غزة ونابلس ورام الله. ومن اصدر الأوامر للقوي المساندة، او ميليشيا حماس علي وجه الدقة للنزول الي الشارع للتصدي لهؤلاء وهو يعرف مسبقا النتائج المترتبة علي هذه الخطوة يتحمل المسؤولية نفسها، ويجب ان يحاسب بالقدر نفسه.
السيد عباس لا يورط الشعب الفلسطيني في الحرب الاهلية الدموية، وانما ايضا حركة تحرير وطني فلسطيني (فتح) صاحبة التاريخ المشرف في التضحيات والنضال والتمسك بالثوابت الوطنية يمتد لاكثر من اربعين عاما.
حكومة حماس ليست المسؤولة عن ازمة الرواتب، ولا عن تجويع الشعب الفلسطيني حتي يحرض رئيس السلطة والمستوزرون من حوله المتظاهرين ضدها، فأصغر طفل فلسطيني يعرف ان من يمنع الرواتب هما الولايات المتحدة، واسرائيل، نقول هذا ونحن الذين خطأنا وما زلنا نخطئ حركة حماس علي مشاركتها في الانتخابات الاخيرة، ووقوعها بذلك في تناقض كبير، اي محاولة الجمع بين سلطة قامت علي اساس اتفاقات رفضتها وعارضتها، ومقاومة مسلحة ترفض الاعتراف وتصر علي تحرير كامل التراب الفلسطيني، فحركة حماس فازت بثقة الشعب الفلسطيني بسبب هذه المواقف غير المساومة، لأن هذا الشعب يدرك ان اتفاقات اوسلو باطلة، وما قام علي باطل هو باطل.
لا نعرف ماذا حدث للرجل، وكيف تخلي عن حذره السابق، وقرر الاندفاع في المخطط الحالي لقلب الحكومة واشعال شرارة الحرب الاهلية، فنحن نعلم، ومن مصادر موثقة ان الرجل، وحتي بضعة اسابيع مضت، اوعز لمجموعة من مستشاريه في المنفي وضع نص خطاب استقالة كان ينوي القاءه امام عدسات التلفزة العالمية، ويحمل فيه اسرائيل وامريكا مسؤولية تدهور الاوضاع في الاراضي المحتلة، وقتل عملية السلام في المنطقة.
مستشارو الرئيس عباس الذين يعششون في مكتب الرئاسة، ويدفعونه دفعا نحو المواجهة وليس التهدئة لاستعادة امجاد حكم غابرة، يتحدثون حاليا عن عدة خيارات يعتزم الاقدام عليها، مثل استخدام صلاحياته في حل الحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط ، او الدعوة الي انتخابات تشريعية جديدة.
اي صلاحيات وأي دستور اللذين يتحدث عنهما هؤلاء لشعب جائع يتعرض للموت والحصار، ولرئيس لا يستطيع مغادرة مكتبه في رام الله دون اذن شاويش اسرائيلي، ولمجلس تشريعي نصف اعضائه في سجون الاحتلال اختطفوا من مهاجعهم في وضح النهار، ثم اي حكومة هذه التي لا تستطيع دفع رواتب موظفيها، والسيطرة علي قوات امنها، وتشكل ميليشيا موازية لحماية وزرائها، ولا تستطيع تعيين سفير او حتي تعيين قنصل في سفاراتها، ولا تتحكم بشرطي علي معبر او مخرج.
واي امن هذا الذي يكون رجاله اول من يبادر الي خرق الامن، ونشر الفوضي، واغلاق الشوارع والميادين، وممارسة البلطجة ضد ابناء شعبهم، وتنغيص معيشتهم، وشل حركتهم وتعطيل ما تبقي من مصالحهم وأرزاقهم في شهر كريم مبارك!
الحل الوحيد ان يقف السيدان محمود عباس واسماعيل هنية سويا، يدا بيد، امام عدسات التلفزة في مؤتمر صحافي عالمي، يعلنان من خلاله حل هذه السلطة وتسمية الامور باسمائها، قوات احتلال وشعب مقاوم.
الشعب الفلسطيني يواجه حاليا عملية ابتزاز غير مسبوقة اسمها الرواتب وبات مطالبا بان يضحي بكل ثوابته وحقوقه الوطنية ويتحول الي شعب من المتسولين ينتظر المساعدات الامريكية والاوروبية تماما مثلما كان عليه الحال قبل انطلاق رصاصته الاولي في الاول من كانون الثاني (يناير) عام 1965 علي ايدي رجالات فتح الأصلاء.
ومن هنا فان اي دعوة جديدة لانتخابات تكرس نتائجها هذا الوضع البائس، وتستثمر حال الجوع الحالية لمصلحة تمرير مشروع امريكي ـ اسرائيلي هي دعوة مشبوهة، يجب ان تواجه بالمقاطعة. فما فائدة انتخابات لا تحظي نتائجها بالاحترام ويتعرض من يقدم عليها الي العقاب بالموت جوعاً وحصاراً واغتيالاً!
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف