تركيا والاتحاد الأوروبي: صدام حضارات على ضفتي البوسفور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جدعون راتشمان - فايننشال تايمز
لقد أصبحت الطقوس الخاصة بما يدعى "صدام الحضارات" راسخة تمام الرسوخ في الوقت الراهن، حيث يقوم شخص ما في مكان ما من الغرب "بتوجيه إهانة إلى الإسلام"، فيكتب سلمان رشدي كتابا، وتقوم صحيفة دانماركية بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة، ويلقي البابا خطبة، ولا تلبث المظاهرات ان تعم الشوارع. فما هي الطريقة الأفضل من مجرد إحراق دمية تمثل البابا لإثبات أن الاسلام هو دين سلام؟
لسنوات، ظلت تركيا العلمانية ذات الطابع الغربي بعيدة ومتمتعة بنوع من الحصانة امام هذا النوع من التعصب. لكن واحدة من أقسى ردود الافعال على كلمة البابا الاخيرة جاءت من تركيا نفسها. وقبل ان يقدم البابا اعتذاره، شبهه صالح كابوسوز نائب زعيم الحزب الحاكم بهتلر وموسوليني.
وما من شك في أن هذا يبدو نذير شؤم - ليس لان البابا سيزور تركيا حسبما هو مقرر في تشرين الثاني - نوفمبر المقبل فحسب. فلطالما ظلت تركيا في نظر اولئك الساسة الذين يناضلون من اجل تحسين العلاقات بين الاسلام والغرب وهي تمثل الامل الكبير، وهي التجسيد الحي والتجلي الحاضر لفكرة أن بلدا مسلما كبيرا يمكن ان يكون ايضا علمانيا وديمقراطيا ويتمتع بعلاقات طيبة مع الغرب.
وكنتيجة لذلك، فقد أخذت محاولة تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي منزلة ايقونية. وكان الرئيس جورج دبليو بوش قد صرح بأن ضم تركيا إلى الاتحاد الاوروبي "سيعتبر تقدما حاسما" في العلاقات بين العالم الاسلامي والغرب. وغالبا ما يدلي الساسة الاتراك البارزون بنفس الاقوال. لكن محاولة تركيا الانضمام للاتحاد الاوروبي تمر بأزمة . كما ان النزاع القائم حول علاقاتها مع قبرص التي باتت الآن عضوا في الاتحاد الاوروبي، بات يهدد برفع وتيرة التوتر إلى حد تعليق المفاوضات. وقد تحدث "أولي رين"، المسؤول الأوروبي عن الإشراف على كامل العملية عن إمكانية "تحطم قطار" المفاوضات في وقت لاحق من هذه السنة.
وحتى لو استطاع القادة الاتراك وقادة الاتحاد الاوروبي حل الموضوع القبرصي بحنكة، فان الجهود التركية الرامية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي سوف تواجه مشكلات عميقة، حيث يعاني الاتحاد الاوروبي حاليا من "اجهاد ناجم عن التوسع والتضخم"، ولم يعد قادراً على استحضار الكثير من روح الحماس للقبول بدولة كبيرة جدا وفقيرة نسبيا في عضويته، والتي تقع معظم مساحتها من الأرض اليابسة في قارة آسيا. وفي الوقت الذي يعتبر فيه دمج المسلمين في اوروبا الغربية موضوعا فائق الحساسية، فان فكرة السماح بحرية حركة الناس من تركيا إلى أوروبا قد بات أمراً صعب التسويق. وعلى دول الاتحاد الخمس والعشرين كافة ان توافق على السماح لتركيا بالدخول في الاتحاد. ولكن، وطبقا لمعطيات معظم باروميترات قياس الرأي العام الاوروبي، فان خمسة عشر بلدا من الاعضاء الاصليين ما تزال تعارض الفكرة.
لقد ادى هذا الموقف داخل الاتحاد الاوروبي الى صدور رد فعل مضاد. ويشعر العديد من الاتراك بالغضب والاذلال عندما يعلن سياسي فرنسي بارز مثل نيكولاس ساركوزي انه لا يمكن للاتراك ان يصبحوا اعضاء في الاتحاد الاوروبي.. وحتى الاتراك الموالون لاوروبا باتوا متشككين إزاء الطلب إليهم تقديم تنازلات مؤلمة حول قضايا حساسة مثل القضية القبرصية كجزء من "عملية مفاوضات"، والتي تبدو على نحو متزايد أقرب إلى تمثيلية قوامها الأحجيات. وفي حين كانت نسبة التأييد لفكرة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تبلغ 70% قبل ثلاث سنوات، فقد انخفضت هذه النسبة الآن إلى أقل من 50% وفق بعض استطلاعات الرأي.
على ضوء خيبة الامل المتبادلة هذه، فهل من المعقول ان يتم الغاء الامر كله؟ لقد أصبح مدار جدل الآن ان طلب تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي قد بات يثبت في الحقيقة انه يفرز نتائج سلبية، لانه يحمل الجانبين على مواجهة بعضهما البعض بطرق تعمل على إثارة وتحريك الرأي العام. وربما كان يفترض بهما ان يقبلا فقط بان تركيا لن تنضم ابدا الى الاتحاد الاوروبي، وان تجهد في سبيل الحصول على نوع من "الشراكة المميزة" التي تحدثت عنها المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل وآخرون.
ان فكرة ان تأهيل تركيا علمانية موالية للغرب يعتمد على طلب البلد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي هي بالتأكيد فكرة قابلة للنقاش. وبعد كل شيء، فان انعطاف تركيا المصيري باتجاه الغرب قد تم في العشرينات من القرن الماضي، اي قبل وقت طويل حتى من تأسيس الاتحاد الاوروبي. ولا شك في أن اقتصاد البلد ينمو بسرعة، وهو اصلا عضو في اندية غربية مهمة مثل الناتو. فعل يعتمد الكثير من المسألة حقاً متعلقاً بسعي تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي؟
يقول العديد من المراقبين الاتراك والاوروبيين، ومن مبعث عاطفي، بأن الأمر كذلك. فالمشاعر الاسلامية والمعادية للغرب آخذة في كسب المزيد من الأرضية، سواء على صعيد السياسة التركية او في المجتمع التركي على نطاق واسع. وقد اصبح عدد اكبر من النساء يرتدين اغطية رؤوس، فيما اصبح الرأي العام ابعد كثيراً عن ان يتمتع بالحصانة من النزعة التطرفية التي باتت تكتسح اصقاعاً ضخمة من العالم الاسلامي. واظهر استطلاع للرأي حول "اتجاهات ما عبر الاطلسي" ونشرت نتائجه الشهر الماضي ان ايران أصبحت تحظى بشعبية في تركيا بنسبة تساوي ضعف الشعبية التي تتمتع بها فيها الولايات المتحدة الاميركية. وفي السنة الماضية، استطاعت ترجمة تركية لكتاب ادولف هتلر Main Kampf ان تكون من أكثر الكتب مبيعاً.
غالباً ما توصف حكومة الحزب الحاكم في تركيا بأنها "اسلامية معتدلة". لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين يبدون انزعاجاً من ان "الرفض الأوروبي" سيشجع الحكومة على التحول الى العالم العربي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو ما سيسفر بالتالي عن تبني شكل من الاسلام اكثر راديكالية داخل الوطن. وهو ما قد يتسبب في انقلاب يقوم به العسكر الذين يعتبرون انفسهم حماة العلمانية التركية.
إن أي ضغط يمارس باتجاه تفعيل عدم الاستقرار الممكن الذي يسم تركيا يترك اثاره في كلا الاتجاهين، فهو قد يشجع القادة الاوروبيين على الاستمرار بالتحدث، لكنه لن يجعل من البلد بالضرورة شريكاً طويل الامد اكثر جاذبية للاتحاد الاوروبي. انه شيء أشبه بالقول لشخص ما "ان خطيبتك على وشك ان تصاب بالجنون، وعليك ان تتزوجها في الحال او انها ستصاب بانهيار عصبي".
لذلك كله، فإن المنطق السياسي يشير الى اشراك طويل الأمد لتركيا. وحتى لو لم تنضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي على الاطلاق، فإن عملية التقدم بالطلب تعمل اصلا على تشكيل باعث لإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية تجعل من تركيا مجتمعا اكثر حرية واكثر ثراء. ويجري حالياً تخفيف القيود على حرية الرأي وتعزيز حقوق الاقليات في الوقت الذي تتحسن فيه التحويلات الحكومية. ويأمل دبلوماسي غربي في الا يكون "اي من هذه قابل للتناقص. لكنه سيبدأ بذلك فعلاً في بضع سنين". ويشير البعض الى انه حتى لو لم تنضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي على الاطلاق، فإن عملية الطلب ستكون حاسمة في إحداث تحولات في ذلك البلد.
انه جدل معقد - بل وربما يكون أكثر من معقد. كما انه من الممكن القول أيضاً بأنه كلما طال امد العملية بمجملها، كانت خيبة الامل اكثر مرارة عندما تصل الامور الى نهاية. اذ كيف سيشعر الاتراك بعد مفاوضات دامت لعقد كامل وهم يجدون عضويتهم قد رفضت بفعل استفتاءات مرتقبة ستجرى في فرنسا والنمسا؟ ولا شك في النهاية بأن قوى اجتماعية عميقة داخل تركيا ستقوم بالدفع نحو تعزيز العلاقة بين البلد والاسلام بدلاً من الخضوع للضوابط الخارجية من بروكسل.
وثمة سبب افضل للمضي قدماً، وهو انه من السابق لأوانه جداً ان ييأس الاتراك المؤيدون لنزعة توجه تركيا إلى أوروبا. وليس ثمة من ضمان بأن طلبهم سيؤدي الى نجاح، كما انه ليس من ضمان بأنه سيفضي الى فشل. وطالما كانت الحكومة التركية تعتقد باخلاص بأن من مصلحة البلاد السعي إلى عضوية الاتحاد الاوروبي، فإن من صالح اوروبا نفسها الاستمرار في الحوار.