الاستثمار المؤسسي الخليجي يدعم سوق الأسهم السعودية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد بن ناصر الجديد
يثير قرار هيئة السوق المالية أخيرا السماح لصناديق الاستثمار الخليجية بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية العديد من التساؤلات حول كفاءة هذه الصناديق في الحد من التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة على المدى القريب، ودعم أداء السوق على المدى البعيد.
وكمحاولة متواضعة للإجابة عن هذه التساؤلات فإنه من الأهمية بمكان النظر في دراسات أدبيات الأسواق المالية في محاولة لدمج الجانب النظري بالجانب العملي، ومن ثم وضع اللمسات الأولية لإجابات شمولية يمكن أن تكون قاعدة انطلاق نحو إجابات موضوعية.
إحدى هذه الدراسات دراسة نشرت مطلع الأسبوع الجاري في مجلة الأسواق، والمؤسسات، والأموال المالية الدولية Journal of International Financial Markets, Institutions amp; Money تحت عنوان "هل يحد الاستثمار المؤسسي من تذبذب أسعار الأسهم؟ شواهد من سوق مالية ناشئة".
سعت الدراسة إلى اختبار كفاءة الاستثمار المؤسسي في تعزيز أداء الأسواق المالية عن طريق دراسة دور الاستثمار المؤسسي المحلي والأجنبي في جمهورية بولندا في الحفاظ على مستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في سوق بولندا المالية.
هناك ثلاثة أسباب دعمت اختيار هذه الدراسة عوضا عن غيرها من دراسات أدبيات الأسواق المالية كمنظور مشاهدة لواقع التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية، والدور المنتظر الذي سيلعبه الاستثمار المؤسسي الخليجي في تعزيز أداء السوق.
السبب الأول، أن الدراسة أجريت في سوق مالية ناشئة (سوق بولندا المالية) قل ما تناولتها الصحافة الاقتصادية السعودية، مما قد يساعد على إثراء المعرفة الاقتصادية العامة بجوانب هذه السوق الناشئة، بشكل خاص، وأسواق شرق أوروبا المالية، بشكل عام.
والسبب الثاني، أن الدراسة تناولت بالنقد والتحليل دور الاستثمار المؤسسي خلال الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 1994م إلى كانون الأول (ديسمبر) 2003م، مما ساعد على دراسة تأثير الاستثمار المؤسسي على منظومة السوق المالية على المدى البعيد.
والسبب الثالث، وهو الأهم، أن فترة دراسة دور الاستثمار المؤسسي (1994-2003م) تزامنت مع حدوث تغيرات هيكلية، وظهور تحديات مالية في سوق بولندا المالية، شبيهة بتلك التي مرت وتمر بها سوق الأسهم السعودية.
اعتمدت عينة الدراسة على بيانات الصفقات، ككمية الصفقة ونوعية الأسهم، التي نفذتها المحافظ الاستثمارية لجميع صناديق التقاعد والمعاشات العاملة في تداول أسهم الشركات المدرجة في سوق بولندا المالية خلال الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 1994م إلى كانون الأول (ديسمبر) 2003م.
قارنت الدراسة بعد ذلك بيانات هذه الصفقات ببيانات حركة مؤشر السوق الرئيسية WIG والثانوية WIG20 لسوق وارسو المالية خلال الفترة نفسها، وذلك لمعرفة تأثير هذا الاستثمار المؤسسي على دعم أداء السوق، وتأثر الأداء بالتطورات الاقتصادية على الصعيد المحلي.
من هذه التطورات، على سبيل المثال، إصدار القانون البولندي للاستثمار الأجنبي في كانون الأول (ديسمبر) 1997م، والقاضي بالسماح لشركات الاستثمار الأجنبية بالتداول المباشر في سوق وارسو المالية دون وسيط محلي.
كما قارنت الدراسة بعد ذلك بيانات هذه الصفقات ببيانات حركة مؤشر ستاندرد آند بور الأمريكي Samp;P500 خلال الفترة نفسها (1994-2003م)، وذلك للتعرف على درجة تأثر هذا الاستثمار المؤسسي بالتطورات الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من هذه التطورات، على سبيل المثال، نشأة أزمتي سوق موسكو للأوراق المالية، والأسواق المالية الآسيوية خلال النصف الثاني من التسعينيات الميلادية.
توصلت الدراسة إلى نتيجتين مهمتين شكلتا في مجملهما إجابة شمولية على التساؤلات حول دور الاستثمار المؤسسي في الحد من التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في السوق المالية، وتفوق دور الاستثمار المؤسسي على الاستثمار الفردي في دعم أداء السوق المالية على المدى البعيد.
النتيجتان كما يلي:
1. يساهم الاستثمار المؤسسي في الحد من تذبذب أسعار أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية بدرجة تفوق مساهمة الاستثمار الفردي، عطفا على كفاءته في توجيه قدرته الشرائية للتداول حول مستوى القيمة العادلة للأسهم المتداولة.
2. يساهم الاستثمار المؤسسي في زيادة فاعلية السوق المالية بدرجة تفوق مساهمة الاستثمار الفردي، عطفا على كفاءته في استثمار الأبحاث والدراسات والمعلومات الاستثمارية اللازمة للتقييم العادل للأسهم المتداولة.
عندما ننظر إلى واقع سوق الأسهم السعودية من منظور نتائج هذه الدراسة، مع الأخذ في عين الاعتبار التباين بين المؤشرات والتطورات الاقتصادية والسياسية بين سوق الأسهم السعودية وسوق بولندا المالية، فإنه من الممكن وضع اللمسات الأولية للإجابة عن التساؤلات حول كفاءة الاستثمار المؤسسي الخليجي في الحد من مستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية على المدى القريب، وتعزيز أداء السوق على المدى البعيد.
إن سوق الأسهم السعودية تشهد في الوقت الراهن تغيرات هيكلية تسعى في مجملها إلى الارتقاء بالسوق من مستوى النشأة إلى مستوى التقدم. ومن أحد هذه التغيرات تطوير قاعدة المتداولين ليس من خلال توسيع حجم شريحة المستثمر المؤسسي على حساب حجم شريحة المستثمر الفردي فحسب، وإنما من خلال مواءمة ظروف السوق، كتعديل فترة التداول، بما يتوافق ومتطلبات المستثمر المؤسسي.
ومن إحدى آليات تطوير قاعدة المتداولين السماح أخيرا لصناديق الاستثمار الخليجية بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية كخطوة تبدو أولية نحو فتح السوق للاستثمار المؤسسي الأجنبي المباشر لينضم إلى كوكبة الاستثمار المؤسسي المحلي القائمة، كصندوق الاستثمارات العامة، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد، والمحافظ الاستثمارية للمصارف والشركات المساهمة.
وبناء على نتائج هذه الدراسة والتغيرات الهيكلية الجارية في سوق الأسهم السعودية، فإنه يتضح أن السوق تسعى إلى الحد من التذبذب السعري لأسهمها المدرجة في محاولة لزيادة الفاعلية على المدى القريب، ودعم الأداء على المدى البعيد.
وعلى الرغم من هذه المساعي الجيدة إلا أنه يجب التوكيد على أهمية حفظ التوازن بين حجم شريحة المستثمر المؤسسي وحجم شريحة المستثمر الفردي بما يساعد على تحقيق الأهداف الاستثمارية لكلتا الشريحتين.
فجزء كبير من شريحة المستثمر الفردي هي عبارة عن مخرجات طفرة الأسهم الأخيرة. وهذه الشريحة تنظر إلى سوق الأسهم على أنها "القناة الاستثمارية"، عوضا عن "قناة استثمارية"، في ظل تواضع نمو قنوات استثمارية بديلة، وغياب لحوكمة المستثمر المؤسسي، وشركات وساطة الأسهم، ومكاتب الاستشارات المالية. وحتى يتحسن التواضع ويظهر الغياب، فإنه يلزم التوكيد على أهمية المحافظة على هذه "القناة الاستثمارية" بغية تحقيق الأهداف الاستثمارية لشريحة المستثمر الفردي.
كلية الاقتصاد والإدارة - جامعة ادنبره - المملكة المتحدة
mjadeed@hotmail.com