جريدة الجرائد

مهمة رايس المستحيلة .. في تجميل السياسة الأميركية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



بلال الحسن


حضرت كونداليزا رايس إلى المنطقة العربية، واثارت زوبعة سياسية من خلال الحديث عن إنشاء "حلف المعتدلين العرب"، وهو في ظني حلف غير موجود، لأن نقاط الخلاف العربية مع السياسة الأميركية تطغى على إنشاء أي حلف متماسك.

لقد اجتمعت رايس في القاهرة مع ثمانية وزراء عرب، وعرضت عليهم تصوراتها ومطالبها، وهي تصورات ومطالب لم يستطع حتى "أصدقاؤها" أن يكونوا معها على وفاق بشأنها. كان هناك خلاف حول ايران، حيث شنت رايس هجوما على برنامج ايران النووي وضرورة معالجته بالعقوبات من خلال مجلس الأمن، بينما كان رأي السعودية مثلا ضرورة اعتماد الحل الدبلوماسي وعبر وكالة الطاقة الذرية بدلا عن مجلس الأمن. وكان هناك خلاف حول السودان، حيث تصر رايس على ضرورة إرسال قوات دولية حتى لو كان ذلك ضد رغبة الحكومة السودانية، بينما تتمسك مصر بموقف معلن يصر على ضرورة التفاهم مع حكومة الخرطوم أولا، مع الميل للإبقاء على قوات التحالف الإفريقي بدلا من القوات الدولية. وكان هناك خلاف حول الموضوع الفلسطيني، حيث أصرت السعودية ومصر على مؤتمر دولي، وعلى تحديد مسبق لنهايات التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يتوضح فيها أن الهدف هو إنشاء دولة فلسطينية على حدود العام 1967، وخلال مفاوضات تستمر لعام واحد فقط، بينما نأت رايس بنفسها عن هذا الحديث كله، واستعملت كعادتها كلمات طنانة لا تعني شيئا، قالت فيها إن ما تسعى إليه هو "خطوات خلاقة" لمساعدة السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس.

والخطوات الخلاقة لا تعني المفاوضات، ولا تعني إنشاء الدولة الفلسطينية، إنما تعني الإفراج عن بعض الأسرى وإزالة بعض الحواجز، والسماح بالتنقل بين الضفة وغزة، ودفع إسرائيل الأموال الفلسطينية المحتجزة عندها. أي أن ما تعرضه كونداليزا رايس في هذه المرحلة هو مجموعة من الخطوات التجميلية التي تخفف من وطأة الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن تبحث في وجوده وفي إنهاء وجوده. وتركز رايس هنا على خطوة تفجيرية خلاصتها دعم الرئيس عباس من أجل إسقاط حكومة إسماعيل هنية، وإبعاد حركة حماس عن السلطة.

وخلاصة هذه المواقف، ومواقف أخرى غيرها تتعلق بالعراق ولبنان، أن رايس تريد من الدول العربية الثمان، تأييد المواقف الأميركية بصدد ايران، وبصدد كل الملفات العربية المفتوحة والمتفجرة، لقاء إغراء واحد هو التركيز على تحريك الموضوع الفلسطيني. ولكن الصدمة وقعت حين تبين أن كل ما تعرضه رايس لم يصل بعد إلى حد ممارسة ضغط على إسرائيل للذهاب إلى مفاوضات تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وليس إلى اقتسام الضفة الغربية. وبسبب هذا كله نقول، إن هذه المواقف المتعارضة لن تستطيع إنشاء حلف سياسي. أما الموقف الأميركي فهو وصفة لإثارة نزاعات عربية متصلة تتركز أساسا في فلسطين، ومن دون أن نستثني لبنان والعراق.

وحين يكون الوضع على هذا الحال، فما الذي تريده رايس إذا؟

إنها تريد الايحاء بوجود نجاح أميركي في منطقة (الشرق الأوسط الجديد)، يمكن استعماله في انتخابات الكونغرس النصفية القادمة بعد حوالي شهر، والتي ستقرر احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس أو تحول هذه الأغلبية إلى خصومهم الديمقراطيين، مع ما يعنيه ذلك من احتمال خسارتهم للسلطة ولرئاسة الجمهورية في انتخابات الرئاسة المقبلة في العام 2008.

ولتأكيد ذلك نقول، إن رايس ركزت في جولتها، وركزت في مفاوضاتها، وركزت في الإغراءات التي قدمتها، على تذكير العرب والفلسطينيين بـ(رؤيا بوش) التي تقدم على أنها (رؤيا الدولتين)، وعلى أن الرئيس بوش هو أول رئيس أميركي يعلن تبنيه لقيام دولة فلسطينية. ولذلك فهناك حاجة للعودة إلى التذكير برؤيا بوش هذه، لنكتشف كيف أنها تشكل برنامجا للصراع أكثر مما هي برنامج للحل. لقد تم الإعلان عن رؤيا بوش في 24 حزيران/يونيو 2002، وتم تقديمها في الإعلام على أنها رؤيا الدولتين، ولكن هذا لم يكن سوى المانشيت الإعلامي الترويجي، أما المضمون فقد كان شيئا آخر مختلفا. وفي هذا المضمون نجد ما يلي:

نجد توصيفا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال بأنها مقاومة إرهابية لا بد من إدانتها والتخلص منها. تقول الرؤيا "إن المواطنين الإسرائيليين سيستمرون في أن يكونوا ضحية إرهابيين، وهكذا فإن إسرائيل ستستمر في الدفاع عن نفسها". وتقول "رؤياي هي لدولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وليست هناك ببساطة طريقة لتحقيق ذلك السلام إلى أن تحارب جميع الأطراف الإرهاب".

ونجد أيضا دعوة للإطاحة بالقيادة الفلسطينية، ودعوة للشعب الفلسطيني للتمرد على قيادته. تقول المبادرة "إن السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة .... وإنني أهيب بالشعب الفلسطيني أن ينتخب قادة جددا، قادة لا تكون سمعتهم ملطخة بالإرهاب".

وتطلب مبادرة بوش بعد ضرب الإرهاب، إنجاز اتفاقات أمنية تضم الفلسطينيين مع إسرائيل ومصر والأردن.

وحين يتم كل ذلك فإن الثمن الذي تعدنا به الرؤيا لا يتجاوز دولة مؤقتة، وبالنص "عندما يكون للشعب الفلسطيني قادة جددا، ومؤسسات جديدة، وترتيبات أمنية جديدة مع جيرانه، ستدعم الولايات المتحدة الأميركية إنشاء دولة فلسطينية تكون حدودها، وبعض نواحي سيادتها (الحدود والعاصمة) مؤقتة، إلى أن تحل كجزء من تسوية نهائية في الشرق الأوسط".

ولا تتورع رؤيا بوش عن إدانة السلطة الفلسطينية واعتبارها مساندة للإرهاب، ولا تتورع عن تشجيعها على القمع، تقول بالنص "إن السلطات الفلسطينية تشجع الإرهاب ولا تكافحه، وهذا غير مقبول، والولايات المتحدة لن تؤيد إنشاء دولة فلسطينية إلى أن يشارك قادتها في كفاح متواصل ضد الإرهابيين ويفككوا بنيتهم التحتية".

وتدعو المبادرة الدول العربية إلى وقف "تدفق المال والمعدات والمجندين الجدد إلى الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى دمار إسرائيل، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله".

هذا بعض ما ورد في رؤيا بوش عام 2002، وهناك في بنودها ما هو أكثر من ذلك، وقد ورد هذا كله قبل أن تصل حماس إلى السلطة في فلسطين عام 2006، وقبل أن يقود حزب الله حرب الدفاع عن لبنان عام 2006. ورد هذا كله بينما كان ياسر عرفات رئيسا للسلطة بحكم اتفاق اوسلو لا بحكم "الإرهاب"، وبينما كان محمود عباس رئيسا للوزراء (عام 2003) من دون أن يتجاوب معه الأميركيون والإسرائيليون لتسهيل مهمته. وها هي رايس تأتي الآن، مروجة من جديد لرؤيا بوش، وقائلة لنا بأن مضمونها هو إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، متجاهلة مضمونها الحقيقي وخطتها المتكاملة للقضاء على إرادة المقاومة الفلسطينية والعربية منذ العام 2002.

إن السياسة الأميركية ضد المنطقة، ومن أجل حماية إسرائيل وتكريس هيمنتها، قائمة منذ ذلك الحين حتى الآن، وما تقوم به رايس في جولتها الراهنة ليس إلا ترويجا لبضاعة فاسدة، تولت التغطية على اغتيال الرئيس ياسر عرفات، وعلى تفشيل رئيس الوزراء محمود عباس (لصالح خطة شارون في حينه)، وهي تريد أن تتولى الأن التغطية على مهمة إقصاء حركة حماس وضربها.

ونلحظ حاليا توجها فلسطينيا للانسجام مع هذا المطلب، أحيانا باستغلال عملية التجويع، وأحيانا عبر تمرد الأجهزة الأمنية، وأحيانا عبر الاستقواء بالصلاحيات القانونية، وهي كلها توجهات مدمرة تطرب لها رايس، ولا يمكن تجنب آثارها إلا بحوار فلسطيني داخلي، حوار بدأ ولا يجوز ايقافه، وإلا فإن الثمن سيكون غاليا جدا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف