جريدة الجرائد

الأسبرين... هل يستحق بجدارة لقب الدواء المعجزة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين: 2006.10.09

د. أكمل عبد الحكيم

إذا ما وضعنا قائمة بأكثر الإجراءات الطبية الوقائية فعالية، فسوف يحتل رأس هذه القائمة، تناول جرعة يومية بسيطة من الأسبرين. فالدراسات الطبية الإحصائية، تظهر جميعها أن تناول جرعة مصغرة من الأسبرين، يحقق قدراً كبيراً من الوقاية ضد أمراض شرايين القلب، وخصوصاً بين الرجال الذين تخطوا سن الأربعين، وبين النساء اللواتي بلغن سن اليأس، وكل من هم عرضة لاحتمالات مرتفعة من الإصابة بأمراض شرايين القلب. وهي الحقيقة التي دفعت باللجنة الوطنية للخدمات الطبية الوقائية في الولايات المتحدة (US Preventive Services Task Force) إلى توصية جميع الأطباء، بمناقشة فكرة تناول جرعة يومية من الأسبرين لمرضاهم المعرضين لاحتمالات مرتفعة من الإصابة بأمراض شرايين القلب. وتأتي هذه التوصية بسبب أن 565 ألف أميركي يتعرضون سنوياً للذبحة الصدرية، ولدى 300 ألف من هؤلاء تحدث نوبات الذبحة الصدرية أكثر من مرة في العام الواحد. ولدى ثلث تلك الحالات، تتسبب هذه الذبحات في الإصابة بهبوط القلب الحاد في غضون ست سنوات من تاريخ الإصابة، وفي الإجمالي يلقى 480 ألف أميركي حتفهم سنوياً بسبب أمراض شرايين القلب. هذه الأرقام والنسب والإحصائيات، لا تنطبق فقط على الولايات المتحدة، بل تتكرر بشكل مقارب في معظم بلدان العالم، حيث تعتبر أمراض شرايين القلب من "القتلة الدوليين الكبار". والغريب أن الدراسات الإكلينيكية، تظهر أنه من الممكن الوقاية من أمراض شرايين القلب بتبعاتها القاتلة وغير القاتلة، وفي 30% من الحالات، من خلال تناول جرعة يومية بسيطة من الأسبرين. وبما أن الأسبرين من أرخص الأدوية ثمناً، وبناء على فعاليته الشديدة في الوقاية من الإصابة بالذبحة الصدرية، حيث يحقق نسبة وقاية تبلغ 30%، يحتل تناول جرعة يومية من الأسبرين رأس قائمة أكثر الإجراءات الطبية الوقائية فعالية.

هذه الفائدة، ليست هي النهاية في مسلسل المعجزات والاستخدامات التي تكتشف يوماً بعد يوم لهذا العقار، والذي أصبح يعرف بالدواء السحري (wonder drug)؛ ففي نهاية الأسبوع الماضي، اكتشف مجموعة من العلماء في معهد الأبحاث الجينية بجامعة "نيوكاسل" في بريطانيا، كيفية إعاقة الأسبرين لنمو وانتشار الأورام السرطانية. في هذه الدراسة، التي نشرت في إحدى الدوريات العلمية المرموقة

(The Journal of the Federation of American Societies for Experimental Biology)، أثبت العلماء أن الأسبرين يؤثر سلباً على الأوعية الدموية التي تعتمد عليها الخلايا السرطانية في الحصول على الأوكسجين والغذاء، وفي الانتشار إلى أجزاء الجسم المختلفة. وبهذه النتيجة، يكون علماء "نيوكاسل" قد نجحوا في تفسير ما أظهرته الدراسات الطبية الواحدة تلو الأخرى في الآونة الأخيرة، وهو أن الأسبرين يمكن أن يشكل خطاً دفاعياً مهماً في مجال الوقاية من أنواع معينة من الأورام السرطانية. إحدى تلك الدراسات، كان قد أجراها علماء جامعة "كولومبيا" على قرابة ثلاثة آلاف امرأة، وأظهرت أن الأسبرين نجح في خفض احتمالات الإصابة بسرطان الثدي بحوالى 28%، بين من كنَّ يتعاطينه بشكل يومي من النساء المشاركات في الدراسة. بينما قام علماء مركز سرطان "فوكس تشيز"، بنشر نتائج دراسة أظهرت أن التعاطي اليومي للأسبرين يحتمل أن يكون له دور مهم في علاج سرطان المبيض. وهو ما يعني أنه بالإضافة لاستخدامات الأسبرين التقليدية، والمتمثلة في علاج الصداع العادي والنصفي، وعلاج الحمى، وتخفيف الآلام والالتهابات، مثل آلام والتهابات المفاصل، يمكن أيضاًٍ استخدام الأسبرين في الوقاية من أمراض شرايين القلب، وفي طائفة واسعة من الأمراض السرطانية، مما يجعله من أكثر العقاقير تنوعاً في الاستخدام وتعدداً في الفوائد. وكما يستخدم الأسبرين للوقاية من أمراض شرايين القلب، يستخدم أيضاً لمنع تكرار الإصابة بالسكتة الدماغية، الناتجة عن أمراض شرايين المخ، فيما يعرف بالوقاية الثانوية (secondary prevention). ولا تتوقف استخدامات الأسبرين عن هذا الحد، حيث لا زال يعتبر الاختيار الأفضل مثلاً لعلاج الالتهاب الناجم عن الحمى الروماتيزمية، والتي قد تؤثر على القلب والمخ والمفاصل.

ورغم أن استخدام الأسبرين يحمل معه بعض المخاطر والأعراض الجانبية، مثله مثل غالبية العقاقير الطبية الأخرى، فإن حجم الفوائد التي تجنى منه أكبر وأعظم بكثير من مضاره. فمثلاً هناك خطر النزيف الحاد من الجهاز الهضمي، والذي تحاول شركات الأدوية المصنعة لعقاقير أخرى منافسة للأسبرين تضخيمه قدر الإمكان. ورغم نجاح الشركات المنافسة إلى حد كبير في تضخيم هذا الخطر، فإن الدراسات الإحصائية، أظهرت أن الجرعات المنخفضة من الأسبرين، تزيد من احتمالات التعرض لنوبات من نزيف الجهاز الهضمي بمقدار 0.13% فقط. أي أنه من بين كل 800 شخص يستخدمون جرعات منخفضة من الأسبرين يومياً للوقاية من الذبحات الصدرية مثلاً، سوف يتعرض واحد منهم فقط لنوبة من النزيف الحاد. ويمكن تجنب حدوث حالة النزيف الوحيدة هذه في نفس العدد السابق من المرضى، ولكن بتكلفة تزيد على مليون وربع مليون دولار في العام الواحد، من خلال استخدام الدواء البديل (Clopidogrel). ولذا لتجنب حفنة قليلة من حالات النزيف في العام، فلابد من ضخ عشرات الملايين من الدولارات، لتحقيق نفس الفائدة التي يحققها الأسبرين. وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الأسبرين، يستحق بجدارة لقب الدواء المعجزة، على الرغم من أن الطب الحديث لم ينتهِ بعد من اكتشاف جميع استخداماته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف