«حرية التعبير» والرقابة الذاتية في الحرب على الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء: 2006.10.10
تيموثي جارتون آش - واشنطن بوست
كل يوم تقريباً يمر علينا يشهد تهديداً جديداً لحرية التعبير. فهناك الآن مدرِّس فلسفة فرنسي قرر الاختفاء هرباً بحياته من تهديدات القتل المنشورة على موقع إسلامي على شبكة الإنترنت، لأنه نشر مقالاً في صحيفة فرنسية يقول فيه "إن محمداً يظهر في القرآن كسيد للكراهية"، كما تم منع رفع أوبرا لموزارت يظهر فيها مشهد لشخصيات كرتونية تمثل النبي محمد والمسيح وبوذا من الظهور في دار الأوبرا الألمانية في برلين بعد أن تلقت الشرطة المحلية محادثة هاتفية من مجهول يهدد بارتكاب أعمال عنف ضد الأوبرا. هذا في الأسبوع الماضي فقط.
ولو عدنا للوراء قليلاً فسنجد حادث اغتيال المخرج الهولندي "ثيو فان غوخ"، والتهديد بالقتل الذي تلقته كل من "أيان حرسي علي" وسلمان رشدي من قبلها. كما تلقى ناشط بريطاني مناوئ للفاشية تهديداً بالقتل بعد طبع صورته واسمه على موقع "يميني" على الانترنت يطلق عليه "رد واتش"، كما قامت مجموعة من الناشطين في مجال حقوق الحيوانات بتوجيه تهديدات بالقتل لبعض الباحثين الذين يستخدمون تلك الحيوانات في تجاربهم وكذلك لعائلاتهم، وهناك أيضاً ما قام به السيخ عندما أجبروا السلطات البريطانية على إيقاف عرض مسرحية لم يرضوا عنها، وقيام متطرفين مسيحيين بضرب موظفي "بي بي سي" لأنهم سمحوا بتصوير عرض "جيري سبنجر" الذي رأوا فيه إساءة بالغة للسيد المسيح.. هل هناك حاجة لعرض المزيد من الحالات أم أن ذلك يكفي؟
وعلى ما يبدو أن جماعات "المتعصبين بلا حدود" لازالت سادرة في غيها، ومن الخطأ أن نصف ذلك بأنه مجرد حرب على الإرهاب، لأن خصومنا ومنظريهم متنوعون للغاية في الحقيقة. وإذا اعتقدنا أننا لسنا منخرطين في صراع ضد أعداء للحريات بأشكال متنوعة، ولا يقلون خطورة ودماراً عن هؤلاء الأعداء الذين واجهناهم في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي فنحن إذن نعيش في "جنة الحمقى". فها نحن نواجه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تآكلاً لحرية التعبير مرشحاً للتزايد إذا لم نعِد العدة للحيلولة دون استفحاله.
وهذا التآكل يحدث بطرق متعددة ومختلفة من أكثرها وضوحاً استخدام العنف أو التهديد باستخدامه من قبيل: "إذا ما قمت بذلك فسنقتلك"، وتوجيه مثل تلك التهديدات بات سهلاً في عصرنا من خلال وسائل مثل الانترنت والبريد الاليكتروني والهواتف النقالة. فذلك المدرِّس الفرنسي اضطر إلى الاختفاء لأن موقعاً على شبكة الإنترنت أطلق عليه "الخنزير الذي سيعاقب بواسطة أسود فرنسا". كما عاقب أسد هولندا محمد البويري المخرج "ثيو فان غوخ". وهناك وسائل أقل حدة وفجاجة من ذلك مثل الاحتجاج المبطَّن بالتهديد باستخدام العنف.
كما أن ثمة وسائل لمواجهة هذه التهديدات أو توقيفها من الأساس. فقد وصفت المستشارة "أنجيلا ميركل" قرار الأوبرا الألمانية بسحب أوبرا موزارت وصفاً مناسباً وهو أنه: "رقابة ذاتية تتم خوفاً من التهديد". بيد أن الرقابة الذاتية يمكن أن تأتي بطريقة أخرى مثل الرقابة الذاتية التي تتم في إطار الاعتراف بضرورة تحقيق التناغم بين الثقافات المتعددة التي تعيش في مجتمع واحد أو في مجتمعات مختلفة على أساس الاحترام المتبادل بمعنى: "إنك إذا احترمت مقدساتي فسوف احترم مقدساتك".والتهديدات تأتي من مصادر مختلفة غير أنه سيكون من السخف أن نتظاهر بأن المتطرفين ليسوا ضمن زعماء الترهيب الحاليين، ولكننا يجب أن نعترف أنهم ليسوا وحدهم في ذلك.
فحتى وأنا أكتب هذا المقال لا زالت الأنباء تصل لي عن صديق اسمه "طوني جدت" وهو مؤرخ وناقد صريح للسياسات الإسرائيلية الحالية، كان مقرراً أن يدلي بحديث في مقر القنصلية البولندية في نيويورك موضوعه "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" ولكن هذا الحديث ألغي بعد أن تلقت الجهة المضيفة مكالمات هاتفية من مجموعتين من المجموعات اليهودية تطلب وقف ذلك الحديث وذلك حسبما جاء على لسان مصدر في القنصلية البولندية. مثل هذه المحادثات الهاتفية لا تقارن بالطبع بتهديدات القتل، ولكنها تعتبر مع ذلك جزءاً من عملية تآكل مطردة متعددة الجبهات لحريات التعبير، حتى في البلدان التي كانت تعد معاقل كلاسيكية لتلك الحرية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
ما الذي يتعين علينا عمله؟ بادئ ذي بدء يجب علينا أن ننتبه لخطورة تلك التهديدات، كما يجب علينا أن نفتح حواراً حول ماهية الأشياء التي يجب على القانون أن يسمح بقولها وكتابتها وما لا يجب أن يسمح به.. وما هي الأشياء العاقلة أو الحصيفة التي يجب أن نقولها في عالم معولم يعيش فيه أناس ينتمون إلى ثقافات مختلفة في تقارب شديد بين بعضهم بعضاً مثلما يعيش زملاء الغرف الذين لا يفصل بين سرير الواحد منهم وسرير الآخر سوى ستار.
وأنا شخصياً أعتقد أن مقالة "ريديكر" وهو اسم الفيلسوف الفرنسي لم تكن متعقلة ولا معتدلة فليس من الاعتدال ولا التعقل أن يشبِّه الإسلام كله وليس الإسلاموية أو الجهادية فقط بأنه معادل للشيوعية على الطراز السوفييتي، كما لم يكن من الاعتدال ولا التعقل أن يصف نبي الإسلام بأنه "داعية حرب". نعم يجب علينا أن نقول رأينا الرافض لمثل هذه الآراء، ولكن عندما يقوم المتعصبون بتهديده بالقتل، فلابد من رفض هذه التهديدات.
إننا جميعاً مطالبون الآن بأن نلعب دورنا وأن نعرف أن مستقبل الحرية يعتمد على سيادة الكلمات وليس سيادة السكاكين.