مساجد للدولة في الأردن في مواجهة «فوضى» الإفتاء «غير الشرعي»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الملك عبدالله الثاني يسعى الى إيجاد جيل من الدعاة الجدد ومؤسسات دينية معتدلة ...
عمان - رنا الصباغ، الحياة
بدأ الأردن حملة لتعزيز "الإسلام المعتدل"، عبر إعادة تأهيل أئمة ووعاظ المساجد، والتحكم بالفتاوى، وإخضاع المؤسسات الدينية الرسمية إلى سلطة الدولة، بهدف "تحجيم خطاب التكفير والتشدد الديني والسياسي" المتنامي والذي "بات يهدد أمن مملكة تغنت بالاعتدال والوسطية لعقود".
تهدف الحملة ذات الجوانب الإدارية والسياسية والأمنية، إلى عزل التطرف، من خلال إدارة الحالة الدينية العامة باتجاه يعيد تعريف الوظيفة الاجتماعية والسياسية للدين في مجتمع تقليدي محافظ حكومته موالية للغرب. وتهدف ايضاً الى نزع سلاح الفتاوى من جماعة "الإخوان المسلمين"، حلفاء الدولة لأكثر من ستة عقود قبل أن تنقلب الموازين أخيراً بسبب ضرورات السياسة الخارجية للأردن، ومن المجموعات المتشددة كالتيار السلفي الجهادي الذي يكفر الدولة سياسياً ويتبنى فتاوى متشددة تنبذ الحوار والتعددية والتعايش الديني والمذهبي.
العاهل الأردني يفتتح مسجد كهف أهل الكهف في عمان
الجهد الرسمي لإصلاح الخطاب الدعوي جاء بداية العام 2005، بعد سنوات من غياب دور وزارة الأوقاف وتهميشه، عندما قرر الملك عبدالله الثاني (44 عاماً) التدخل شخصياً وإطلاق "رسالة عمان" لتأكيد التعاليم السماوية المشتركة، بعد حملة التشويه التي طاولت الدين الإسلامي، عقب الهجمات الإرهابية على أميركا في العام 2001.
عرضت الرسالة على مؤتمر ديني إسلامي عالمي استضافه الملك قبل عام، "لتظهير الجهد الهادف إلى إبراز الصورة الحقيقية للإسلام، ووقف التجني عليه، ورد الهجمات عنه، بحكم المسؤولية الروحية والتاريخية الموروثة التي تحملها القيادة الهاشمية".
المفارقة كانت في أن "رسالة عمان" لاقت اهتماماً وترحيباً ومتابعة في الخارج فاقت أضعاف ما حظيت به في الأردن، بسبب سيطرة الجو الانفعالي على الشارع، وعلى عدد كبير من المساجد، بخاصة تلك التي يعتلي منابرها شيوخ متشددون.
فشلت غالبية المساجد الـ 4047 العاملة في مناطق المملكة، في محاكاة مفاهيم الرسالة الوسطية، وتكريس قيمها، من خلال تغيير الخطاب الديني. غالبية الأئمة والوعاظ والخطباء لم تستطع عكس مفاهيم الرسالة لأسباب عدة، من بينها نقص حاد في الأعداد، والتفاوت في المستويات الثقافية والدينية، وضعف وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية، وهي الجهة المسؤولة عن مواصلة تأهيل رجال الدين، وتنظيم الوقف وإدارته، من مساجد، ومدارس ومعاهد دينية، وشؤون الحج والإفتاء وغيره.
ثم جاءت تفجيرات فنادق عمان الثلاثة في نهاية العام 2005، وبتدبير من تنظيم "القاعدة" في العراق بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل قبل اشهر، لتكشف عمق الخلل في المنظومة القيمية السائدة في المجتمع تجاه ثقافة الكراهية والعنف والفكر التكفيري، وبرزت اتجاهات مجتمعية جديدة عكستها استطلاعات الرأي دلت على تراجع حاد في شعبية القاعدة. الأخطر أن دراسات أخرى رسمية دلت الى أن القاعدة الاجتماعية للزرقاوي ممن لم يحسموا موقفهم منه أو من الإرهاب، قد تصل إلى ثلث عدد السكان. ويقول مسؤول أردني: "صار من الضروري التحرك سياسياً، وأمنياً، وبسرعة كبيرة، لضبط فلتان المساجد، وتغيير وجهة الخطاب الديني، في أجواء تفاقمها قضايا غلاء المعيشة والإحباط السياسي جراء سياسات أميركا وإسرائيل في المنطقة".
رصدت الحكومة 1.5 مليون دينار في ملحق موازنة إضافي لعام 2006، لوزارة الأوقاف، التي عملت أيضاً على تشديد تعليمات بناء المساجد، ووقف التشييد العشوائي للمساجد، والإصرار على توافر مواقف للسيارات وسكن مناسب للإمام.
المشكلة أن سرعة انتشار المساجد في مدن وبوادي ومخيمات المملكة لا تواكب الزيادة في عدد الأئمة المتوافرين، ناهيك بتفاوت مستوياتهم العلمية والعملية، مما يعني بقاء 758 مسجداً، بخاصة خارج عمان من دون إمام متفرغ. وفي حالات كثيرة، يؤم المصلين احد المتطوعين من رواد المسجد، أو متشدد، أو أئمة من مصر وسورية.
وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، عبدالفتاح صلاح، في لقاء مع "الحياة" انه خلال الأشهر الثمانية الماضية، تم تعيين 1400 إمام وواعظ، وخطيب ومؤذن وخادم، لتعزيز دور الوزارة "التوجيهي التوعوي". وقبل أسابيع أدى القسم القانوني 133 إماماً، وجميعهم يحمل شهادة البكالوريوس، ضمن نهج جديد تسعى الوزارة الى تعميمه قدر الإمكان.
في المقابل، رفعت الجامعات الرسمية مستوى معدلات القبول في كليات الشريعة هذا العام, لرفع مستويات المتخرجين. وتسعى كليات أخرى إلى استرجاع تدريس الإنسانيات والفلسفة.
وقال صلاح إن الوزارة معنية بموضوع تأهيل الأئمة، بالاتفاق مع دائرة الإفتاء في القوات المسلحة، إذ عقدت أكثر من عشر "دورات إنعاشية" لعدد كبير منهم خلال الأشهر الماضية، "وفي ذلك أول تدريب بهذا الزخم والتعدد في المواضيع، إضافة إلى التركيز على مهارات الاتصال الجماهيري، لأنها عملية مهمة ويجب على الإمام أن يكون مقنعاً في إيصال المعلومة والرسالة الدينية". وتابع الوزير صلاح أن الورشات ركزت على مضامين "رسالة عمان"، وستستأنف بعد انتهاء شهر رمضان، لإنهاء تدريب جميع الأئمة، وعددهم 2600، أقل من نصفهم غير مؤهل.
بالتزامن مع ذلك، وزعت الوزارة دليلاً، او ما تسميه "المادة العلمية المساعدة في الخطب النموذجية"، يقع في 411 صفحة ليستعين به خطباء الجمعة، بسبب التفاوت في مستوياتهم, وأثار توزيعه انتقادات واسعة في أوساط التيار المتشدد. وهذا الأسبوع أعلن رسمياً عن إقامة معهد الملك عبدالله الثاني لتأهيل الدعاة والوعاظ والأئمة وتدريبهم لتطوير "العمل الدعوي". ويناقش حالياً مشروع نظام المعهد الذي سيعتمد قاعات وصالات مسجد أهل الكهف في بلدة الرقيم خارج عمان، والذي افتتحه الملك عبدالله قبل أيام.
كما نظم القصر في شهر الصوم زيارات ملكية لبعض المراكز الإسلامية النموذجية الجديدة التي أقيمت قرب بعض المساجد لتدريس القرآن الكريم، ومبادئ التربية الإسلامية "القويمة"، إضافة الى إقامة دورات تعليم لغة انكليزية ومهارات الكومبيوتر. وقال غسان غزوان، أحد طلاب مركز زينب الإسلامي، ان المركز يهدف "إلى تحقيق رسالة الإسلام الوسطية وبيان ضرورة محاربة الإرهاب ترغيباً للناس في الدين".
ورافق عملية تعزيز دور الدولة في عملية الإرشاد الديني، سن منظومة تشريعات أقرها البرلمان قبل أسابيع خلال دورة استثنائية، فسرت بأنها تهدف الى منع "الإخوان" من استعمال دور العبادة في عملية انتشارهم وتعزيز حضورهم الشعبي.
وكان مجلس النواب تراجع عن تعديلاته التي ادخلها على قانوني "الإفتاء"، و "الوعظ والإرشاد"، لتنسجم مع الهدف الذي وضعته الحكومة. وسيلحق ذلك قوانين وسياسات جديدة متوقعة مرتبطة بالجمعيات والأندية التي تتولى تدريس القرآن الكريم وعلوم الشريعة.
والقانون الجديد حصر مهمة الإفتاء بالمفتي العام في المملكة، أو مجلس الإفتاء، لمنع فوضى الفتاوى، بخاصة تلك التي يصدرها "شيوخ" حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين، والتي سبق وأقدم بعض رموزها المتشددين على تكفير الحكم وتحريم المشاركة في الوزارات.
وحصر المجلس وسائل الوعظ والإرشاد في المساجد، بالعلماء المؤهلين الذين فرض عليهم القانون وجوب الحصول على إذن خطي مسبق للخطابة أو الوعظ، من وزير الأوقاف، منهياً بذلك قضية خلافية بين الحركة الإسلامية والحكومات المتعاقبة منذ عقد منع خلاله خطباء المعارضة من اعتلاء منابر المساجد بحجة عدم تسييس الدين واستغلاله لأهداف حزبية.
وقال زكي بن رشيد، الأمين العام لـ "حزب جبهة العمل الإسلامي"، الذي يحتل أعضاؤه 16 من أصل 110 مقاعد في مجلس النواب، ان "الدولة تصادر الحريات العامة، وتؤمم المساجد والمنابر... في عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي".
الخطوة تعكس أيضاً عمق الأزمة في علاقة التعايش بين الإخوان والنظام، والتي بدأت مع توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994، واشتدت بعد فوز حركة "حماس" الفلسطينية في الانتخابات التشريعية أوائل العام، على وقع صعود نجم الإسلام السياسي في كل الانتخابات التي جرت في المنطقة بدعم أميركي منذ سقوط بغداد عام 2003.
وتعتبر الحركة الإسلامية الأردنية قـانـون الإفـتاء الأخير، كما قـانـون الوعظ والإرشاد، مناقضاً لـ "الإسلام والدستور الأردني" على اعتبار أن الإسلام حض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبيان حكم الله، وحرم كتمان العلم.
وقال الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني، رئيس لجنة علماء الشريعة في "حزب جبهة العمل"، والذي اصدر العشرات من الفتاوى سابقاً، ان القانون الأخير "يستهدف حضور الحركة في المجتمع، ويصادر حرية الرأي والاجتهاد، بل ويريد أن يصبغ الأمة بصبغة الحكومة".
وقال كيلاني، وهو احد رموز التشدد في الحركة، ووزير أوقاف سابق، إن "الاجتهاد في الإسلام لم يكن يوماً حكراً على الحاكم أو من يعينه" لأنه "حق لكل من كان مؤهلاً علمياً وشرعياً من أصحاب الشهادات العليا، وأساتذة الشريعة".
وكانت آخر فتاوى اللجنة التي يترأسها كيلاني صدرت في 30 تموز (يوليو) الماضي وقضت بوجوب نصرة "حزب الله" اللبناني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وذلك رداً على فتاوى رسمية عربية حرمت ذلك.
واستبعد كيلاني أن تلجا الحركة الإسلامية إلى حل لجنة الفتوى في الحزب. وقال لـ "الحياة": "نحن الآن بين خياري الالتزام بقول الله وحكمه، وبين حكم القانون"، ليخلص إلى أن الحركة "ستنحاز الى حكم الله".
ولم يختلف رأي حزب الوسط الإسلامي الأردني، القريب من التوجهات الرسمية كثيراً، عن رأي الإخوان المسلمين، وإن كان اقل حدة في انتقاد الحكومة. ورفض مروان فاعوري، الناطق الرسمي باسم الحزب الذي خرجت غالبية قياداته وكوادره من عباءة الإخوان المسلمين قبل سنوات، أن تكون هناك سيطرة حكومية على الإفتاء وتحديد المفتين، ودعا إلى هيئة مستقلة تتولى شؤون الإفتاء "لتحظى بالصدقية والثقة وتبعث الطمأنينة لدى الناس".