جريدة الجرائد

تفجيرات كوريا: هي حرب باردة جديدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


توماس فريدمان - نيويورك تايمز


يمكن القول ان عصر ما بعد الحرب الباردة عصر جيد. فانهيار الشيوعية، وانتشار ديمقراطيات السوق الحرة والعهد العام للاستقرار الذي سعت اليه ودفعت ثمنه الولايات المتحدة، كل ذلك اجتمع ليخلق عالما باتت فيه الصين والهند قادرتين على النهوض سلميا، وحققت فيه اميركا الرخاء وأصبحت فيه أميركا حرة وواحدة. أجل، كانت هناك أحداث الحادي عشر من سبتمبر والبوسنة وظهور دكتاتوريي البترول والحروب الأفريقية، وهي اشياء يصعب اعتبارها بسيطة. ولكن على العموم، وبالمقارنة مع القمع الواسع والمجابهة النووية التي ميزت الحرب الباردة، فإن عصر ما بعد الحرب الباردة هو أفضل بكثير بالنسبة لكثير من البشر.

وقد يجادل المؤرخون يوما ما بأن عصر ما بعد الحرب الباردة بدأ يوم التاسع من نوفمبر، وانتهى يوم التاسع من أكتوبر، فقد سقط جدار برلين يوم التاسع من نوفمبر عام 1989، وهو ما دشن الدخول الى عالم الحرب ما بعد الباردة. وحدث الاختبار النووي الذي قامت به كوريا الشمالية يوم التاسع من اكتوبر 2006، وهو ما يمكن ان يكون قد دشن الخروج من عصر عالم الحرب ما بعد الباردة والدخول الى عصر جديد أكثر اشكالية، وهو عالم ما بعد ما بعد الحرب الباردة.

وهذا العصر سيتحدد بثلاث سمات جديدة، اذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن. الأولى آسيا النووية، وهو ما اثاره عرض كوريا الشمالية اسلحتها النووية. فالى متى ستبقى اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية بلدانا غير نووية ارتباطا بتفجير كيم يونغ ايل قنبلته؟ والثانية هي الشرق الأوسط النووي. فايران واثقة تقريبا بالسير على خطى كوريا الشمالية، وما أن يمتلك الفرس الشيعة في ايران القنبلة، فكم سيمضي من الوقت حتى يمتلكها العرب السنة في السعودية ومصر بل وسوريا؟ اما السمة الثالثة فتقسيم العراق في قلب العالم العربي، بتأثيره على اسعار النفط والإرهاب.

كل هذا سيضيف جديدا لعالم ما بعد الحرب الباردة الأكثر خطورة وتقلبا، ما لم... ما لم ماذا؟ ما لم تقم الصين وروسيا بعمل مشترك وتدركان ان عالم ما بعد ما بعد الحرب الباردة هو تهديد لازدهارهما أكبر بكثير من عالم ما بعد الحرب الباردة الذي كانت القوة الأميركية تهيمن عليه. وستفهمون ما اقصد حين اقول ان عالم ما بعد الحرب الباردة يمكن الحفاظ عليه فقط عندما تتغلب روسيا والصين على ازدواجيتهما تجاه القوة الأميركية، واذا ما تغلب فريق بوش على ازدواجيته تجاه ايران وكوريا الشمالية.

كيف ذلك؟ لم يعد لدى واشنطن عقوبات كافية فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية. ليس لدينا اية عقوبات من جانب واحد يمكننا استخدامها للضغط على أي من النظامين لوقف مغامرتهما النووية. الدولتان الوحيدتان التي يمكنها التأثير على كوريا الشمالية وايران هما الصين وروسيا.

واذا ما ابلغت الصين كوريا الشمالية انها اذا لم توقف برنامجها النووي وتسمح للامم المتحدة بتفتيش تسهيلاتها النووية، فإنها أي بكين ستقطع مساعدتها في مجال الطاقة والغذاء، فإن كيم يونغ الثاني سيتراجع. فهو ليس شخصية انتحارية. أي شيء اقل من هذا التهديد الصيني المباشر سيعني ان كوريا شمالية نووية ومن ثم آسيا نووية وهو الامر الذي لن يكون جيدا لاحتمالات النمو الصينية.

واذا ما ابلغت الصين وروسيا ايران انهما سينضمان الى اكثر العقوبات الاقتصادية تشددا على طهران، اذا ما اصرت على برنامجها النووي، فإن آيات الله سيتراجعون. لأن ذلك سيشجع الاوروبيين على الانضمام الى العقوبات وستواجه طهران جبهة موحدة.

ومن المؤكد حصول التحركين على مساعدة كبيرة، اذا ما صدر بيان من فريق بوش انه تغلب على الصراعات الداخلية وقرر متابعة التغييرات في السلوك بدلا من تغييرات النظام في كوريا الشمالية وايران، وانه على استعداد لتقديم ضمانات امنية واضحة الى الجانبين اذا ما اوقفا برنامجهما النووي. وعندما لا تتمكن ادارة من اتخاذ قرار بين تغيير النظام او تغيير السلوك، لا يمكنها تحقيق أي منهما. وهو ما وصل اليه فريق بوش.

ولذا فإنه بفضل الاختبار النووي لكوريا الشمالية، توصلنا الى لحظة الحقيقة. نعم يجب علينا اتخاذ قرار، ولكن يجب ايضا على موسكو وبكين اتخاذ القرار. فهما يدافعان بصفة دائمة عن حلول "متعددة" هل سيوقعان على عقوبات اقتصادية متعددة قوية، يمكن ان تنجح مع ايران وكوريا الشمالية وتجعل "البديل العسكري الاميركي الفردي غير ضروري؟ اذا ما ارادت كل من روسيا والصين استمرار عالم ما بعد الحرب الباردة، فلا يمكنهما عدم بذل اية مجهودات ـ معارضة كل من القرارات الفردية الاميركية والقرارات المتعددة الفعالة التي تتطلب منهما القيام بشيء صعب. وعليهما دفع الثمن للحفاظ على هذا العالم.

واذا ما فعلا ذلك، فإن عالم ما بعد الحرب الباردة البعيد عن المخاطر سيستمر. اذا لم يشاركا، واستمرا في محاولات الركوب مجانا في حافلتنا، ستتوقف المسيرة ـ لأن اميركا لا يمكنها الاستمرار في سير هذه الحافلة وحدها، ولا سيما عندما يصبح الطريق خطرا. لقد توقفت الحافلة هنا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف