ثارات صدام حسين: شهود تحت الخطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بريان بينيت - التايم
عندما اعتلى احمد حسن محمد الدجيلي المنصة باعتباره الشاهد رقم 1 في محاكمة صدام حسين في شهر كانون الاول - ديسمبر الماضي، فإنه ربما يكون فكر بأن أسوأ الكوابيس قد باتت خلفه. فبعد ظهر احد ايام تموز - يوليو من عام 1982، وبعد يومين من اقدام مسلحين على فتح نيران اسلحتهم على الموكب الرئاسي، تم تطويق احمد والذكور كافة في عائلته على أيدي الحرس الجمهوري الخاص لصدام، وتم في نهاية المطاف اطلاق سراح احمد واحد عشر من اخوانه. اما الآخرون فقد اختفوا. وبعد سنتين وقع صدام على مرسوم يقضي بإعدام ستة من إخوة احمد، بينما مات السابع خلال الاستجواب. وكان هؤلاء في عديد المائة وثمانية واربعين رجلاً وفتى ممن يواجه صدام تهمة إصدارة امر إعدامهم انتقاماً لمحاولة اغتياله. ويقول احمد انه عندما استذكر تلك الاحداث المرعبة في المحكمة نظر الى صدام، فعبث صدام بلحيته ونظر الى أحمد مباشرة ثم مرر سبابته عبر حنجرته.
ومنذ ذلك الوقت، عاد الكابوس الى الدجيلي، حيث يعتقد احمد بان تعمد صدام الايماء الى الحنجرة بينما كانت كاميرا التلفزيون تصوره كان بمثابة رسالة الى الموالين للرئيس العراقي السابق لتصفية عائلة أحمد. وقد تم فعلاً خطف اثنين من ابناء عمومته في تموز ولم يسمع عنهما اي شيء منذ حينه. وفي السادس من آب - اغسطس، هوجم اخوه علي حسن محمد الدجيلي، وهو شاهد آخر، وسط مدينة الدجيل. كما قتل ابن شقيقته حسام اثناء محاولته حماية علي. وعندما هب شقيق احمد الأصغر جعفر لأخذ جثة حسام، اطلق قناص كان يكمن متصيداً عدة طلقات على جعفر فأصابه في ساقه. وقد نجا جعفر، لكنه سيسير دائماً وهو يعاني من عرج مفرط. لقد كان في عداد المحظوظين.
ويقول عمدة البلدة الحاج محمد حسن الزبيدي ان نحو مائة وثمانين شخصاً في الدجيل قتلوا منذ بدء محاكمة صدام في تشرين الاول - اكتوبر من عام 2005. لكن بسام رضا، مستشار رئيس الوزراء العراقي حول شؤون محاكمة صدام وضع الرقم عند ما يقرب المائتي قتيل. وثمة ثمانون آخرون ممن اختفوا بينما كانوا يسافرون على الطريق بين الدجيل وبغداد. ويتساءل محمود حسين الخزرجي رئيس مجلس مدينة الدجيل "هل سمعت بمثلث برمودا؟ إن هذا الأمر مثله تماماً".
من المفترض أن تصدر هيئة من خمسة قضاة حكماً نهائياً حول ما اذا كان صدام ونظامه قد قام بعمليات القتل الاصلية المائة والثمانية والاربعين في الدجيل في السادس عشر من تشرين الاول (أكتوبر) الحالي. واذا ما أدين، فإنه سيواجد عقوبة الاعدام. وتجرى هذه المحاكمة، كما هو شأن محاكمة ثانية ركزت على مجزرة ارتكبت بحق اكراد عراقيين في عام 1988، داخل المنطقة الخضراء التي تحظى باجراءات امنية مشددة، حيث منحت سلسلة من القضاة المتعاقبين للدكتاتور العراقي السابق فرصة الاستماع الى اقواله، وهي الفرصة التي لم يكن يتيحها لضحاياه البتة. لكن بالنسبة لكثيرين آخرين مرتبطين بالمحاكمتين، فإنه لم يكن هناك ملجأ من قتلة يحققون العدالة -كما ويأخذون الثأر- بأيديهم. فقد أقدمت فرق الاعدام الشيعية على قتل أحد محامي الدفاع، بينما استهدف بعثيون سابقون عائلات المدعين والقضاة. وكان صهر محمد عريبي الخليفة، القاضي الذي رأس المحاكمة الثانية، قد قتل اوائل الشهر الحالي في بغداد. واذا كان الهدف من محاكمة صدام هو مساعدة العراقيين على دفن اثافي حكمه الاجرامي، فإن موجة عمليات القتل الثأرية كانت بمثابة تذكير بالفوضى العارمة التي أعقبت تلك الفترة.
إن المحاكمة لم تجلب التعاسة على مكان آخر مثلما جلبت على الدجيل، تلك البلدة التي يبلغ عدد سكانها 84000 نسمة، معظمهم من الشيعة وتقع في وسط المثلث السني. فمنذ بدء محاكمة صدام، ظلت الدجيل عرضة للاختراق على أيدي فرق اعدام تابعة لبعثيين سابقين. ويعتقد سكان البلدة ان تلك الفرق تلقت اوامر من مؤيدي صدام السابقين بقتل عائلات الشهود. وتجدر الاشارة الى ان عدداً من خلايا التمرد التي تنشط في منطقة تقع حول "تكريت" بلدة صدام التي تبعد مسافة خمس واربعين دقيقة بالسيارة الى الشمال من الدجيل قد استهدفت اقارب الشهود الذين نادراً ما يغادر معظمهم المنطقة الخضراء. ويقول ابو حامد، وهو قائد خلية وطنية تقع الى الشمال من الدجيل ان أياً من الشهود إذا ما غادر المنطقة الخضراء وبنيته العودة الى البلدة "فإننا سندمر كل الدجيل. واذا كان اهل الدجيل يسمحون لهؤلاء الاوغاد بالعيش في البلدة فإنهم سيلقون نفس المعاملة".
وتعكس ورطة البلدة حالة التدهور الاوسع التي يعاني منها النظام في منطقة وسط العراق، حيث دمر المتمردون مرافق المياه والكهرباء في البلدة. ويقول عمدة البلدة الزبيدي انه يحتاج الى مائتي شرطي آخر او عنصر من الحرس الوطني العراقي لتأمين مداخل ومخارج الدجيل. ويضيف انه لم يتمكن حتى الان من إقناع الحكومة العراقية بارسال تعزيزات الى البلدة، ويقول " اننا لم نتلق اي دعم من اي من الحكومات. وثمة حصار مضروب على الدجيل تقريباً ولا نستطيع التحرك. وإذا ما امسكوا بك على الطريق الى بغداد وعرفوا بأنك من الدجيل، فإنك ستقتل في الحال". وبالرغم من ان البلدة قد وفرت لعلي ثلاثة حراس شخصيين من افراد الشرطة، فإنه يشعر بأنه عرضة للخطر، ويقول "إنني عرضة للاصطياد. والحكومة آخذة في إهمال الدجيل".
تتحدث عمليات القتل في الدجيل عن معركة اضخم يجري شنها في داخل النفسية العراقية. ففي دولة صدام البوليسية، كانت هناك حدود قابلة للابحار فيها ما جعل من العيش امراً ممكناً. صحيح ان الاعدامات التي اقدم عليها نظام صدام أظهرت ان هذه الحدود ما هي الا سراب في سراب، حيث كانوا يطبقون عليك خلال زمن اقل مما تستغرقه انطلاقة الطلقة من مخزن السلاح، غير ان الحياة في العراق أصبحت الآن مغرقة في الدموية، وأصبح الموت حاضراً على الدوام وعلى نحو عشوائي، ولا يمكن التكهن به لدرجة ان بعض العراقيين باتوا يشعرون بالحنين إلى زمن جبروت صدام. وعندما أبلغت السفير الاميركي زلماي خليل زاد عن عمليات قتل عائلات الشهود في الدجيل، هز رأسه، لكنه قال ان فقدان الحيوات الحالي "يختلف عن أمر حكومة تقوم بممارسة العنف ضد مواطنيها". وأضاف "لقد دفع العراقيون ويدفعون ثمناً باهظاً من أجل إمكانية اتجاههم في طريق عظيم لم يكن ليتوفر لهم في ظل حكم صدام".
لعل مما ينطوي ضمنياً على اشارة الى فداحة وحشية صدام هو ان هناك البعض في الدجيل يعتقدون بأن سفك الدماء الراهن يظل افضل مما سبقه. ويقول علي الذي كان يتحدث بالهاتف من الدجيل "بالطبع أصبح الوضع الان افضل بكثير. ولو ان صدام استمر في السلطة لكان ارهابه سيستمر الى الأبد". ولا يعرف أحمد شقيق علي، الشاهد رقم 1 في محاكمة صدام، متى سيغادر المنطقة الخضراء وما الذي ينتظره عند مغادرته لها. لكنه بعد ان امضى سنوات دراسته الثانوية في السجن، وبعد فقدانه الكثيرين من إخوانه، فإنه يقول انه يرغب في دفع أي ثمن من أجل رؤية صدام وقد دفع ثمن جرائمه، ويقول "سأضحي بحياتي وحيوات افراد عائلتي اذا كان ذلك يعني انني ساعدت في سوق صدام الى المقصلة". ولعل الواقع يقول بأن كلا الامرين ربما يصبحان حقيقة.