«المدارس الإسلامية» ومعضلة الأقليات في بريطانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء: 2006.10.18
آلان كويلـ نيويورك تايمز
داخل قاعة الرياضة التي تستغل إلى جانب كمكان للصلاة وكقاعة لتناول وجبة الغداء يمنع اختلاط الطلبة الذكور بالإناث في وقت واحد، بل كل منهما يستفيد من القاعة في وقت منفصل. أما في مدرسة الحضانة فقد سارعت المربيات إلى تغطية وجوههن بعدما أخبرن بزيارة وشيكة لأحد الضيوف من الرجال، وعندما وصل الضيف ردد الأطفال جميعا تحية بالعربية تقول "السلام عليكم". ويقول "ناصر ناثاليا" ذو الخمسة عشر ربيعاً، والطالب في "أكاديمية ليكستر الإسلامية": "إننا نستطيع في هذا المكان اتباع طريق الدين والإيمان"، ويوافقه الطرح زميله "محمد سيدات" الذي يؤكد بأن الأكاديمية "تتيح احتمالات قليلة للانحراف عن الطريق الصحيح". وتشكل مسألة الحفاظ على القيم الدينية الصورة التي تسعى المدارس الإسلامية إلى تكريسها عن نفسها أمام الجمهور على غرار آلاف من المدارس الدينية المنتشرة في عموم بريطانيا ذات الغالبية المسيحية والتي تشكل ثلث المدارس العمومية التي تمولها الحكومة البريطانية.
غير أن الاختلافات التي تظهر في المدارس الإسلامية مثل ارتداء المربيات للحجاب والأطفال للباس أسود واعتمارهم قلنسوة خاصة تسلط الضوء على النقاش المحتدم حاليا في بريطانيا حول الشعور بالانفصال الذي تكرسه تلك المدارس، ومدى استعداها لدمج ما يقارب 1.8 مليون مسلم بريطاني يشكلون حوالي 3% من مجموع السكان في المجتمع البريطاني. ويطال النقاش موضوعاً أكثر عمقا يمس الفصل العرقي في النظام التعليمي البريطاني الذي تموله الدولة. وفي هذا السياق صرح "تريفورد فيليبس" الذي يرأس لجنة المساواة العرقية أمام هيئة برلمانية قائلاً "لقد أصبح الفصل في بعض المدارس البريطانية على درجة كبيرة من الحدة التي لم يعد بالإمكان إضافة شيء بخصوصها، ولم يعد مجدياً في ظل هذا الواقع حتى الحديث عن تهيئة طلبة المدارس لمواجهة العالم". ويعتقد البعض أن الفصل في المدارس لا يساعد على ردم الهوة بين المجتمع العلماني في مجمله، والالتزام بتعاليم عقيدة واحدة.
"باتريك سوخديو" القس الأنجليكاني الباكستاني المولد الذي اعتنق المسيحية يقول في هذا الصدد: "المشكلة بالنسبة للمدارس الإسلامية هي مدى مسايرتها للقيم الغربية، وبالنسبة لي لا تنسجم القيم الإسلامية مع القيم الغربية". لكن هناك من ينتقد هذا الطرح مثل محمد مقدم، مدير أكاديمية "ليكستر" الإسلامية الذي يقول "إذا كانت المدارس الإسلامية تنشر الفرقة في المجتمع، فأنا أريد أن أطلع على الأدلة العلمية التي تثبت ذلك". ففي حوار أجري مع محمد مقدم أكد بأنه لم يتورط أي طالب من المدرسة في أعمال الشغب التي عمت شمال إنجلترا في مطلع 2000، كما أنهم بقوا بعيدين تماماً عن أية صلة بالإرهاب، مؤكداً في هذا الصدد "إذا نظرتم إلى الاضطرابات الأخيرة، أو الإرهاب فإنكم لن تجدوا طالباً واحداً من المدرسة الإسلامية". ويذكر أن النقاش حول المدارس الإسلامية ودورها في تكريس الفصل داخل المجتمع البريطاني احتدم في ظل المخاوف المتصاعدة من الإرهاب الذي سبق وأن ضرب قطارات الأنفاق في لندن، وتفكيك خلايا إرهابية نائمة في بعض المدن البريطانية.
ويبدو أن الحكومة البريطانية عاجزة عن مواجهة المدارس الإسلامية، أو حرمانها من التمويل في ظل الحساسية التي قد يثيرها مثل هذا التصرف في ظل مواصلتها تمويل باقي المدارس المسيحية واليهودية. ومقارنة مع المدارس اليهودية التي تحظى بالتمويل الحكومي والتي يبلغ عددها 36 مدرسة و7 آلاف مدرسة مسيحية لا تحظى سوى سبع مدارس إسلامية بالتمويل الحكومي. ومع ذلك يفضل الآباء المسلمون إدخال أبنائهم المدارس العادية، حيث لا تتعدى نسبة الآباء الذين يدخلون أبناءهم المدارس الإسلامية 3%. وتتميز تلك المدارس بجودتها في التعليم وتركيزها على المبادئ الدينية التي يسعى المسلمون إلى الحفاظ عليها وترسيخها لدى أبنائهم. كما تفرض المدارس الإسلامية رسوماً على الطلبة، حيث تفرض "أكاديمية ليكستر" مثلاً 2700 دولار في السنة. ويقول "مارك هالستيد"، أستاذ التربية في جامعة "هادرسفيلد" بشمال إنجلترا: "إن الأطفال المسلمين في هذه البلاد يعيشون على كل حال حياة منفصلة عن الآخرين سواء درسوا في مدارس إسلامية، أم لا. فهم يعيشون في مناطق بعينها يصل فيها عدد المسلمين في المدارس العادية 90%".
وفي تقرير أعده أستاذ الاقتصاد "سيمون بورجيس" عن "حي تاور هامليتس" شرق لندن، حيث تشكل الأقليات العرقية 48% من مجموع السكان ظهر أن نصف المدارس الموجودة في الحي هي لغير البيض. وقد اكتسى النقاش حول قضية الفصل في المدارس أبعاداً أخرى بعد الجدل حول ارتداء النساء المسلمات للنقاب في المدارس وتأثير ذلك على التواصل الجيد مع الطلبة. فبينما صرح وزير الخارجية جاك سترو بأن ارتداء النقاب يتنافى مع العادات البريطانية، أكد آخرون أن مثل تلك التصريحات تدخل في إطار التمييز ضد المسلمين. ويرجع النقاش حول اندماج المسلمين في المجتمع البريطاني إلى أكثر من أربعين سنة عندما وضع "روي جينكينز" السياسي من حزب "العمال" أسس ما بات يعرف في بريطانيا بالتعددية الثقافية التي اشتهرت بها إنجلترا دون غيرها من البلدان الأوروبية. فعبر بلورته لسياسة جديدة للهجرة أكد "جينكينز" بأن الهجرة لا تعني تنميط جميع الوافدين الجدد، بل تسعى إلى توفير فرص متكافئة للجميع في إطار من التنوع الثقافي.