اردوغان: لسنا قلقين من الدور الإيراني والحرب المذهبية والعرقية خسارة للجميع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نتمنى ان لا تقيّد جريمة اغتيال الحريري ضد مجهول
الفشل في العراق ليس خياراً بالنسبة إلى المجتمع الدولي
عبّرتُ لشيراك عن أسفي وطلبت منه استخدام صلاحياته ...
أي تغيير في البنية الديموغرافية لكركوك سيحدث جروحاً تصعب مداواتها
اسطنبول - غسان شربل
وسط العواصف المندلعة قرب حدودها تحتفظ تركيا بهدوئها وحساباتها الواقعية. تسعى الى إبعاد النار عن داخلها وتحاول لعب دور الاطفائي حيث تستطيع. تقدم نفسها كقوة استقرار في المنطقة محاولة توظيف قدرتها على التحدث الى الجميع. هذا ما يلمسه الصحافي الزائر في مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي استقبل "الحياة" في مكتبه في اسطنبول المدينة التي عرفها وعرفته رئيساً للبلدية قبل تزعمه "حزب العدالة والتنمية" وتوليه رئاسة الوزراء.
اسئلة كثيرة تتزاحم في ذهن الصحافي الزائر. العراق على أبواب حرب أهلية فماذا تفعل تركيا لو اجتاز أكراد العراق خط الفيديرالية باتجاه الاستقلال الكامل أو ما يشبهه؟ والعلاقات الايرانية - الاميركية تُنذر بمواجهة فأين تقف تركيا وبماذا ترد لو أفاقت المنطقة ذات يوم على اعلان اجراء ايران تجربة نووية؟ وماذا عن الدور الايراني المتزايد في المنطقة؟ وماذا عن المخاوف من نزاع شيعي - سني؟
اسئلة كثيرة. لماذا شاركت تركيا في قوة اليونيفيل المعززة في جنوب لبنان وما مغزى مشاركة دولة اسلامية واطلسية تقيم علاقات مع اسرائيل وترعى علاقاتها مع السلطة الفلسطينية؟ وماذا عن علاقات الاسلام والغرب بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) وعن حلم تركيا بدخول الاتحاد الأوروبي والأزمة الأخيرة مع فرنسا؟ انتهى الوقت المتاح قبل انتهاء الاسئلة، وهنا نص الحوار الذي شارك فيه مراسل "الحياة" في تركيا الزميل يوسف الشريف:
gt; لماذا اتخذتم قرار المشاركة في القوة الدولية في جنوب لبنان، وما هي الضمانات التي حصلتم عليها في ما يتعلق بسلامة جنودكم هناك؟
- من الخطأ الفصل بين ما حدث في لبنان وما يحدث في فلسطين واسرائيل. الأحداث بدأت مع خطف الجندي الاسرائيلي في فلسطين وتبعه خطف الجنديين في لبنان. نتيجة لذلك استخدمت اسرائيل القوة المفرطة في الرد وهو ما أدى الى تعقيد الوضع بسبب الخسائر الفادحة التي وقعت. قمنا باتصالات ديبلوماسية مكثفة شملت الرؤساء محمود عباس واسماعيل هنية وايهود اولمرت من أجل حل المشكلة الأولى في فلسطين. وبشأن ما حدث في لبنان اتصلنا بالرؤساء فؤاد السنيورة واولمرت وجاك شيراك وبقادة المانيا وروسيا وبريطانيا سعياً الى إحلال السلام في المنطقة. أوفدت ايضاً وزير الخارجية عبدالله غل الى المنطقة فزار اسرائيل ولبنان وسورية واطلعتنا زيارته على حقائق الأمور وحيثياتها.
بعد ذلك دعمنا القرار الصادر عن الأمم المتحدة وبحثنا في سبل ترجمة دعمنا لهذا القرار عملياً. الدعم الشفوي لا يكفي. فضلنا التحرك عملياً. وعلى رغم الحملات الإعلامية المحلية ضدنا في تركيا اتخذت حكومتنا قرار ارسال قوات الى لبنان. اتصلنا بالحكومة اللبنانية بكل مكوناتها بما فيها "حزب الله" وأكد الجميع ترحيبهم بوجود قوات تركية هناك وجاء الجواب نفسه من سورية. هكذا مددنا يد المساعدة لاخواننا في لبنان وعرضنا الأمر على برلماننا الذي صادق بالغالبية عليه. هذه الخطوة تهدف الى تقديم المساعدات الانسانية وتعزيز السلام في لبنان.
وكما تعلمون تم ارسال قوة بحرية بالفعل الى لبنان، والآن تستعد القوات البرية والمهندسون للسفر، وهؤلاء يذهبون من أجل خدمة ومساعدة اخوانهم في لبنان والمساعدة على تأمين السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
gt; هل من كلمة توجهها الى اللبنانيين؟
- لدي رسالة الى الشعب اللبناني: نحن نرسل الى الشعب اللبناني اخوة له. خلال حديثي مع دولة الرئيس السنيورة قال لي ان جنودكم ضيوف علينا ونحن اذ نرسل اخواننا اليكم فإنهم يأتون من أجل المساعدة في إعادة إعمار لبنان واصلاح ما تهدم ومن أجل حماية السلام في لبنان. وسترون جميعاً ان الجنود الأتراك سيكونون مثالاً يحتذى في التصرفات والأخلاق كضيوف عليكم.
نبارك لكم حلول شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، وندعو بالرحمة والغفران لكل ضحايا وشهداء الحرب ونتقدم بأحر التعازي لأهاليهم.
تعزيز الاستقرار
gt; تشاركون في القوات الدولية التي أنشئت بموجب القرار 1701 بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان. هل تعتقدون أنّ هذا القرار يضع الحدود اللبنانية - الإسرائيلية خارج النزاع العسكري؟
- نرحب بالقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن شأن هذا القرار، إن طُبِّق بالكامل، أن يُكرس وقفاً دائماً لإطلاق النار وحلاً طويل الأمد للنزاع في هذه البقعة من العالم. ما يعني إنه لا مجال للتساهل والخنوع. فعلى الأسرة الدولية والأطراف المتنازعة واللاعبين الإقليميين تعزيز خطوات بناء الثقة وتشكيل إطار سياسي قابل للتطبيق باتجاه إيجاد حل طويل الأمد كما هو منصوص عليه في القرار 1701.
إن تبني قرار مجلس الأمن بالإجماع وموافقة طرفي النزاع والدول الإقليمية عليه والتطورات الأخيرة مثل نشر القوات الدولية في لبنان بوادر إيجابية تؤكد على إمكانية إرساء سلام مستدام في هذه المنطقة.
وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأشدد ثانية على أن قرارنا بالمشاركة في القوات الدولية ينبع من سعينا الناشط إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي. وقد لاقت مبادرتنا هذه كل الترحيب والتشجيع من الأطراف كلها، بما فيها لبنان وإسرائيل. ونحن لن نرسل قوات قتالية بل وحدات مهمتها توفير الدعم الإنساني والمشاركة في إعادة الإعمار وإجراء دوريات بحرية.
gt; هناك دعوات دولية لنزع سلاح "حزب الله" ما هو موقفكم منها وكيف ترون الحل؟
- أود أن أشير بادئ ذي بدء إلى أنّ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يفرض على القوات الدولية نزع سلاح حزب الله. فهذه المسألة تتعلق بالاندماج السياسي في لبنان.
gt; كيف تنظرون إلى مستقبل لبنان في ضوء الحرب الأخيرة وقبلها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري؟
- تدعم تركيا بشدة سيادة لبنان ووحدته السياسية واستقلاله. ونأمل في أن رياح التغيير، التي عصفت بلبنان بعد انسحاب القوات الأجنبية عن أراضيه، ستتمخض عن بنية سياسية واقتصادية واجتماعية قوية. فلبنان الديموقراطي والتعددي عامل أساس لضمان الاستقرار الإقليمي وشريك مهم لتركيا في المنطقة.
وفي هذه المرحلة الحساسة، لا بد بنظرنا من تقوية الحكومة اللبنانية بحيث تتمكن من بسط سيطرتها الفعلية على كامل أراضيها. ولا يسعنا إلاّ الإشادة بأداء الحكومة اللبنانية المميز، خلال هذه الأزمة، على رغم المصاعب التي اعترضت سبيلها. نحن ندعو إلى الحفاظ على التوافق واللحمة اللذين انبثقا داخل الحكومة اللبنانية خلال الأزمة لأنهما ضروريان لتطبيع الوضع في لبنان تدريجاً.
الحقيقة
gt; رفيق الحريري كان صديقكم، هل تتوقعون توصل التحقيق في قضية اغتياله الى نتائج ملموسة؟
- نتمنى أن تصل لجنة التحقيق الى الحقيقة في أقرب وقت ولن يكون من الصواب ان تسجل الجريمة ضد مجهول! ونتمنى ايضاً ألا يخلق هذا التحقيق عداوة بين لبنان وسورية بل أن تكون نتائجه بداية عهد جديد من السلام والصداقة والتعاون بين البلدين. وأود ان أذكّر بأن تركيا لعبت دوراً في مساعدة التحقيق حيث انها عرضت في السابق استضافة التحقيق مع المسؤولين السوريين في مدينة غازي عنتاب التركية قبل أن يتقرر اجراؤه في فيينا، وكان لهذا العرض التركي أثر في استمرار وتواصل التحقيق.
الخلاف النووي
gt; هل تتخوف تركيا من انعكاسات خلاف نووي ايراني - أميركي على الوضع في جنوب لبنان؟ وهل تشمل مهمة يونيفيل نزع سلاح حزب الله؟
- لا يمكن أن نقول ان العملية خالية تماماً من أي مخاطر، فالحياة مليئة بالمخاطر، ونحن اتخذنا قرارنا ونحن ندرك هذه المخاطر لكننا بحثنا في هذه الأمور مع أميركا وايران، ونتمنى أن يستمر السلام القائم حالياً وألا نعود الى العنف والموت. حتى الآن تبدو الأمور على ما يرام. ونحن في تركيا سنفعل كل ما بوسعنا من أجل استقرار المنطقة. والدول التي سبقتنا الى لبنان، المانيا وايطاليا وفرنسا كلها تسير أمورها على ما يرام هناك، كما أن مشاركة عدد من الدول الاسلامية والعربية حتى لو بأعداد قليلة سيزيد الوضع تحسناً.
وهنا أود أن أشدد على أمر مهم وهو أن تحرص القيادات السياسية والدينية على تجنب أي تصريحات استفزازية لأن ضحية مثل هذه التصريحات هو الانسان.
كما اننا أكدنا أن قوات يوينفيل ليس من مهماتها نزع سلاح أي فصيل، والاذن الذي استصدرته حكومتنا من البرلمان واضح ومحدد بالخدمات الانسانية والاجتماعية، وأكدنا منذ البداية ان الجيش التركي لن يشارك في أي عملية نزع سلاح ولا يمكن لأحد ان يجبرنا على ذلك. كما ان كلاً من كوفي انان والسنيورة أكدا ان هذه ليست مهمة يونيفيل.
gt; هل تعتقدون باحتمال وقوع مواجهة أميركية - إيرانية حول الملف النووي وبماذا تنصحون؟
- تلوِّح الدول الست، التي قدمت رزمة حوافز إلى إيران في حزيران (يونيو)، بما فيها الولايات المتحدة، الآن بإمكانية فرض عقوبات. لكنها شددت أيضاً على أنها ستُبقي باب الحوار مفتوحاً مع إيران طوال هذه الفترة. ويكمن جوهر المشكلة في معرفة ما إذا كانت إيران ستُثبت للأسرة الدولية جمعاء أنّها تواصل برنامجها النووي لأغراض سلمية بحتة، خصوصاً بالطاقة النووية، وهو من دون شك حق مشروع لها. وما زلت أعلق الآمال على حل هذه المشكلة عبر الطرق الديبلوماسية كما أننا مستعدون تماماً لبذل كل الجهود الممكنة بغية التوصل إلى حل من هذا النوع.
gt; هل هناك قلق تركي من الدور الايراني المتزايد في المنطقة؟
- ليس لدينا قلق في هذا الشأن، لكل دولة الحق في تقوية مصالحها ونفوذها، وتركيا ايضاً تسعى الى تقوية نفوذها وحماية مصالحها في المنطقة، ولتركيا ثقلها وقوتها في المنطقة، لكننا لا نسعى الى تسخير هذه القوة إلا من أجل السلام وكسب الأصدقاء، والسياسة الخارجية لتركيا مبنية أساساً على كسب المزيد من الأصدقاء وليس الأعداء.
الحرب المذهبية
gt; هل تركيا خائفة من الصراع السني - الشيعي في المنطقة؟
- نحن نعتقد أن من الخطر جداً إبراز وجود حرب مذهبية أو طائفية أو حتى عرقية في المنطقة أو التحريض على نشوبها وللأسف فإن هذا الخلاف المذهبي والعرقي يدفع ثمنه الشعب العراقي. ومن الخطأ أن يتحارب أخوان مسلمان على خلفية اختلاف المذاهب وهذه حرب لا رابح فيها. كل الأطراف التي تدخلها خاسرة.
gt; بماذا سترد تركيا لو أفقنا ذات يوم على ايران تعلن اجراء تجربة نووية؟
- (يبتسم) هذا سؤال عسكري.
gt; كيف تقومون الوضع في العراق؟ وهل تخشون اندلاع حرب أهلية فيه؟
- أعتقد صراحة أنّ المشكلة الأمنية المتواصلة بلا هوادة والانقسامات الطائفية والفساد وعدم قدرة الحكومة الوطنية على توفير الخدمات الأساسية تهدد كلها، بصورة خطرة، وحدة العراق والمرحلة الانتقالية السياسية التي يمر بها. أنا لا أستخف البتة بمخاطر الوضع الراهن. وأعي تماماً أنّ نتائج عراق منقسم قد تكون أسوأ بكثير من الوضع القائم حالياً.
قاعدة للارهاب
gt; هل يثير النظام الفيديرالي في العراق قلقكم، خصوصاً في كردستان العراق، وأين هو الخط الأحمر هناك بالنسبة إليكم؟ وماذا سيكون ردكم لو اتجهت كردستان العراق الى الاستقلال الكامل؟
- على العراقيين أن يجدوا التوازن بين حماية تنوّعهم الثقافي ووحدة بلدهم الوطنية الديموقراطية. فالعراق دولة جارة لنا سيدة ومستقلة. ويلحظ الدستور العراقي الساري المفعول حالياً إقامة عراق فيديرالي، موحد، تعددي، وديموقراطي. ولا أرى سبباً يمنعنا من القبول بأي من هذه العناصر الأربعة. والأهم من ذلك بالنسبة إلينا هو تجنب تحول العراق إلى قاعدة خلفية يشن منها الإرهابيون هجمات عبر الحدود تستهدف الدول المجاورة للعراق وأخرى بعيدة عنه. فهذا عامل مزعزع للاستقرار في المنطقة.
لا تدخل في العراق
gt; متى يمكن ان يتدخل الجيش التركي في العراق؟ لحماية التركمان أو لمنع دولة كردية؟
- هذا الأمر ليس مطروحاً على أجندتنا، فنحن في نهاية عام 2003 استصدرنا إذناً من البرلمان لارسال قوات الى العراق لكن قواتنا لم تذهب لأن العراقيين رفضوا وجودنا في العراق ونحن لا نوجد في مكان لا ندعى اليه، نحن ذهبنا الى لبنان بدءاً من دعوة من اللبنانيين. ما يقلقنا وله حساسية لدينا هو وضع كركوك، وهذا قلق على العراق وليس منه! خوف عليه وعلى مستقبل العراق وليس خوفاً منه، لأنه في حال وقعت كركوك ضحية للعبة من أجل تغيير بنيتها الديموغرافية من أجل اعطائها للأكراد، فإن ذلك سيتسبب في إحداث جروح خطيرة في العراق تصعب مداواتها.
gt; هل سيؤثر قرار البرلمان الفرنسي تجريم أي نفي لـ "ابادة الأرمن" على العلاقات بينكم وبين باريس؟
- نحن عبرنا عن أسفنا الشديد والبالغ تجاه تلك الخطوة الفرنسية. وقد اتصل بي هذا الصباح الرئيس جاك شيراك وعبر لي عن أسفه، وأنا عبرت له عن أسفي إزاء تصريحاته خلال زيارته الى أرمينيا. وقلت له انه حالياً أكثر القيادات الأوروبية خبرة وأقدرها على الفعل والتحرك في أوروبا، ولحزبه الأكثرية في البرلمان وغياب نواب حزبه عن جلسة التصويت تلك أزعجنا كثيراً. والمهم هو اننا نتوقع منكم استخدام صلاحياتكم تجاه ذلك القانون بالشكل الصحيح.
gt; كيف تقومون نتائج "الحرب على الإرهاب" في ضوء الغزو الأميركي للعراق؟
- منذ السبعينات وتركيا تحارب الإرهاب وتنادي بضرورة تضافر جهود الدول كلها في مواجهة هذه الظاهرة. لكن لسوء الحظ، لم يأخذ المجتمع الدولي بهذا المفهوم ولم يدعُ إلى محاربة الإرهاب أينما وقع وبغض النظر عن مرتكبيه إلاّ بعد 11 أيلول (سبتمبر) وعقب هجمات إرهابية. باختصار، ما من بلد بمنأى عن تهديد الإرهاب العالمي. لذا، تجد الدول نفسها ملزمة بوقف تمويل الإرهاب والتعاون تعاوناً كاملاً مع الدول الأخرى في محاربته وسوق الإرهابيين أمام محاكم جزائية متشددة من دون منحهم صفة اللاجئ. كما أنها مضطرة إلى وقف أشكال المساعدة الناشطة كافة وغيرها الممنوحة إلى أفراد ومجموعات ذات صلة بالإرهاب، ناهيك عن تسليم الإرهابيين إن امتنعت عن محاكمتهم. غير أنّ بعض الدول يسيء استخدام مسألة الأسباب الجذرية لغض الطرف عن الإرهاب. فهذه الدول تدين من جهة الإرهاب بيد أنها تفشل في الوقت نفسه في منع الأفراد والمجموعات على أراضيها من دعمه.
من جهة أخرى، من الواضح أنّ الأعمال الإرهابية تتواصل بالوتيرة نفسها في العراق على رغم تدخل الأميركيين وقوات التحالف. فحزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية تتخذ من شمال العراق ملجأ لها وتتسلل إلى بلدنا لشن هجمات إرهابية. لهذا السبب، يصعب القول إن الجهود الرامية إلى محاربة الإرهاب تكللت بالنجاح في العراق.
الفشل في العراق ليس خياراً
gt; هل تعتقدون أن مواقف بعض الدول المجاورة للعراق ساهمت في تعقيد الوضع العراقي؟
- تكمن مصلحة بلادي الوطنية الأولية في ترسيخ بيئة مزدهرة ومستقرة في محيطها الجغرافي. ومن هذا المنطلق نحن على قناعة بأن الفشل في العراق ليس خياراً بالنسبة إلى المجتمع الدولي. لذا نحض الدول المجاورة للعراق بشدة على الضلوع بدور إيجابي في الفترة الانتقالية. إن عقد اجتماعات وزراء خارجية ووزراء داخلية البلدان المجاورة للعراق هو جهد مشترك تترأسه تركيا.
gt; كيف يمكن حالياً وصف العلاقات السورية - التركية؟
- لقد شهدت تركيا في السابق تقلبات في علاقاتها مع سورية، إلا أننا نجحنا في تحسينها وعملنا على تطوير علاقة بناءة متبادلة. ونحن نعتبر أن علاقتنا، بحكم جيرتنا مع سورية، علاقة طويلة الأمد ومتعددة الأوجه وبموجبه نحافظ على العلاقة التي تربطنا بها.
اننا نجري حواراً متواصلاً مع سورية حول القضايا الثنائية والإقليمية. وخلال الأزمة الأخيرة، لم نقطع أوصال أي تبادل للرأي يتعلق بإيجاد السُبُل الآيلة الى تقديم المساعدة في الحد من التوتر. وبهدف تحقيق هذه المساعي، زرت سورية في 22 آب (أغسطس) 2006 وتطرقنا إلى سبب زيارتي الأساسي أي الحد من التوتر كما بحثنا في العلاقات الثنائية المتنامية بين بلدينا. ونحن نعتبر أن التواصل بدلاً من العزلة هو الكلمة المفتاح في التعامل مع سورية. وهذا ما ثبت وتأكدنا من صحته خلال تجربتنا الأخيرة حتى الآن.
gt; كيف توظف تركيا علاقاتها بكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟
- تتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ السنوات الأولى على تأسيسهما. وبالطبع كانت تركيا من بين مجموعة البلدان الأولى التي اعترفت بدولة إسرائيل كما تصدرت بلدان أوروبا باعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية العام 1975 وبالدولة الفلسطينية العام 1988. وبالاستناد الى هذه الخلفية التاريخية، لم يتوقف نمو علاقاتنا مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ ذلك الوقت.
وبعدما استفادت تركيا من علاقاتها الجيدة والمثمرة وبعدما أبدت ثقتها بالطرفين ساهمت تركيا مساهمة فاعلة في الجهود الرامية إلى تسوية الصراع بين إسرائيل وفلسطين سلمياً.
إن تعزيز الروابط بين تركيا والعالم الإسلامي - العربي، المنصوص عليه في مبادرة البلدان الثمانية النامية، التي أطلقتها تركيا، والعلاقات التجارية المتزايدة مع البلدان العربية، فضلاً عن التعاون مع الجامعة العربية والحضور الفعلي في "منظمة المؤتمر الإسلامي" تدحض الانتقادات كلها الموجهة إلى تركيا.
وبما أن الأركان الأساسية للسياسة الخارجية التركية إزاء الشرق الأوسط تتميز بالاتزان والحيادية والمساواة فان علاقات تركيا الثنائية مع بلد لا تكون على حساب علاقاتها مع بلد آخر. بل العكس، إن هذه العلاقات تكمل بعضها البعض وهي بذلك تساهم في تطوير التعاون الإقليمي إلى جانب إرساء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
تحالف الحضارات
gt; هل أدت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) إلى أزمة في العلاقات بين الإسلام والغرب؟ وهل يشكل التعاون العسكري التركي - الإسرائيلي مشكلة بالنسبة الى علاقات تركيا العربية - الإسلامية؟
- صحيح أن الهجمات الإرهابية في 11 ايلول وتبعاتها أثرت في تدهور النظرة على كلا الطرفين، خصوصاً، بروز ظاهرة "الاسلاموفوبيا"، أو الخوف من الإسلام، في المجتمعات الغربية الذي يعد أكبر تهديد وتحد يجدر بنظام السلام الشامل مجابهته الآن. واستناداً إلى الرؤية الخاطئة والمفتعلة التي تظهر في خطابات غير مسؤولة يلقيها القادة السياسيون ورجال الدين، يبدو أن الميول المعادية للإسلام لقيت زخماً في الغرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وهذا ما يعرقل الجهود لتجنب إطلاق النظريات كصراع الحضارات مثلاًً.
وبالفعل، تكثر القضايا التي تتناول عدم توافق الثقافات الكبرى والأنظمة العقائدية التي تسود أيامنا هذه. وهذا بالطبع ليس بالأمر الجديد. فبعض هذه القضايا حقيقة لا خيال والبعض الآخر لا صلة له بالواقع. لذا، لا بد لنا من التركيز على القضاء على المتطرفين الذين يسعون إلى الاستفادة بأي شكل من الأشكال من اندلاع فتيل كارثة تدوم طويلاً بين الغرب والعالم الإسلامي في كلا الطرفين. إنه السبب الذي يقف وراء دعم تركيا لمبادرة تحالف الحضارات. ومن خلال هذه المبادرة المهمة، نطمح لتأسيس تحالف متفهم من خلال الأخذ بنموذج يتمتع باحترام متبادل بين الحضارات والثقافات ومن شأنه أن يجنب أي تدهور مستقبلي في العلاقات بين المجتمعات والأمم.
gt; هل ضاعفت هذه الحسابات صعوبة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟
- سيبقى السؤال حول معرفة هل تشكل تركيا وجهاً لحضارة تناسب حضارات الاتحاد الأوروبي، موضوع الساعة. ونفضل أن ننظر إلى هذه المسألة من منظار آخر. إن تركيا بلد يشكل المسلمون فيه غالبية ساحقة وهي أيضاً جمهورية ديموقراطية علمانية. وتركيا بحد ذاتها نقيضة مفهوم صراع الحضارات. وهذا أحد الأسباب الذي يفيد بأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ستكون له تأثيرات في المستوى العالمي. ونجدد قولنا بضرورة تأسيس تحالف الحضارات. لكن كيف لنا أن نتجاوز الحدود الثقافية لإرساء التناغم والتسامح من جهة لنعترض من جهة أخرى على انضمام تركيا بسبب هويتها الثقافية؟ وهذا سؤال لا بد من توجيهه إلى الاتحاد الأوروبي أكثر منه إلى تركيا. ومن جهتنا، سنعمل لتحقيق معايير كوبنهاغن لتلبية مقتضيات الانضمام بالكامل. ولا نريد المعاملة المبنية على التفضيل ولن نقبل بالعنصرية.
الاعتدال والتطرف
gt; هل تعتقدون أن نموذج الإسلام المعتدل الذي تقدمه تجربتكم في تركيا هو الحل أم أنكم تخشون من قيام إسلام متطرف يعيد المواجهة مع الجيش ومؤيدي العلمنة؟
- ان تركيا ديموقراطية مبنية على الحريات الأساسية التي يتمتع بها جميع المواطنين. وتؤمن هذه الحريات مناقشة عدد من القضايا التي لا يمكن التطرق إليها في أي مكان آخر في العالم. وتتساءلون عن السبب. أولاً لأن تركيا هي البلد الوحيد التي تقطنها غالبية من المسلمين ولديها ديموقراطية حقيقية تستند على مؤسسات وضوابط وموازين. وتفترض الديموقراطية مناقشة القضايا المحببة الى قلوب وعقول الناخبين مطولاً لتحقيق الإجماع الشعبي حول المستقبل.
ولا بد من الإشارة إلى إن تركيا جمهورية علمانية، لا يمتزج الدين فيها بالسياسة، كما أنه ليس من نزاع دائر حالياً داخل تركيا.
gt; كيف توفق تركيا بين علاقاتها الوثيقة مع أميركا وانتمائها إلى حلف شمال الأطلسي وسياستها العربية والإسلامية؟
- لا تواجه تركيا أية مشكلة في هذا الشأن. إذ ان علاقاتنا الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وعضويتنا في حلف شمال الأطلسي تشكّل جميعها ركائز سياستنا الخارجية. كما أننا على علاقة وثيقة ببلدان منطقة الشرق الأوسط. وهذه العلاقات ليست على تنافس أو تضارب بأي شكل من الأشكال. بل على العكس، فالواحدة منها مصدر تعزيز للأخرى. ولطالما تمتعت السياسة الخارجية التركية بتعدد زوايا مقاربتها للعلاقات. وبما أن تركيا تقع في الوسط الأوروبي الآسيوي، فهي ستستمر بتنمية علاقاتها مع الشطرين الغربي والشرقي وتعميقها.
gt; كيف تقومون العلاقات مع أميركا حالياً؟
- في تموز (يوليو) اصدر وزراء الخارجية، من واشنطن، إعلان "وثيقة الرؤية الاستراتيجية"، التي ستؤمن لنا إطار العمل اللازم لتطوير الشراكة التركية - الأميركية الاستراتيجية والمتينة. وهذه الوثيقة ثمرة علاقات وتضامن يمتدان على مدى 60 سنة. ان الولايات المتحدة الأميركية حليف لنا وأحد شركائنا الرئيسيين في المسائل التي تطرحها السياسات الإقليمية والعالمية، وشراكتنا استراتيجية. نحن نقدّر علاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية.
وترتّب هذه العلاقة صوغ رؤية مشتركة ومصالح موحدة وطويلة الأمد. وتتشارك تركيا والولايات المتحدة الأميركية المُثُل نفسها في مجال تطبيق أهدافهما على الصعيدين الإقليمي والعالمي. فالالتزام بالحرية والديموقراطية وسيادة القانون والسوق الاقتصادية، جميعها عناصر تشكل رؤيتنا المشتركة للنظام العالمي المقبل.
نحن نشهد اليوم حالة فريدة حيث ينبغي علينا تنويع وسائل معالجة التحديات المشتركة، كما ينبغي تعزيز أحدنا للآخر في عدد كبير من المجالات، ما يتيح لنا فرص النجاح من خلال حوار متين وتشاور مثمر. ويسمح هذا الحوار لتركيا بأن تنقل حساسياتها حيال المنطقة.
gt; كيف تصفون العلاقات القائمة بين تركيا والمملكة العربية السعودية؟
- تعتبر المملكة العربية السعودية أحد الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المنطقة. وتلتقي مصالح البلدين في مساعيها الحثيثة لإقامة سلام دائم ودعم ازدهار المنطقة. وساهمت زيارة الملك عبدالله في آب (أغسطس) في دعم العلاقات وتعزيزها بين البلدين.
gt; ذُكر الكثير عن الدور التركي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كيف ترون الدور الإقليمي لتركيا؟
- أولاً، دعني أشدد على دور تركيا المحوري في المنطقة الأوروبية - الآسيوية المتمثل بموقعها الجغرافي وتاريخها وفكرها الحديث والتقدمي. ولا تستمد تركيا أهميتها من موقعها الجغرافي فحسب، بل ان القيمة الاستراتيجية التي تتمتع بها تتكون من عناصر عدة تشمل مستوى تطورها وتحالفاتها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.
وبعد انتهاء الحرب الباردة وحلّ الاتحاد السوفياتي، أصبحت تركيا نقطة محورية في المنطقة الأوروبية - الآسيوية التي اكتسبت مع الزمن أهمية سياسية في الألفية الجديدة.
نحن نفتخر بعلاقاتنا مع الدول الأوروبية - الآسيوية القائمة على الندية السيادية والاستفادة المتبادلة. وسمحت لنا روابطنا العرقية والتاريخية والثقافية مع هذه البلدان بتنمية حس متين من التضامن مع هذه البلدان.
كما تتمتع المنطقة بموارد طبيعية غنية للغاية، وسعت تركيا الى الاستفادة من موقعها الجغرافي وقامت بوضع وتنفيذ خطط لإنشاء ممر للطاقة بين موارد الهدروكربون في دول بحر قزوين وأسواق استهلاك الطاقة في أوروبا. ولن يعود "ممر الطاقة بين الشرق والغرب" على تركيا وحدها بالفائدة، فالتكافل الذي سيؤسس له بين الدول سيُساهم في تعزيز استقرار الدول المجاورة ودعم وضعها الاقتصادي.
من جهة أخرى، تلعب تركيا دوراً محورياً في مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، وما من شك ان تبعات الإرهاب العالمي الذي تغذيه تجارة المخدرات والجريمة المنظّمة وجميع الأشكال الأخرى من الإثراء غير المشروع تؤثر على سائر أنحاء العالم. وبسبب الرابط الحيوي للأمن والاستقرار الموجود بين أوروبا الآسيوية والغرب تتطلب التحديات الحالية مقاربة متعددة الأبعاد، بحيث يتعيّن نشر الإصلاحات الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية تزامناً مع المسائل المتعلقة بالدفاع والأمن. وفي هذا السياق، تتحمّل تركيا جزءاً من مسؤولية مساعدة هذه الدول في تعزيز استقرارها واكتفائها الاقتصادي والاندماج كلياً في النظام العالمي.
وتسعى تركيا الى تقريب المسافة بين الشرق والغرب على الأصعدة كافة، وهو ما نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى في مواجهة ازدياد سوء الفهم بين الشرق والغرب.