رمضان شهر النفاق في المغرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إسماعيل بلا وعلي ـ مجلة نيشان المغربية
هناك من يصوم إيمانا واحتسابا. وهناك من لا يبالي أصلا، وكأن شيئا لم يتغير. أما أغلبية المغاربة، فهم في منزلة بين المنزلتين. لننظر كيف يتصرف المجتمع خلال الشهر المقدس لم يكن نظار الأوقاف ومندوبو الشؤون الإسلامية قد أكدوا بعد ثبوت رؤية هلال شهر رمضان، عندما دخلت سميرة، رفقة أصدقاء مغاربة وآخرين من إسبانيا،
كُلْشي إلاَّ الشْراب
أحد مطاعم العاصمة الرباط ليلة 28 من شعبان. سأل النادل عن طلبات الزبائن، كالعادة. سجل طلب كل زبون على حدة. لكنه امتنع -على غير العادة- عن تلبية أحد الطلبات، "رفض النادل ليلتها أن يأتيني بالبيرة التي طلبت بدعوى أن تقديم الخمر للمسلمين ممنوع في رمضان. أخبرته أن ذلك يعنيني أنا وأنني أنا التي أتحمل المسؤولية، لكنه أصر مع ذلك على الرفض. ما لقيتش حل آخر غير أن صاحبتي الإسبانية هي الّلي تطلُب الشْراب، وتحطو قدامها، باش نشرُب أنا"، تحكي سميرة مستنكرة. هذا النادل يعلم جيدا أن الخمر محرم في الإسلام، ومع ذلك لا يمتنع عن بيعه لكل من يطلبه من المسلمين والمسلمات طيلة أشهر السنة، حتى خلال الأربعين يوما الأخيرة قبل رمضان. وهو نفسه الذي سيكون في استقبال زبنائه "الأوفياء" ليلة عيد الفطر، حيث ينتظر الكل ترخيص البوليس الذي يعلن رسميا رفع الحظر عن استهلاك الخمور، في منظر يشبه استعداد عدائي المسافات القصيرة لسماع إشارة انطلاق السباق. أفو مارك، بري، بارتي. شهر الصيام يفرض قانونه الخاص، على الحانات كما على المطاعم والملاهي ومتاجر الخمور، وحتى على أغلب الگرابة في الأحياء الشعبية. في عتبة المدخل، المؤدي نحو رواق الخمور في أحد متاجر لابيل في بالرباط، يجد الزائر طاولة بغطاء أبيض فوقها أنواع التمور والحلوى الشباكية... "لم نلاحظ ارتفاعا في الإقبال على اقتناء الخمور مع اقتراب رمضان، بل العكس هو الذي حصل، فقط بعض المدمنين هم من كانوا يواظبون على شراء الخمور إلى غاية الأيام الأخيرة من شعبان" تقول بائعة بنفس المتجر.
الّلي عندو باب واحد...
الخمر إذن غير متوفر في رمضان، لا في أروقة المتاجر الكبرى ولا عند أصحاب البيسريات ولا في الحانات والملاهي الليلية، ولا في المطاعم القليلة التي تفتح أبوابها خلال رمضان، ولا حتى عند أغلب الگرابة في الأحياء الشعبية، ومجرد الاقتراب من مطعم مفتوح نهارا يثير أنظار المارة. فما العمل في ظرف كهذا يكون فيه الناس مستعدين لتقبل أي سلوك كان إلا الخروج عن الإجماع الحاصل حول ضرورة الالتزام بالصوم، في مجتمع يعتبر الصيام "الدرجة الصفر للتدين، بل وللانسجام مع الجماعة، على رأي السوسيولوجية منية بناني الشرايبي؟ بالنسبة للمدمنين الذين لا يستطيعون صبرا "باسبور أحمر" كفيل بقضاء الغرض، "ما عليك إلا أن تعطي النقود لشي واحد من دوك الأفارقة الِّلي عندهم باسبور، وهو يجيب ليك الشراب حتى لباب الدار"، يوضح أحد العارفين بخبايا هذه الأمور. أما في الحالات الأقل حرجا، فهناك بدائل عديدة ممكنة: الحشيش، المعجون، الشيشا، التنفيحة.. "هناك نوع معين من الحشيش يزدهر في رمضان يسمى حرتوكة، يباع بثمن رخيص نسبيا على شكل قطعة تمكن من فَتْخ خمس أو ست جوانات. وتكون مطحونة ومخلوطة مع الحناء وشوية ديال السيليسيون". يقول أمين )25 سنة( من مدينة سلا، مشيرا بالمناسبة، إلى أن "أغلبية لحشايشية كيصليو فرمضان.. كاين الّلي ما كيفتخ حتى لمور الصلاة وكاين الّلي كيفطر بجوان". ليست هناك أرقام رسمية تؤكد ارتفاع استهلاك الحشيش في رمضان، غير أن بعض المستهلكين، الذين تحدثوا لـ"نيشان"، يؤكدون حصول ذلك. نفس التأكيد جاء على لسان مصدر أمني. "تعرف تجارة الحشيش والقرقوبي والمعجون رواجا كبيرا في رمضان. في حين يلاحظ انخفاض في مستوى الجريمة عموما، وذلك راجع لانعدام الخمور، التي تتسبب في حوالي 75 بالمائة من الجرائم"، يقول المصدر الذي أوضح أن أنشطة البزناسة تتركز بالخصوص في الفترة الممتدة ما بين صلاتي العصر والمغرب. رب قائل يقول: هل يصوم يا ترى البزناس الذي يبيع مخدرا محرما شرعا لمسلم صائم في رمضان نهارا، في حين يمتنع نادل عن تقديم الخمر لزبون مسلم حتى قبل التأكد من حلول رمضان؟. "خاصك تعرف بأن حتى شي واحد فهاد الأحياء الشعبية ما كايكل رمضان، بنادم تيقدر يتحشش وينفح ويبيع الحشيش ويسرق ويگريسي گاع ولكن بالنهار كتلقاه صايم"، يجيب أحد سكان حي التقدم بالرباط. في نفس السياق تضيف منية بناني الشرايبي: "تحرص الدولة على منع توزيع الخمور في رمضان، بغاية أسلمة المجال العمومي، لكنها تحرص في نفس الوقت على أن ينشط الشعب مع راسو في الليل. وحتى مراقبة هويات الناس من طرف دوريات الشرطة ليلا، لا تقع في رمضان".
"عباد لحريرة"
الساعة تشير إلى السابعة مساء. جماعات المصلين راجلين وراكبين تقصد مسجد الحسن الثاني من الجهات الثلاث، مع حضور بارز للنساء ولغير الملتحين. سيارات الشرطة، سيارات الإسعاف، القوات المساعدة، الحواجز الحديدية، صفارات حراس السيارات... تشي بحالة استنفار غير عادية. يقول سائق سيارة أجرة: "الجامع هو فاش كنخدم مورا لفطور حتى للتْمنية، هنا بعدا ما كاينش مشاكل. أما داك عين الدياب ماكنقربش ليه. نخاف نتزايد مع شي واحد فالهضرة ونصدقو دراري". بعد حوالي ساعة يمتلئ المكان عن آخره في مشهد تعرفه كافة مساجد المملكة، ابتداء من الليلة الأولى لرمضان. "بدأت الصلاة في رمضان وعندي النية باش نبقى نصلي مورا رمضان، في الحقيقة الجو ديال هاد الشهر يساعد على الصلاة والعبادة، ولكن المشكل هو أن هاد الجو ينتهي مع انتهاء شهر رمضان، فالليلة ديال العيد ما تنقدش نّوض للفجر" يقول شرف، معلم بنواحي الصويرة. إجمالا يعتبر رمضان فرصــــــــة بالنسبة للبعض "باش يعاود الحـــــــــساب من جـــــديد" على حد تعبير منية بناني الشرايبي. امتلاء المساجد في رمضان ليس حكرا فقط على صلاة التراويح، وإن كان يبلغ ذروته بمناسبة هذه الصلاة الرمضانية، الوحيدة من نوعها التي تصلى جماعة في المساجد منذ أن أبدع ذلك عمر بن الخطاب. حتى صلاة الفجر، التي لا يتجاوز فيها عدد المصلين صفا أو صفين عادة، تشهد إقبالا كبيرا للمصلين، ولسان حالهم يقول "فايقين للسحور فايقين.. علاش ما نصليوش نيت وتكون حجة وزيارة". حتى الّلي ما عمرو ما عرف القبلة فين جات، يذهب للمسجد في ليلة 27. المهم هو المشاركة. وبحسب مصدر من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يرتفع الإقبال على المساجد في رمضان بنسبة 45 في المائة تقريباً. هذا هو المنطق، الذي يُفْتَرض أنه ينظم علاقة من يسميهم المغاربة "عبادين لحريرة" مع شهر الصيام. أعمال البر والإحسان تشهد بدورها تركزا في هذا الشهر، الذي تفتح خلاله أبواب الجنة وتنعتق فيه الرقاب من النار. الكل يفرق الحريرة على المعوزين، المحسنون، الجمعيات الخيرية، الشركات والمتاجر... حتى الدولة تبحث من خلال مؤسسة محمد الخامس للتضامن عن الأجر المذكور في الحديث النبوي "من أفطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء". خلال رمضان الحالي يتوقع أن يصل عدد المستفيدين من حملة المؤسسة التضامنية 2,3 مليون فقير وأن تبلغ قيمة ما سيوزع عليهم 47 مليون درهم. توزيع الطعام على الفقراء والمعوزين يتخذ طابعا كاريكاتوريا في ليلة السابع والعشرين. لا ننسى أن رمضان مناسبة بالنسبة للبعض لإخراج الزكاة، التــــــي تتحول في الواقع إلى مجرد صــــدقة، بعد أن يكونوا قد أدوا مختلف أنواع الضرائب. حتى الخاسْرين ديال الحومة كيوليو ظراف في رمضان "واحد الكورتي ديال الطاكسيات الكبار معروف أنه خاسر. قال لمول الطاكسي حينما رفض أن يعطيه درهما: والله ما نسمح ليك. في الأيام العادية كان غادي يجمع ليه الطاسلة والفاصلة والدين والملة وما يتحرك حتى ياخد درهم"، يقول أحد سكان حي مولاي رشيد بالبيضاء. قد يكون الله هداه فعلا، وقد يكون هذا السلوك من طرف هذا الشخص مجرد استراحة محارب، وقد يصفي حسابه مع صديقنا مول الطاكسي مورا المغرب أو بعد العيد.
حانوت الحسنات
لماذا يتركز التدين والبر والإحسان في رمضان، دون باقي أشهر السنة، علما أن العبادة مفروضة طيلة السنة؟ هل يمكن القول إن سلوك الناس هذا تعبير عن نوع من النفاق؟ "التركيز على المقدس، بمفهومه العام، في رمضان، ليس مؤشرا على أن المجتمع متدين وإنما هو مؤشر على أن الناس يسيجون الدين في وقت محدد، بحيث يصبح هناك وقت للتدين ووقت آخر للاتدين، وهذا مؤشر على العصرنة"، يجيب السوسيولوجي محمد الطوزي، مؤكدا على أن رمضان لم يعد كافيا للتعبير عن الغلو في التدين، بل أضحى مناسبة دنيوية عادية، وإذا أردت البحث عن الغلو في التدين، يقول الطوزي، فستجده في صوم 6 أيام من شوال وصوم الاثنين والخميس وقيام الليل... بالمقابل حصر التدين في رمضان يعفي الناس من فعل نفس الشيء خلال باقي أشهر السنة. وهذا ناتج عن سيرورة تاريخية عادية جدا. لا ننسى أن المسيحيين عرفوا نفس الشيء وتجاوزوه. الفرق هو أن الدين عندنا شأن تدبره الدولة وتتحكم فيه إرادة سياسية. من جهته يؤكد فريد الأنصاري، رئيس المجلس العلمي بمكناس، أن ما يحدث في المساجد خلال رمضان لا علاقة له بأي نوع من أنواع النفاق، بل هو راجع فقط "لنقصان المواكبة التربوية للمغاربة، هذه المواكبة تحصل في رمضان بالموازاة مع توقف نشاط عدد من الناس الذين يشتغلون بأدوات إلهائية كالخمارات مثلا. أما المواكبة التربوية فالمعني بها هم الدعاة الذين يتكاسلون في الغالب عن أداء واجبهم خارج رمضان". لا أحد يستنكر امتناع المسلمين عن أداء الصلاة، علما أنها عماد الدين وأنها تتقدم على الصيام من حيث ترتيب أولويات الإيمان، ألم يقل الرسول "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"؟ و"أن بين الرجل وبين الشرك، والكفر، ترك الصلاة"؟hellip; ولا أحد يذكر أن الزكاة، مثلا، علما أنها هي الأخرى فرض ديني، ما معاهش اللعب؟ في حين لا يتسامح أحد مع الّلي كياكل رمضان، "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، ترد موظفة في إحدى الشركات بالبيضاء على زميل لها، عندما أشهر في وجهها هذه المفارقة. "عندما كنت طالبا في الرباط، يحكي موظف في الأربعينات من العمر بكثير من السخرية، كانت تأتي صديقتي إلى البيت في رمضان، وكنا نمارس الجنس معا في النهار، وملِّي كنحط الطاجين باش نتغدى، تنقول ليها باسم الله، كترد عليا: وايْلّي حشومة، ما يْمكنش ناكل رمضان". أشخاص آخرون تحدثت لهم "نيشان" حكوا قصصا مماثلة وقعت وما تزال تقع في رمضان. "الغريب في علاقة المسلمين مع الله، حسب الطوزي، هو أنها علاقة مبنية عموما على الحساب، أو ما يسميه جاك بيرك بدكان المقدس. ربما لهذا كان المسلمون في الماضي تجارا كبارا ولم يكونوا صناعيين كبارا. هذا الأمر يظهر بوضوح كبير في الحج، بحيث تكون هناك عروض متعددة وكل عرض بثمنه". هناك إذن نوع من الانتهازية من طرف المسلمين في هذه العلاقة. "بالفعل في رمضان يكون الأجر مضاعفا، لكن ذلك لا يعني أن الناس انتهازيون، بل أعتقد أن سبب هذه الازدواجية هو الجهل، فالعبادة المفروضة طيلة أشهر السنة لها أجرها كذلك". يرد فريد الأنصاري. في حين، يشير الطوزي إلى أن تقديس فريضة الصيام على حساب الصلاة يختلف من مجتمع لآخر، فجيراننا الموريتانيون يتسامحون مع من لا يصوم، خاصة في البوادي، كُلْهم كيمرضو ويضرهم راسهم وكيقسِّيو، لكنهم لا يتسامحون مع من يمتنع عن الصلاةهذه الملاحظة تصدق أيضا على أغلب مسلمي إفريقيا جنوب الصحراء،
شوية لربي وشوية لعبدو
لحظات قليلة بعد وجبة الإفطار، يقصد لحسن، حارس السيارات في عقده الخامس، مقهاه المفضل بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة، يخرج قطعة الحشيش من جيبه ويشرع في الفتيخ، دقائق بعد ذلك يلتحق به صلاح، يطفئ هاتفه النقال، ويشرع في شم التنفيحة، يفرش صاحب المقهى طَرْف ديال الموكيت فوق الطاولة ويأتي بأوراق الرامي... يتقاطر الزبناء على المقهى تباعا. بعد لحظات يمتلئ المكان عن آخره، ويغطي دخان السجائر والجوانات الفضاء. "ما عندي فين نمشي مورا الفطور. الشيخات دايرينهم في سيدي يحيى وأنا ما عنديش باش نمشي عندهم"، يقول حارس السيارات. سمر مّالين الرامي في رمضان يستمر عادة حتى موعد السحور، طيلة ليالي شهر الغفران، فرصة لا تعوض بالنسبة لصاحب المقهى، الذي قد تصل أرباحه من القمار في هذا الشهر إلى "حوالي 8 ملايين سنتيم"، حسب أحد الزبائن. أمر طبيعي، ففي رمضان يرتفع عدد الزبناء بشكل ملحوظ، خصوصا بالليل، هناك من يأتي بعد أداء الصلاة وهناك من يأتي مباشرة. إلى أي الصنفين ينتمي حارس السيارات يا ترى؟ "لا أنا ما كنصليش. أنا ماشي منافق"، يرد صديقنا. أفلا يخشى أن يضيع أجر الصيام فْهاد القْمر، الذي يحرمه الدين كما هو معلوم؟ واش هدا بالنسبة ليه ماشي نفاق "لا إطلاقا.. أنا كندير اللي عليا.. إيوا الله يعفو وصافي"، يجيب منفعلا بشيء من الارتباك. قبل أن يضيف "بزاف ديال الناس كيْجيو لهاد القهوة غير فرمضان، ومنهم الّلي كيْجي مورا التراويح. هداك الراجل مثلا ماشي غير كيصلي ويصوم ولكنه "حاج" گاع. حتى في ليلة 27 كيباتو الناس هنايا". في الجهة الأخرى من المدينة، لا يكاد المرء يميز المصلين الخارجين من مسجد بدر بشارع فال ولد عمير في الرباط، بعد انتهاء صلاة التراويح، عن الصيادة الذين خرجوا لتعقب بنات الليل في نفس المنطقة. في مشهد عجيب يمتزج فيه الورع بالغنج. ينضاف إليه منظر بعض رواد المقاهي المنتشرة على ضفتي الشارع وهم يعاكسون النساء. تقول أمال في هذا الصدد "تربيت على طريقة غربية، لكنني خلال رمضان، أتفادى ارتداء السراويل اللاصقة وغيرها حتى لا أثير الانتباه ". فماذا تقول بائعات اللذة عن رمضان؟ "الّلي ساكنة بوحدها هي الّلي كتقدر تخدم فهاد رمضان. أنا بعدا ما نقدرش نخرج مع شي واحد فرمضان، من غير يْلا كان عندو الدوش فدارو". لماذا؟ "غادي نحشم ندخل بالليل وندوش قبل الفجر قدام الوالد والوالدة، أو لا ندير السيشوار قدامهم باش ننشف شعري مع السحور"، تقول فتاة من حي شعبي بالعاصمة، تعيش مع والديها في غرفة واحدة وتعيلهما مما تجنيه من الدعارة. عموما يكثر الإقبال على بنات الليل في رمضان، حسب ما أكده الكثير ممن تحدثوا لـ"نيشان". غير أن ذلك لا يعني أن رمضان همزة بالنسبة لكل من يتعاطين هذه المهنة. "كل بنت وكيفاش. كاين الّلي كتمشي لدارها وكاين الّلي كتبقى خدامة. أنا بعدا كنمشي لدارنا وكندوز رمضان مع بنتي"، تقول هذه المرأة التي امتهنت الدعارة بعد طلاقها. في حين تفضل أخريات بيع مواد خاصة برمضانكالبغرير مثلا
الله كبير وبنادم ضعيف
أليس غريبا أن الناس خلال رمضان يستطيعون الجمع بين الصيام والحرص عليه وبين تعاطي أنشطة يحرمها الدين ويعاقب عليها بشدة؟ ألا يجدون حرجا في تغيير قناع الــصائم بقنـــــــاع المســــــلم المتحرر ما بين الليل والنهار؟ منية الشرايبــــــي تذكر بأن "تمييز شهر معين عن بــــــاقي الشهور وتقديسه لا يعني أنه يكون بمــــــنأى عن الديناميات التي تتحكم في المجتمع". "الناس لا ينافقون، الناس كيصليو بصح وكيسكرو بصح؛ يقدر الواحد يمشي يقصر فالليل ويرجع يصلي دون أي مشكل، فهو لديه مبرر قوي، بحيث يقول بنادم ضعيف والله كبير. ثم إنه لا يخرج عن الدين، فلديه الكفارة ووسائل أخرى باش يقاد المسائل ديالو"، يؤكد محمد الطوزي. هناك من يعادل الكفة بعد سنوات. يحكي يونس )27 سنة، مجاز في الدراسات الإسلامية( قائلا: "قبل سبع سنوات قضيت ليلة 27 مع صديقتي فدارهم. أمها خرجات تصلي التراويح، وبقينا بوحدنا فالدار... قبل الفجر دوشت وتسحرت وصمت عادي". هل يمكن أن يقوم يونس بنفس الشيء اليوم؟ "مستحيل" يرد صديقنا. "الممارسة الدينية، يفسر الطوزي، لا تحقق الإيمان في حد ذاتها، ولكن التكرار هو الذي يؤدي إلى الإيمان". من جهته، يشير أبوبكر حركات، أخصائي العلاج النفسي والجنسي، إلى أن الجوع والمنع عاملان يحفزان على التفكير في الجنس، وأن الناس يخرجون بكثرة في الليل، فلابد أن يقع احتكاك الجنسين كما يحدث نوع من التحلل عند الناس، "رمْضان ولا ماشي رمضان، الليل ديالنا". مع العلم أنه "إيلا كانت الحريرة والقزبور كتدوخ وكتقل، فإن السكريات والفواكه الجافة التي تحتوي على الفيتامين )E( وبعض أنواع الأسماك والسجائر والشاي والقهوة والزميطة... كلها مواد منشطة جنسيا. هذا دون أن ننسى المعجون الذي يتعاطاه الكثير من الناس خلال رمضان"، يشرح حركات.
الأخ مْرَمضَن
خلال النهار، تكون الأعصاب غالبا متوترة. "أسيدي حبسو الشارع وسيرو للولاية وقولو ليهم رَاني مْفرعن هنايا.. والله ما يكون كيصور بحالي الجيعان لاخور"، الكلام لسائق طاكسي كبير في إحدى المحطات المكتظة بالبيضاء. "آنعل الشيطان أصاحبي راك صايم"، يقول شخص من المتحلقين حول هاد الجوقة، فيما يكتفي آخر بالتعليق "صايمين بالجميل". خلاف بسيط حول بلاصة تحول إلى حرب من الشتائم بين سائقين، حوالي ساعتين قبل موعد الإفطار. مشهد رمضاني بامتياز، بطله شخصية يسميها المغاربة "لمرمضن" أو المقطوع، يتكرر في محطات الطاكسيات كما في الحافلات والأسواق الشعبية وملاعب الكرة التي تحتضن "البطولة ديال رمضان". وا شْعَل. "عدم تناول المواد المنبهة كالسجائر والقهوة والشاي، يفرز ردود فعل فيزيولوجية وعصبية تؤثر على مستوى السلوك والتوازن العصبي"، يشرح أحمد الحمداوي، أخصائي العلاج النفسي، مؤكدا أن النظام الغذائي له علاقة وارتباط بسلوك الأفراد. من بين هؤلاء الأفراد شاب مدمن على المخدرات والأقراص المهلوسة، وفق ما تناقلته الصحف، في حي الأمل بالدارالبيضاء، طلب من والدته أن تعد له وجبة الغداء في ثاني أيام رمضان، لكن الأم رفضت، ففقد الفتى السيطرة على أعصابه، وتوجه نحو المطبخ، وأخذ سكينا وأودعه في صدر والدته الحنون. طبعا لا يعني ذلك أن كل "لمرمْضنين" مؤهلون لارتكاب جريمة قتل تحت تأثير "القطـــــــعة"، لكنـــــهم مستعدون في أغلب الأوقات للــــــــشجار لأتفه الأسباب. الغريب في الأمر، حسب ما لاحظته منية بناني الشرايبي، هو أن "الناس يتقبلون سلوكات لمرمضن، ليس لأنه غير قادر على السيطرة على أعصابه وقابل للانفجار في أية لحظة، بل لأنه ملتزم بفريضة الصيام، وكأنهم يلتمسون له العذر". فالأهم بالنسبة للعموم في رمضان، تخلص الشرايبي، هو عدم الخروج عن الإجماع الحاصل حول الصيام، لأن ذلك من شأنه "تهديد نظام الجماعة". المغاربة لا يأكلونفقط وفق أذواقـــــهم ويلبسون على ذوق الناس، كــــــــــما في المثــــــــل الشهيربل لعلهم أيضا يأكلون حسب أذواقهم ويصومون حسبذوق الجماعة،