جريدة الجرائد

أصداء التفجير النووي الكوري الشمالي تتردد في المنطقة العربية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هل تصبح بيونغيانغ مثالاً يحتذى في طهران؟ ...


مصطفى اللباد - الحياة



هدأ غبار التفجير النووي الذي أطلقته كوريا الشمالية الأسبوع الماضي؛ ولكن تداعياته الجيو-استراتيجية لا تزال في أوجها وهي مرشحة أن تبقى كذلك في المدى المنظور. ولا تمتد تأثيرات التفجير الكوري إلى جواره الجغرافي والإقليمي في اليابان وكوريا الجنوبية فقط، بل تتعداه إلى خلق سباق تسلح نووي في كل القارة الآسيوية وصولاً إلى هز صدقية وجدوى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما تطاول تداعيات هذا التفجير أيضاً سيناريوهات التعامل الدولي مع ملف إيران النووي.

دخلت بيونغيانغ النادي النووي بفعل الأمر الواقع بعد تفجيرها واحتلت لنفسها مكاناً مع الأعضاء الثمانية (أميركا، روسيا، الصين، فرنسا، إنجلترا، إسرائيل، الهند، باكستان)، بعد أن نقلها التفجير من دولة عالمثالثية معزولة إلى دولة عالمثالثية نووية ومعزولة أيضاً.

وعلى رغم المدى الكبير نسبياً للعقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 1718 على كوريا الشمالية (تشمل حظر بيع أسلحة إليها وتجميد أصولها المالية في الخارج، وحظر سفر المسؤولين عن برنامجها النووي وتفتيش السفن الكورية الشمالية وحظر بيع السلع الكمالية والتكنولوجية لها)، إلا أن هذه العقوبات ستذهب في سياق الصراع الدائر بين بيونغيانغ والمجتمع الدولي كمرحلة انتقالية وسط بين وضعين.

ذلك أن التفجير النووي الكوري الشمالي يطرح احتمالين متضاربين: الأول أن تتزايد الضغوط بحيث ترفع الصين الغطاء تماماً عن حليفتها الإقليمية وتتخلى روسيا عن معارضتها توسيع العقوبات؛ بالترافق مع ضغوط الحاجة إلى السلع الغذائية في كوريا الشمالية، مما يدفعها إلى تفكيك مشروعها النووي التسليحي. أما الاحتمال الثاني فهو إمكانية استيعاب بيونغيانغ العقوبات الدولية، إذ هي غير منخرطة في الاقتصاد العالمي مما يجعل تأثير العقوبات في الحد الأدنى، بالترافق مع تراخي الدول الأعضاء في مجلس الأمن عن انتهاج إجراءات متشددة إضافية ضدها، مما يسمح لها لاحقاً بأن تقترب بالتدريج من حلبة السياسة الدولية، ويضمن لها اعترافاً واقعياً كدولة نووية.

وللإشارة إلى قابلية الاحتمال الثاني للتحقق يكفي سوق مثال الهند وباكستان وتفجيراتهما النووية في التسعينات، إذ أعقب تفجير الهند النووي مباشرة تفجير باكستاني مماثل، وأعقب كلاهما تنديد دولي وعقوبات لم تلبث أن تبخرت بمرور الوقت. وانقلب الوضع نهائياً قبل شهور قليلة من هذا العام أثناء زيارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى الهند، إذ تم الاتفاق على أن تزود واشنطن نيودلهي بمفاعلات نووية، في سياق تمتين التحالف الأميركي-الهندي تحت مظلة التصدي للإرهاب العالمي. وهكذا لم تعترف واشنطن بالهند كدولة نووية فقط، بل حصلت الهند على مكافأة ثمينة لقاء خرقها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في مثال بالغ السوء لإدارة العلاقات الدولية وجدية معاييرها وقدسية الالتزامات التعاقدية للدول.

دخل "العامل الكوري" كعنصر جديد في معادلة الصراع حول الملف النووي الإيراني، الذي ينتظر أن يبحثه مجلس الأمن قريباً، على الرغم من أن المقارنة لا تبدو عادلة من حيث مستوى تطور البرنامج النووي لكلا البلدين. فكوريا الشمالية أعلنت عن نفسها دولة نووية بالفعل، في حين لا تكل إيران ولا تمل في التشديد على سلمية برنامجها النووي فضلاً عن ابتعاده بسنوات عن مرحلة انتاج الأسلحة النووية. ولكن توقيت التفجير النووي الكوري، قبل بحث مجلس الامن للملف النووي الإيراني مباشرة، وبعد فترة وجيزة من إعلان المفاوض الأوروبي خافيير سولانا عن فشل محادثاته مع المسؤول عن الملف النووي الإيراني علي لاريجاني، أدخل كلا الملفين في سياق تصاعدي واضح. والعامل المشترك بين كل من بيونغيانغ وطهران يتمثل في عضويتهما المشتركة في "محور الشر" الذي أعلنته الإدارة الأميركية، وكلا البلدين يناصب واشنطن العداء ويناوئ سياستها، في منطقته الإقليمية. وهكذا فالضغط الأميركي لتشديد العقوبات على كوريا الشمالية لم يستهدف بيونغ يانغ فقط، بل وضع أيضاً نصب عينيه طريقة التعاطي القادمة مع طهران. ولم تخف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هذه الحقيقة عندما قالت فور إقرار مجلس الأمن العقوبات على كوريا الشمالية "على إيران أن تعتبر عقوبات الأمم المتحدة على بيونغيانغ بمثابة إنذار".

ربما تكون إيران خسرت بعض ديناميكياتها التفاوضية على الصعيد الإجرائي بسبب التفجيرات النووية الكورية، إذ ترافقت الأخيرة مع انتهاء المفاوضات الإيرانية-الأوروبية، وعلى خلفية عدم رغبة أي من الطرفين المتحاورين في تعديل مواقفه. وهذه النهاية ستؤدي بالملف النووي الإيراني إلى طريق العقوبات على الأرجح، لكن العقوبات التي ستفرض على طهران لن يتجاوز سقفها، ما أقره المجلس بالفعل في شأن بيونغيانغ حسب القرار 1718، نظراً الى الفوارق في تطور البرنامج النووي وفي الالتزامات التعاقدية. وعلى رغم هذه الحقيقة فإن اندماج إيران الموضوعي في الاقتصاد العالمي، أو في السوق العالمي للطاقة على الأقل؛ سيجعل تأثير عقوبات اقتصادية، مماثلة لتلك التي فرضت على كوريا الشمالية أو أقل منها، أكثر تأثيراً على إيران. كما أن هذا الترافق سيسمح لواشنطن بحشد دبلوماسي وخلق ارتباط إعلامي أكثر تركيزاً ضد البرنامج النووي الإيراني، ذلك الذي صار مترافقاً في غالبية وسائل الإعلام مع التفجيرات الكورية. وإذا عطفنا هذا الترافق الإجرائي والارتباط الإعلامي على تشدد أيديولوجي مشترك بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل لأصبحنا بالفعل أمام "خلطة سحرية" تجمع بين البلدين برباط لا ينفصم من وجهة النظر الأميركية. وبسبب تضافر وتشابك تلك العوامل سيؤثر تفجير كوريا الشمالية النووي سلباً على طهران ويذهب مرحلياً كخسائر صافية في صورتها الإعلامية وقدرتها السياسية على إدارة علاقاتها الدولية.

ولكن في المقابل ربما تكون إيران ربحت نقاطاً على الصعيد الجيو-استراتيجي من جراء تفجيرات كوريا الشمالية، فتطور الأحداث في شبه الجزيرة الكورية سيدفع واشنطن إلى إرسال قوات أميركية إضافية إلى هناك، لطمأنة حليفتها كوريا الجنوبية، وهذا بدوره سيقلص من قدرة واشنطن على القيام بعمل عسكري ضد إيران. فالقوات الأميركية تتخبط في العراق وتعاني من هزيمة سياسية في أفغانستان بعد مرور خمس سنوات على احتلالها. وتورط القوات الأميركية عسكرياً في غير منطقة من العالم سيحد بالتأكيد من قدرتها على شن حروب أخرى، باعتبار أن التلويح بضربة عسكرية ضد طهران صار منذ فترة احتمالاً واقعياً لدى الإدارة الأميركية.

وتبرز نتيجة إضافية للتفجيرات النووية في كوريا الشمالية، حيث من المتوقع أن تنخرط بكين بفعالية في إحباط المساعي الأميركية لفرض عقوبات مشددة على إيران، ومرد ذلك أن الصين بوصفها الداعم الحصري لكوريا الشمالية، رفضت مشروعاً أميركياً لعقوبات ضد بيونغيانغ كأنه تضمن إمكانية اللجوء إلى القوة المسلحة لتفكيك البرنامج النووي الكوري الشمالي. وربما تكون موافقة الصين على القرار 1718 واتفاقها مع واشنطن على مسودته النهائية راجعة إلى كون القرار يكبل واشنطن عسكرياً ضد بيونغيانغ ويثبتها عند سقف العقوبات الاقتصادية فقط. وبالتالي فمن المتوقع أن ترفض الصين آلية الانتقال إلى "إجراءات أشد صرامة" ضد إيران أيضاً وألا توافق على أنماط من العقوبات الاقتصادية تؤثر سلباً على مصالحها النفطية في طهران.

ولا يخفى في هذا السياق أن بكين التي ستصبح المستورد الأول للنفط في العالم بحلول العام 2030 والتي تحتل المركز الثاني حالياً بعد واشنطن، تستورد بالفعل 13 بالمئة من احتياجاتها النفطية عبر إيران، وهو ما يضع الأخيرة في مرتبة متقدمة من سلم أولويات بكين الاستراتيجية. ولكل ذلك فالأداء الصيني الأخير في مجلس الأمن مرشح أن يتكرر عند مناقشة إجراءات مماثلة ضد طهران، إن لم ترفض بكين العقوبات ضد إيران من أساسها.

أدى التعنت التفاوضي لواشنطن في مواجهة بيونغيانغ - ضمن عوامل داخلية كورية شمالية بالطبع- إلى خطوة بيونغيانغ النووية، فقد لوحت الأخيرة في منتصف التسعينات بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ودخلت في مفاوضات مع أطراف دولية (أميركا، الصين، روسيا، اليابان، كوريا الجنوبية). وكان أن اتفقت هذه الأطراف على أن تزود واشنطن كوريا الشمالية بمفاعلات نووية تعمل بالماء الخفيف وليس الماء الثقيل لتلبية احتياجات بيونغيانغ من الطاقة، وفي الوقت نفسه ضمان عدم انحراف برنامجها النووي إلى وجهة عسكرية، كما التزمت واشنطن وسيول بتوريد النفط إلى كوريا الشمالية حتى توريد هذه المفاعلات. ولما لم تلتزم واشنطن تعهداتها؛ انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2002 وظلت مستمرة في المفاوضات من موقعها خارج الاتفاقية وحتى تجربتها النووية الأخيرة.

وتتشابه -للمفارقة- حزمة الحوافز التي قدمها المفاوض الأوروبي لطهران مع سير التفاوض الكوري الشمالي، من ناحية أن طهران -العضو في معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية منذ ثلاثين عاماً- عرضت عليها أيضاً مفاعلات تعمل بالماء الخفيف لضمان سلمية برنامجها النووي ولكن من دون تفصيلات محددة عن طبيعة هذه المفاعلات. وفي حين حاول سولانا أثناء مفاوضاته الماراثونية مع لاريجاني انتزاع موافقة طهران على إيقاف تخصيب اليورانيوم ولو لشهور، لم يفلح لاريجاني بدوره من انتزاع تفصيل أكثر لحزمة المزايا الأوروبية وتخليصها من طابع العمومية الذي اتسمت به.

أصبحت إيران شريكاً من نوع خاص لكوريا الشمالية، على الرغم من اختلاف مستوى التطور النووي في كليهما، وتباين درجة الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتردي مستوى المعيشة في كوريا الشمالية بمراحل كثيرة عنه في ايران؛ وعلى الرغم من تفاوت الأهمية الجيو-استراتيجية والإقليمية بين الخليج العربي الذي تطل عليه طهران وبحر الصين الذي تندرج بيونغيانغ في منظومته الإقليمية. لكن سياق التصعيد الأميركي ضدهما واحتمال فرض عقوبات اقتصادية على إيران بعد كوريا الشمالية؛ بالتوازي مع نجاح الأخيرة في فرض نفسها عضواً بالنادي النووي، سيصعد من مكانة بيونغيانغ لدى الجناح المتشدد في طهران. عندها سترتقي كوريا الشمالية، المعزولة دولياً والتي تعاني انهياراً اقتصادياً غير مسبوق وشمولية سياسية قل نظيرها، من مجرد شريك لطهران في برامج التسلح وبالأخص أنظمة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، إلى مستوى المثال الواجب اتباعه في إدارة العلاقات الدولية والإقليمية. ومن شأن هذه النتيجة أن تدخل منطقتنا العربية في نطاق الهزات الارتدادية لتفجير كوريا الشمالية النووي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف